ضمن النظرية الأخلاقية تطور مذهب المنفعة أو النفعية (Utilitarianism) كنظرية أخلاقية تربط بين صحة السلوك ونتائجه. مصادر هذه الفلسفة بدأت في كتابات الفلاسفة الإغريق، وعلى رأسهم أرسطو الذي قال أن السياسة الحقة مبنية على الأخلاق وإرادة الخير .
يعتقد مؤيدو مذهب النفعية بأن الفعل يكون أخلاقيًا، إذا قاد إلى تحقيق نتائج أحسن. بمعنى أكثر دقة النفعية هي فكرة وإيديولوجيا تطرح بان القيمة الخلقية الوحيدة لنشاط معين، أو تصرف معين، هي بمدى ما تنعكس ايجابيا وسعادة على الشخص. طبعا يمكن تطبيق الفكرة أيضا على مجتمع بأكمله بانعكاس السعادة على جميع المواطنين، وليس فقط انعكاس المنفعة على الفرد الواحد، مثلا مجتمع الرفاه الاجتماعي.
ماذا مع مجتمع استبدادي؟
النفعية أيضا يمكن ان تكون سياسة دولة، بأن ترتكب حتى جرائم ضد مواطنيها أو ضد دول أخرى إذا كان ذلك يعود بالفائدة على السلطة، أو الحزب الحاكم، أو العائلة المالكة. بكلمات أخرى النفعية هنا تصبح "الغاية تبرر الوسيلة" !!
التاريخ يقدم لنا نماذج كثيرة، مثلا تحت صيغة "إرهاب ثوري" أصدر قائد ثورة أكتوبر في روسيا فلاديمير لينين، مرسوما رئاسيا في 4-5 كانون أول من عام 1918، يدعو فيه إلى: "اعتقال فوري لجميع الثوريين اليمينيين، المعروفين لمجالس السوفيتيات المحلية" ويحث بوضوح: "من الضروري اعتقال أكبر كمية ممكنة من البرجوازيين والضباط وفي حال صدور أي شكل من أشكال عدم الإذعان يجب تنفيذ إعدامات جماعية على الفور، بدون ذرة من التردد، بدون ذرة من الشك يتوجب تنفيذ الإرهاب الجماعي". هنا نجد شكلا منفعيا لجهاز دولة يدعو إلى تصفية كل شخص بناء على الشك أيضا، أو الانتماء لفئة اجتماعية أو وظيفية، وهي سياسة برع فيها ستالين أيضا وجعلها من قواعد سلطته المطلقة، ويسميه البعض بأنه أكبر جزار في التاريخ البشري، ولم يتردد بإعدام رفاقه من قيادات الحزب الشيوعي (البلشفي) التاريخية التي ساهمت بالثورة.
حسب هذه الفلسفة، التي تصنف ضمن الفلسفات الأخلاقية، نجد ان قيمة تصرف ما تقرر بناء على نتائجها النفعية العامة. أي ان "الإرهاب الثوري" الذي يقود إلى سفك حتى دماء أبرياء، هو ضروري من أجل انتصار "الشيوعية" في روسيا، وقد سفكت دماء عشرات الملايين بدون أي ذنب، ونفي الملايين لسيبيريا بدون تهمة حقيقية ومثبتة!!
إذن النتائج تبرر الوسائل. بعض الفلاسفة ادعوا ان الشيء الذي يمكن ان نقول عنه "جيد" هو إذا نجحنا بتحقيق الأهداف.. طبعا حتى على حساب سحق الآخرين.
أشهر فلاسفة هذا التيار، لكنه كان أخلاقيا بنظرته، هو الفيلسوف البريطاني جيرمي بنثام (1784- 1832) الذي كان فيلسوفا سياسيا ورجل قضاء، وكان قد طرح مذهبا مطورا عرف باسم "النفعية الحديثة" ليميزها عن نفعيات استبدادية. من أقواله المشهورة: ان الطبيعة وضعت الإنسان تحت سلطة سيدان، الألم والسعادة. من جهة أولى الجيد والسيئ، ومن الجهة الثانية سلسلة نتائج للسبب والمسبب المسيطران على كل ما يجري، على كل ما نفكر به، عن كل جهد نقوم به للتحرر من الخضوع للسيدين المذكورين، وان الإنسان باستطاعته ان يكفر بحكمهما ، لكنه في الواقع يبقى تابعا لهما كل الوقت. لذلك نجده يطالب بوضع النفعية بإطار الوعي والقانون.
