العثور على الذات ... اغتيال الدونية (18)

بقلم: عدنان الصباح

يصر دعاة امتلاك الحقيقة في الجانبين الليبرالي العلماني والمتدين على تجريم الآخر فكرا وشخصا او مؤسسة فكما يتهم العلماني والليبرالي الدين ويجعلون منه سببا لكل تخلف وهزيمة وتراجع وقد قدمنا كل ما يثبت بطلان هذا القول وضربنا الامثلة تلو الامثلة على ذلك, وعلى الجهة المقابلة او المناقضة يكرر المتدينون الفعل نفسه فتجدهم يصرخون علنا بان الابتعاد عن الدين هو سبب كل امراضنا ومصائبنا ولو اننا التزمنا بالدين وامنا به لاختلف الامر كليا ولنصرنا الله وحين نبحث عن مضمون هذا الايمان الذي يريدون لنا اتباعه نجدهم ينتقلون فورا الى تعاليمهم وفتاويهم وطائفيتهم فالشيعي لا يقر ابدا بصحة ايمان السني وهكذا ولذا يظل السؤال أي دين يريدون لنا اتباعه واي طائفة هي الحق واي مفتي هو الذي لا ينطق عن الهوى وقد انتهى عصر الانبياء والرسل.

الغرب المتقدم بكل تلاوين اشكال حكمه الرئاسي والجمهوري البرلماني والملكي والرئاسي المقيد والذي ابقى على مكانة الدين والذي استبعد الدين كليا جميعا يقفون اليوم في مقدمة حضارات الشعوب متقدمين كل الصفوف بينما لا زالت امم تدعي الايمان وامتلاك الحقيقة تتراجع الى الوراء يوما بعد يوم فمساجد العرب مملوءة بالمصلين ودعاة الايمان يجوبون الارض شرقها وغربها طرحا لقضية الايمان ودعوة لها وعدد المساجد التي تبنى كل عام كبير جدا ففي بنغلادش الدولة التي تعتبر من اكثر دول العالم تخلفا بها 250 الف مسجد وعدد سكانها المسلمين 137 مليون وفي الهند 300 الف مسجد ل176 مليون مسلم وفي اندونيسيا 800 الف مسجد ل 209 مليون مسلم وفي تركيا 82 الف مسجد ل 71 مليون مسلم وفي مقاطعة واحدة في الصين يوجد 25 الف مسجد وفي مصر يوجد 108 الاف مسجد ومجموع المساجد في العالم حوالي 3,6 مليون مسجد أي مسجد لكل 500 مسلم لكن هذه المساجد لم تجعل من اصحابها يتقدمون في بنغلادش ولك تجعلهم يتخلفون في اندونيسيا ولم تجعل من الصين بلدا مسلما ولم تجعل من الاسلام دينا للدولة في الهند أما في فرنسا الدولة الاوروبية الليبرالية فقد ذكر مدير المجلس الفرنسي للمسلمين "محمد موسوي" لراديو "R.T.L" أن هناك 150 مسجدًا قيد الإنشاء، كما أن عدد المساجد في العقد الماضي قد تضاعف إلى ألفي مسجد، وهناك حاجة لأن يتضاعف هذا العدد إلى 4 آلاف مسجد خلال العقد القادم, وفي استطلاع أجرته صحيفة "لاكرويكس" الكاثوليكية، تَبَيَّن أن الكنيسة الكاثوليكية قد بنت خلال العقد الماضي 10 كنائس فقط، وأغلقت 60 كنيسة أبوابها بسبب قلة مرتاديها، وغالبًا ما يتم شراؤها من قبل المسلمين ويتم تحويلها إلى مساجد, وكتب "معهد هدسون" الأمريكي في موقعه على الإنترنت أن هذه الأرقام تشكل دليلاً واضحًا على أن الإسلام يمشي في الطريق الصحيح، وسيصبح الدين السائد في "فرنسا", ويشير المعهد إلى أن المسلمين يومًا بعد يوم يصبحون أكثر حَزمًا، ويبحثون عن الكنائس الخالية ليحلوا مشكلة المرور التي تتكون أحيانًا بسبب كثرة أعداد المترددين على المساجد في صلاة التراويح أو أيام الجمع، التي تدفع المسلمين إلى الصلاة في الشارع لعدم وجود مساجد كافية؛ وبذلك يتم عرقلة السير في أماكن محددة في "باريس".

