مما لا شك فيه فإن مؤسسة السليل قد تعاملت بعقلانية وهدوء كبيرين، مع الأزمة التي تضرب البلاد وهذا ما يبرز ثبات ومواقف هاته المؤسسة العريقة وتعهدها واصرارها على مرافقة الشعب ومؤسسات الدولة ومسار الحوار، لكونه السبيل الأوحد والأمثل للحفاظ على أمن الجزائر واستقرارها وصيانة سيادتها وضمان بناء جزائر الغد كما أرادها شرفاء نوفمبر الأغر التي حتما لا مكان فيها لأولئك الذين باعوا ضمائرهم وخانوا أمانة الشهداء الأبرار.
هي ذات اللغة والهدف والاهمية التي ترجمتها افتتاحية مجلة الجيش لشهر سبتمبر، عندما أكدت أن ترجيح الشرعية الدستورية من خلال تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، يتمخض عنها انتخاب رئيس للجمهورية مراده خدمة البلاد والعباد بكل إخلاص، بعيدا عن كل المهاترات والمزايدات ومحاولة فرض الشروط التعجيزية، والإملاءات المسبقة والترويج لأفكار استعمارية بائدة لفضها التاريخ ورفضها الشعب، الذي زكى بكل مكوناته الحوار كمسعى وسبيل أمثل، للخروج من الأزمة من خلال التفافه حول جيشه ومقاربته المبنية على الحوار العقلاني بدون إقصاء، طبعا في إطار الشرعية الدستورية، وبعيدا عن تلك المحاولات البائسة التي تحاول تعكير صفو جهود الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، التي قدمت وفي رقم قياسي عمل يحسد عليه، والحاسدون والحاقدون من...؟ هم ذلك القوم الذين يتحاملون على جهود الهيئة، بل تجدهم يتطرقون الى خصوصيات وأخلاق وشرف أعضائها في بعض الأحيان، في الوقت ذاته لم تسلم المؤسسة العسكرية من ذات التحامل والنقد، فذهبوا يشككون في نواياها ومجهوداتها من خلال بعض الأقلام المأجورة والقنوات المشبوهة والأحزاب المرفوضة شعبيا، التي لا هم لها سوى الانتقاد والعويل وبالتالي العمل على تحقيق مصالح ذاتية على حساب المصلحة العليا للوطن، من خلال رفع بعض الشعارات كالترويج لمراحل انتقالية للوقوع في فخ الفراغ الدستوري، ومحاولة تغليط الرأي العام داخليا وخارجيا بأفكار مشبوهة ومسمومة، مستغلة في ذلك آمال وطموحات ومطالب الشعب المشروعة.
فعلا عزيزي القارئ ... لا يختلف عاقلان على أن استعجال الذهاب إلى صناديق الاقتراع والعودة إلى الشرعية المؤسساتية، هو الخيار الأصوب والأسلم لتأمين مصير البلاد ومصالح العباد، وهو ما صار عموم الجزائريين يدركون أهميته بكل وعي، بعيدا عن خطابات الفوضى والعدمية التي تطلقها أبواق الأجندات المشبوهة في الخارج ويتردّد صداها في الداخل، وعليه وجب الدفع السياسي والإعلامي نحو الانتخابات الشفافة التي تعبر عن الإرادة الشعبية الحرة، وما يقتضيه ذلك من التشبُّث بآليات ضمان نزاهة العملية الانتخابية على المستوى القانوني والتنظيمي والمادي والإداري، يواكب الحراك الشعبي لكونه فرصة تاريخية لا تتهيأ ظروفُها وشروطها إلاّ على مر السنوات، وربما عقود من صناعة الوعي وبثّ الأمل في التغيير، وبالتالي نكون أمام سقوط أطروحات الفترات الانتقالية والسير نحو المجهول، بالحفاظ على الإطار الدستوري والالتزام بقوانين الجمهورية، وبالتالي فمشروع السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، وهو حجر الأساس في المنظومة القانونية المنشودة للمسار الانتخابي، صار جاهزا للعرض على الطبقة السياسية والرأي العام، مما يدعونا للتوجه بجدية وتجرد وطني لمناقشة المضمون وإثراء المحتوى، كما لا أظن أن المسائل التقنية والإجرائية بحاجة إلى جدال يستغرق سنوات، لان الجزائر ليست البلد الوحيد في العالم ينظّم انتخابات كهذه الانتخابات، ومن جهة أخرى وفي ذات الثنائية لا حجة مقنعة للداعيين إلى التعطيل الانتخابي مهما كانت خلفياتُهم وأسبابهم، وبالتالي فالفترة التي عشناها عرفت تجاذبات وطرحت فيها أفكار من كل الجهات بين رافض ومساند، فإن كل ما سمعناه لا يحتاج إلى خبراء في فك التشفير أو يحتمل قراءات أخرى لأن الأمور أصبحت الآن جد واضحة.
وهنا لابد من الوقوف وقفة شكر وثناء للمؤسسة العسكرية ، لأنها حافظت على استقرار الوطن، لكونها لم تدعُ لحل المؤسسات القائمة، لم تطالب بحل البرلمان وحافظت على الحكومة، لأن أي قرار كهذا كان سيؤدي إلى فراغ كبير، بل أبقت نفسها ضمن الإطار الدستوري، لأن أي خروج عن الدستور قد تنجر عنه عواقب يصعب التحكم فيها، كما أنها أعلنت منذ البداية أنها لا ترغب في السلطة، وهو موقف يجب تثمينه، وأكثر من ذلك حثت الطبقة السياسية على التحاور والذهاب نحو انتخابات، ورفضت كل الدعوات التي تلح على المراحل الانتقالية التي قد تطيل عمر الأزمة، وفي الوقت ذاته عملت على مرافقة الحراك والحفاظ على سلمية المسيرات، لأن ما وقع في الجزائر قل نظيره حتى في أرقى الديمقراطيات في العالم.
بقلم : عماره بن عبد الله