طبعا الأرملة في القصة التالية تعبر عن الأخلاق النفعية.
*****
أرملة على الشاطئ
تمددت السيدة الأرملة الجديدة على شاطئ البحر الذهبي تتسفع تحت أشعة الشمس، لتكسب بشرتها البيضاء لونا برونزيا فتيا جذابا وجديدا، لعلها تحظى ببداية جديدة، إذ سمعت من خبيرة علاقات بين الجنسين تقول أن اللون البرونزي يعتبر أكثر الألوان جاذبية وسحرا ومثيرا للشهوة بعين الرجال.
مضت أربعون يوما على دفن زوجها، وضاقت ذرعا بأجواء المأتم من والديه وأبناء عائلته. ها هي تحت شمس الله تبدأ مشوارا جديدا في حياتها، يملأها الأمل أن تحظى باهتمام، نظرة فابتسامة فحديث ففرح.
بدأت بشرتها تميل إلى الاحمرار الشديد، رغم مختلف أنواع كريمات التسفع التي طلت بشرتها بها. كانت على ثقة أن اللون البرونزي سيعلو على بشرتها البيضاء عاجلا أم آجلا وعندها ستلفت نظر الأعمى.
مضت أيام وهي ملتزمة بالحضور يوميا للشاطئ، تفرد فوطتها الحمراء القانية المطرزة بورود صفراء على محيطها مما يجعلها بحد ذاتها ملفتة للنظر. تجيل نظراتها في الرجال من حولها، تبني في ذهنها آلاف البدايات، تتخيل الأجسام البرونزية الممشوقة والقوية العضلات التي تملأ الشاطئ، فتكاد تشعر بقوة ذراعين تجعل عظامها تطقطق من ألم تشتهيه ولا تجد إليه سبيلا.
كانت تقول لنفسها إن وجودها المتكرر يوميا لوحدها، في زاوية بعيدة نسبيا عن سائر المتسفعين والمتسفعات هي دعوة واضحة لمن في عينيه بصر أن يقترب منها لمشاكستها وجس نبضها.
بدأت تلحظ أن بشرتها تكتسب اللون المطلوب، لكن ببطء، مع ذلك سرها تغير لون بشرتها الناصعة البياض وكأنها فتاة ثلج سيبيرية.
بعد أسبوعين من المعاناة اتخذت قرارا خطيرا، أن ترتدي مايوه بيكيني أصغر من مقاسها، ليظهر مفاتنها التي تضاهي مفاتن امرأة لا تتعدى الثلاثين، رغم أنها اقتربت من العقد الخامس من عمرها المديد.
كان يسرها أن مفاتنها لم يهلكها الزمن وكثرة الاستعمال. كانت ترعى بشرتها وكأنها الثروة الوحيدة التي تملكها. ها هو جهدها يثبت نفسه بعد ترملها، لكن الرجل لا يبان. الحلم يتعثر على رمال الشاطئ، جسدها الممدد والمحفوظ لا يلفت إلا أنظار بعض المراهقين وهي تريد رجلا وليس لعبة.
واصلت القدوم يوميا بإصرار وثقة أن الأمنيات تتأخر ولكنها لا تختفي ولا تنتهي ولا تزول، قناعتها ان لكل أمنية يومها القادم لا محال، فلتتسلح بالصبر، ما لزارع إلا ونبت زرعه، لتتسلح بالثقة بجمالها البارز عبر تفاصيل المايوه البكيني الضيق نمرتين.
كانت تتقلب على نار وهي ممددة فوق فوطتها الحمراء، تقوم بحركات مدروسة، إذ تمد ساقا ساقا لتدهنهما بالكريمات بحركة فيها استفزاز للجنس ألذكوري. لكن يبدو أن الذكور تصاب بالتخمة على شاطئ فيه من فواكه الجنة ما يفوق التصور.