بحسب دراسة قامت بها معهد غالوب الدولي عام 2013 وجدت أن المسيحيين هم الأكثر تدينًا بين أتباع الأديان الإبراهيمية من حيث نسب المتدينين بمختلف طوائفهم والتي بلغت 81% بينما كانت نسبة غير المتدينين أو المسيحيين الإسميين منهم 16%. يأتي المسلمون ثانياً بنسبة المتدينين بينهم والتي وصلت إلى 74% بالمئة مقابل 20% من غير المتدينين، ويأتي اليهود ثالثاً بنسبة 38% من المتدينين و54% بالمئة من غير المتدينين, وبذا فان التدين المسيحي يغلب التدين الاسلامي ولم يؤثر على تقدم الدول المسيحية كما لم يفعل التدين الاسلامي نفس الفعل فانتشار المساجد والتدين في بنغلادش لم يعطي نفس النتائج للتدين في الولايات المتحدة وقلة نسبة المتدينين عند اليهود لم يهزم اسرائيل المحتلة لفلسطين.

في اليابان وحدها هناك 100 الف معبد وضريح وثمانية ملايين اله فقط لديانة الشنتو التي يتبعها 160 مليون نسمة ومع ذلك فان اليابان التي تتكون من ثلاثة آلاف جزيرة وتحتل الجبال 70% من مساحتها بما يعنى ان صعوبات الطبيعة تفوق اية صعوبات اخرى لدى دول موحدة الارض كمصر او اليمن او السعودية كما وسبق لليابان وان تعرضت لأقسى احتلال وتدمير في التاريخ المعاصر كما لم تتعرض لذلك بلدان مثل السعودية وتعتبر مساحة اليابان سدس مساحة السعودية وثلث مساحة مصر غالبًا ما تعاني اليابان من الكوارث الطبيعية الخطيرة مثل الأعاصير والانفجارات البركانية والزلازل. وعلى الرغم من أن هذه الكوارث يمكن أن تودي بأرواح الكثيرين، كما حدث في زلزال هانشين ـ أواجي الكبير في يناير 1995م وزلزال نيغاتا تشوإيتشو في أكتوبر 2004م - إلا أن اليابانيين يعملون جاهدين منذ عدة سنوات لتقليل آثارها المدمرة. وتستخدم اليابان أحدث التقنيات لتصميم مبان مقاومة للزلازل ومتابعة مسارات العواصف بمنتهى الدقة وهو ما لا تعاني منه أيا من الدول العربية والاسلامية.

" تعد اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم. تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا وسوني وفوجي فيلم وباناسونيك بشهرة عالمية. يعد التصنيع إحدى ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، ولكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية. لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محليًا أو يتم تصديرها. ويعد عِلم استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، والذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم. يستطيع أسيمو، وهو إنسان آلي شبيه بالبشر قامت شركة هوندا بتطويره، السير على قدمين والتحدث بلغة البشر. وفي المستقبل القريب، ستشترك الروبوتات الآلية بالعمل في عدد من المجالات وقد يصل الأمر إلى درجة أن تتعايش الروبوتات جنبًا إلى جنب بجوار الإنسان، كما نشاهد في أفلام الخيال العلمي" ومع ذلك فاليابان دولة امبراطورية تدين بدين لا سماوي وعدد الالهة هناك اكثر من عدد سكان بعض الدول وتقف اليابان في مصاف الدول المتقدمة.

لا يحق لنا اتهام اليابان بالإيمان ولا بالكفر فلهم ديانتهم التي لم تمنعهم من التقدم كما لم تجدي مساجد بنغلاديش وتدين ناسها في دفعها للتقدم فان هذه المساجد لم تمنع تركيا ولا اندونيسيا التي تحتل المرتبة 27 بين الدول الاكثر تصديرا في العالم وبذا فان كلا الطرفين المتشددين في بلاد العرب من المتدينين و"المتلبرلين" او "المتعلمنين" ظلوا منشغلين بمن سبب التخلف في بلادنا وكل منهم يلقي بالتهمة على الآخر دون ان يحاول أيا منهم ان يسعى للانتقال ولو خطوة واحدة للأمام باي اتجاه كان وبدل ان يسعوا للانتقال بنا وببلادنا الى فعل حضاري حي انغمسوا اما بالانشغال بتلفيق التهم لبعضهم والتفنن في ذلك حد القتل والاقتتال كما جرى ويجري في كثير من الحالات في الدول العربية والاسلامية والكثير منهم اختار الهجرة للغرب اما ليحظى بما يحلم به من حياة هناك او ليحاول الدعوة لما يؤمن به ايضا هناك معتقدا بالتأكيد ان لا امل فينا وبالتالي فان الفعل الحضاري الحي القائم على اصول العلم وقواعد الحضارة الانسانية المدنية العصرية هي اساس حضارة البشر ان قرروا ان يفعلوا ويغادروا هرطقة الليبرالي والمتدين معا.

بقلم/ عدنان الصباح