الكلمة التي القيتها مساء يوم الأربعاء 4 أيلول/سبتمبر
مدرج المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، في اربعينية الراحل عدنان كنفاني
عدنان كنفاني، الصديق والرفيق، المثقف الفلسطيني، المهندس والأكاديمي، ابن مدينة عكا، التي رأت عيناه النور تحت سمائها، وسماء فلسطين قبل النكبة الكبرى، فتكحلت ببريقها.
عدنان كنفاني، ابن المدينة العملاقة، مدينة عكا، التي لاتنام إلاَّ على هدير البحر، شقيقة حيفا ويافا وغزة، المدينة التي هزمت نابليون على اسوارها، وحطمت جيشه الغازي، وحمت بذلك ديار الشام من مشروعه الإستعماري الأول في حينها.
في عكا، وعلى أرض فلسطين، تَشرَّب عدنان كنفاني الوطنية الخالصة. في عكا القديمة، وابنيتها الحجرية، وحاراتها وأزقتها التي مازال الكثير منها قائماً حتى الآن، ومازال بين جنبات تلك الحارات وفي قلبها ينغرس حراس الحلم والوعد الفلسطيني، ممن تبقى من اهلنا على أرض فلسطين بعد النكبة.
عدنان كنفاني، ليس صديقاً جمعتني به صفوف اتحاد الكتاب العرب فقط، بل هو ابن الوطن الواحد، وابن الجرح الواحد، وحامل الحلم الوطني بالعودة مهما طال المسير والزمن، وتعددت الإلتواءات، وبرزت المصاعب.
عدنان، شقيق الحبيب الشهيد غسان كنفاني، غسان العكاوي، واليافاوي المولد، ابن المدرسة القومية، التي ترعرع في صفوفها، فهو من الجيل الثاني لحركة القوميين العرب التي تأسست عام 1949، الجيل الذي تتلمذ على يد قسطنطين زريق، وابن اللد الدكتور جورج حبش، وابن مدينة صفد الدكتور الشهيد وديع حداد، وأحمد اليماني، وأبو علي مصطفى، وصالح شبل، والحكم دروزة، ومحسن ابراهيم ... وهذا الرهط الكبير من رواد العمل القومي في تلك السنوات التي كانت تَضُجُّ بالآمال المشروعة والكبيرة، وهي آمال مازالت تكتسب زخمها ومشروعيتها اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
في تلك البيئة، والواقع المعاش، كان عدنان كنفاني، مُشبعاً بالروح القومية، الروح التي ربطت فلسطين مع وطنها الأصلي، ربطت الجزء مع الكل، فلسطين مع الوطن الأم سوريا الطبيعية، فتماهت عنده دمشق الفيحاء مع عكا واسوار عكا، ومع يافا وحيفا واللد ونابلس (دمشق الصغرى)... وبنى مداميك موقفه مما جرى خلال السنوات الأخيرة انطلاقاً من هذا الوعي المُتقدم.
عدنان كنفاني لم يكن مثقفاً عابراً لميادين الثقافة وساحاتها، بل كان مثقفاً ملتزماً برسالة وطنية، فهو المثقف العضوي ـــــ بل والمثقف المشتبك وفق مصطلح الشهيد باسل الأعرج ـــــ فهو صاحب الرسالة في مجتمعه، المثقف العضوي الذي يُدرك بمهارة وعي جماعته التي ينتمي إليها، وطموحاتها الوطنية المشروعة.
أخيراً، صديقي عدنان كنفاني، سلم لنا على الجميع، سلم لنا على عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيَّاد، على ماجد أبو شرار، وحنا مقبل، ويعقوب ابو غزالة، وناجي علوش، وحمزة برقاوي، وغسان كنفاني، ومحمد حسيب القاضي، وأبو الصادق صلاح الدين الحسيني، ومهدي أبو سردانه، الذين كتبوا معظم أناشيد الثورة والمقاومة ... سلم لنا على الشهيد الشاعر علي فودة الذي استشهد بمكانٍ ليس ببعيدٍ عني في حصار بيروت صيف العام 1982، استشهد وهو يوزع مطبوعة (الرصيف) على المقاتلين، وعلى شاعر المخيم أحمد دحبور، وعلى شُبيبة وربابة فلسطين ومنشد ثوراتها الشاعر نوح ابراهيم ... وعلى الجميع ... فالعهد هو العهد، والوعد هو الوعد.. عهد ووعد فلسطين الآتية...
علي بدوان
عضو اتحاد الكتاب العرب