رغم تعوق حدوث ما لا يفارق مخيلتها، إلا أنها ظلت متفائلة أن يأتي زغلول لينق لوزتيها.
في بداية الأسبوع الرابع اتخذت قرارا بالغ الخطورة أكثر من قرار المايوه البكيني الضيق. قررت أن لا تكتفي بالانتظار ، بل أن تختار هدفها وتبادره ، لعلها بذلك تخلص الرجولة على الشاطئ من تخمتها .
تمددت على الشاطئ ترصد صيدا مناسبا. لم تنتبه انه على مسافة مترين بجوارها، بعيدا عن الآخرين، يتمدد رجل يقاربها في الجيل، يبدو قوي البنية وبصحة ممتازة، جسم جيد المبنى، ساقين عضليتين والبرونز كما يبدو هو لونه الطبيعي.
تقلبت وتحركت وغيرت زوايا تمددها من الجنب إلى الجنب الآخر، من الاستلقاء ووجهها نحو السماء إلى الاستلقاء وظهرها نحو السماء مظهرة انحدار الفخذين من نقطة لا تبعد كثيرا عن منطقة الخصر مما يجعل المخفي أكثر إغراء من الظاهر.
كان جارها الذي اعتقدت انه يستجيب للنقاط المرجوة التي حددتها في صفات الرجل الملائم لها، يتطلع إلى السماء بلا انقطاع، كأنه يترقب هبوط شيء إليه.
رغم كل حركاتها، بل وبعض أصوات التأوه التي أطلقتها، إلا انه لم يكلف نفسه عناء إلقاء نظرة واحدة إلى جهتها ليعرف سر تأوهاتها المتكررة وحركاتها المتواصلة وكأنها تقرع بابا وتنتظر الدعوة إلى الدخول.
قالت لنفسها:" يجب أن أبدأ وإلا ستضيع الفرصة مني ".
جلست ونظرت إليه بقوة وجرأة نادرة لا سابق معرفة لها بها في نفسها.
كادت تقول له: " انزل نظراتك من السماء. ما على الأرض أقرب لك، انظر إلى يسارك تجد امرأة كاملة ناضجة حان وقت قطافها ".
لكنها لم تكن قد قررت أن تقوم بمثل تلك الخطوة الجريئة، غير أن رأيها استقر على شيء آخر.
تنحنحت، فلم يغير وضعيته أخرجت علبة كريم وبدأت تطلي ساقيها ويديها وصدرها لدرجة بدا وكأن نهديها سيقفزان احتجاجا على هذا التضييق الاحتلالي داخل أسوار العزل لحمالة الصدر.
مع ذلك لم يكن ما يجري بلصقه يحرك جموده وثبات نظراته نحو السماء.
"لو كان فيه حس سليم لشعر بتوهج جارته"، كما قالت لنفسها وهي حائرة بين البكاء على نصيبها الأسود أو اللجوء لحيلة جديدة.
برقت عيناها لفكرة راودتها، أخرجت زجاجة ماء باردة من حقيبتها وبادرته بجرأة فاجأتها ولا تعرف لها سابقة في حياتها:
- هل تريد كأس ماء؟
التفت إليها أخيرا فانبسطت أساريرها. كانت ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه، شعرت بالارتعاش من نظرته إليها.
- أجل شكرا لك.
قال باقتضاب، مدت له كأس ماء فاقترب منها لتناول الكأس ولامست أصابعه أصابعها وهو يتناول كأس الماء البارد ويشربها بلذة واضحة.
- هل تريد كأسا أخرى؟
- شكرا لك، يكفي.
وفورا واصلت هجومها :
- لم أرك هنا في السابق؟
- حقا إنا جديد هنا.
- هل كنت تصطاف في شواطئ أخرى؟
- لا أبدا، انا ابن هذه المدينة.
- إذن لماذا لم أرك سابقا في هذا الشاطئ؟
- كنت مسجونا، قضيت في السجن عشرين عاما.
- أوه حقا؟ لماذا؟
- لأني قتلت زوجتي بلحظة غضب.
- أوه إذن أنت غير مرتبط بامرأة اليوم ؟!
نبيل عودة