***
فيلم "ناسخ بيتهوفن" يتحدّث عن الموسيقار الكونيّ بيتهوفن ؛ صاحب الامتياز الأعظم ، الذي أهدى لنا عصارة الموسيقى ،التي هي أصوات الطبيعة التي كانت تضجّ في رأسه ، وهي لغة الرّبّ التي أعطاه إيّاه ، فأسْمَعَها للناس ، ولم تصل لأُذنيه .
وبيتهوفن الوقح الغليظ الزائغ الحزين المتعالي .. كان وحيداً ، مثل رجلٍ في زنزانة . لكن الغيوم قد تفتّحت على يديه ، وأنزَلَ محبة الله إلى الأرض ، ورفع أذرعنا إلى السماء .. وظلّ صوتاً يرفرف حولنا.. لهذا كان يقول : إقرأوا شفتيّ لتسمعوا الرّبّ.
كان يريد أن يتحدّى إحساس القُبح في الجَمال ، ويصدمه ! وكان يؤمن أنه ليس للموسيقى بداية ونهاية .. إنها تنساب ، مثل الغيوم عندما تتشكّل ، أو الأمواج وهي تلهث . والموسيقى نموّ دائم في كل الاتجاهات ! إنها الحفيفُ والعاصفةُ ، وأوراقُ الخريفُ تحت أقدامه، وأصداءُ العصافير، وصوت الريح المكسورة .
وبيتهوفن الرائع المبهر احتاج لمَنْ تفهم روحه ، فكانت الجميلةُ الناعمة آنا هولمز ، التي نسخت سيمفونياته وترانيمه ورُباعياته وتراتيله ، مثلما كانت أُمَّه الصغيرة ، التي تحتمل انفعالاته ، وتمسح جسده المتعرّق مثل طفل يريد الماء ، وهي التي أحضرت التشويق الكامل ليتمّ الانفجار ، وكان بيتهوفن سعيداً إذ مات بين يديها .
كان يقول لها : يا آنا هولمز ! استمعي إلى الصمت بداخلك لتسمعي الموسيقى المتدفّقة منه ، عندها ستتمكّن روحك من الغناء .
ولعل ديانا كروجر الفاتنة الموهوبة ، التي لعبت دور آنا هولمز ، والممثل إد هاريس ، الذي لعب دور بيتهوفن ، في فيلم هذا الفيلم الصاخب .. هما مَن أكّدا أن الفنون جميعها تُشكّل الفضاء النظيف المُعافى الذي لا يمكن أن يتخلّق فيه العنف أو تنمو أيّ بذرة سوداء في أرضه .. بمعنى أن أنجع الطرائق لحماية الأجيال الطالعة ، من أن تنزلق إلى مهاوي العنف والإدمان والشذوذ والإرهاب .. هي أن نربط أرواحهم بخيوط ذهبية مُتّصلة بالموسيقى والتشكيل والكتابة وإطلاق الجسد ، في سماوات الإبداع والانعتاق والتجريب الحرّ ، غير المسقوف .
ويبقى بيتهوفن واحداً من أبرز العظماء الذين لا يموتون ، فالموت بالنسبة لهم عطلة يقضونها ، ولكنهم يعودون للناس ، دائماً ، عبر نتاجهم الخارق ، أو إن موتهم ناقص ومجازيّ . أليسوا من قوى الطبيعة ، ويشبهون ظواهر البرق والزلازل وتجدّد الفصول !؟ إنهم المعابد وأبناء الأنبياء والخالدون إلى أبد الإبداع .
الفيلم من بطولة ؛ إد هاريس و ديان كروجر، وإخراج ؛ أغنيكسزكا هولاند.
بقلم/ المتوكل طه