مفهوم القطاع العام، والقطاع الخاص:.....1
وإذا كان لا بد من ممارسة الوضوح في الفكر، وفي الممارسة، فإن ذلك الوضوح يقتضي منا السعي المستمر، إلى تجسيد الوضوح في المفاهيم، التي نعتمدها في فكرنا، وفي ممارستنا، حتى نجعل كتابتنا أكثر قربا من ذهن المتلقي، وخاصة إذا كان هذا
المتلقي يلتزم بالوضوح الفكري، والنظري، على الأقل، والذي قد يتطور إلى الالتزام به، على مستوى الممارسة.
ومن المفاهيم التي تحتاج إلى المزيد من الوضوح الفكري، والنظري، مفهوم ((القطاع العام))، ومفهوم ((القطاع الخاص))، انطلاقا من مفهوم ((العام))، و ((الخاص))، سعيا إلى جعل الرؤيا واضحة في أذهان المتلقين، مهما اتسعت دائرتهم. وانطلاقا من السؤال المتعلق بالقطاع العام، فإنه يكون ملتبسا، باستمرار.
فما هو عام، هو ملك للجميع، وهو ملك كذلك للدولة، وتدبره مؤسسات الدولة، ولا يحق لأي فرد، أو جماعة، احتلاله، والتصرف فيه، إلا طبقا للقانون. إلا أن هناك من يتصرف في القطاع العام، كما يتصرف في ملكه الخاص، والملك العام الذي لا يحق لك التصرف فيه، بيعا، وكراء، لا يمكن أن يكون ملكا خاصا.
والقطاع العام، يحتمل أن يكون مؤسسة عمومية، مهمتها تقديم الخدمات العمومية، إلى جميع المواطنات، والمواطنين، بمقابل رمزي ما لم تصر تلك المؤسسة العمومية مؤسسة خاصة، إن قررت الدولة التي يتحكم فيها البورجوازيون، أو الإقطاعيون، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الإجهاز على القطاع العام، انطلاقا من الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، والتي تعصف بالقطاع العام، لصالح القطاع الخاص،
حتى تزداد أرباح الطبقة الحاكمة، والمستغلين، والمستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.
وإذا كانت المؤسسة العمومية، ملكا عاما للشعب، أو للدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب، ونابعة منه، وبإرادته، فإن العاملين في تلك المؤسسات العمومية، التي تعتبر ملكا للشعب، وللدولة، يتصرفون في تلك المؤسسات، وكأنها ملك لهم، وكأنها تمت خوصصتها باسمهم، فتصبح عندهم كل خدمة بمقابل، يختلف حسب نوعية الخدمات، التي تقدمها كل مؤسسة عمومية على حدة، أو كل قسم من أقسام تلك المؤسسة. وهو ما يوصف، عادة، بالفساد الإداري، الذي يدر على ممارسيه آلاف الدراهم يوميا، ومنهم من تأتيه فرصة يجني منها ملايين الدراهم، ودون مطالبة هؤلاء بأداء الضرائب؛ لأن ما يتقاضونه من
رشوة، ليس، في نهاية المطاف، إلا دخلا يوميا، سواء تعلق الأمر بالإدارات العمومية، التي تصير ملكا للشعب، أو بالإدارات الجماعية، أو بالقضاء، أو بالضابطة القضائية؛ لأن المسئولين من هذه المؤسسات المختلفة، يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويدركون، جيدا، أن معرفة مداخل استغلال القانون، تكون مدرة للدخل، وأن ذلك الدخل الذي يقدر بعشرات الملايين، مع نهاية الشهر، إن لم تكن مآت الملايين، حتى يتم الوقوف على حقيقة الفساد، الذي يجري في المؤسسات التي يملكها الشعب، وتملكها الدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب.
ومعلوم أن إطلاق يد الفساد، في الإدارات العمومية، وفي الإدارات الجماعية، وفي القضاء، ليس إلا إيجاد تبرير للتخلص من المؤسسات العمومية، ببيعها. وقد لا نستغرب
إذا وجدنا أن دولة أجنبية، اشترت جميع المؤسسات العمومية، وفرضت رسوما باهظة مقابل الخدمات، التي تقدمها، بما في ذلك القضاء، والجماعات الترابية: الحضرية، والقروية، كما يمكن أن يكون القطاع العام ملكا مشتركا بين جميع الناس، يشغلونه بشكل مشترك، بين جميع المواطنين، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، ما داموا ينتمون إلى نفس الوطن، ولا يمكن أن يصبح موضوع الاستغلال إلا بالقانون، الذي يجب أن يفعل إلى أقصى مدى، ولا يمكن أن تعترف الأحزاب التي تنهب ثروات الجماعات الترابية. فالسماح للفراشة، باحتلال الملك العمومي، في الجماعات الحضرية، بما في ذلك الطرق العمومية، التي تمر منها السيارات، مما يؤدي إلى قيام أزمة حادة، في التنقل بين أحياء المدينة، وأطرافها، وإغاثة من يستحق الإغاثة.
وما ذلك إلا لكون الذين يشرفون على تدبير شؤون المدينة المغربية فاسدون، ويبنون، كل شيء، في تدبير شؤون المدينة على الفساد، الذي هو المبتدأ، والمنتهى.
والفساد، هو الذي يجعل القطاع العام، كمؤسسات اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، وكملك مشترك بين جميع المواطنات، والمواطنين، محكوما بفساد المسئولين عنه، على جميع المستويات، سواء تعلق الأمر بالنهب، أو بالإرشاء، والارتشاء، أو بإرشاء المواطنين (الناخبين)، بالسماح لهم باستغلال الملك العمومي, وانطلاقا من هذا المعطى، فإن القطاع العام: جملة، وتفصيلا، صار في خدمة الفساد، إلى مالا نهاية، ما لم يخرج الشعب عن بكرة أبيه، في كل المدن، وفي كل القرى، لمحاربة الفساد، والمطالبة بمحاكمة
الفاسدين، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها، أو المركز المالي الذي يتمتع به، ومهما كان نفوذه في المجتمع؛ لأن الفاسد، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا. والأحزاب التي تضم الفاسدين، لا يمكن أن تكون إلا فاسدة.
ولذلك، يمكن القول: بأن القطاع العام الذي نحرص على الدفاع عنه، ونعتبره ملكا للشعب، وللدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب، الذي هو قطاع تهتم الدولة بإفساده، بقرار مدبر من الإدارة المخزنية، ومن الطبقة الحاكمة، والمستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.
ومظاهر إفساد القطاع العام، تتمثل في عملية النهب الممنهج للثروات الشعبية، من طرف المسئولين عن مختلف الإدارات، والجماعات الترابية، والوزارات، ومختلف المصالح التابعة لها، على مستوى الأقاليم، والجهات، كما تتمثل في عمليتي الإرشاء، والارتشاء، في كل الإدارات العمومية، وفي الجماعات الترابية، والعمالات، والأقاليم، والولايات، وعلى المستوى الوطني. وتتمثل أيضا في سماح الجماعات الترابية، وخاصة في الحواضر، باحتلال الملك العمومي، واستغلاله من قبل أرباب المقاهي، والفراشة، مما يعرض المارة إلى فقدان الحق في السلامة البدنية، وسلامة الممتلكات، التي تصبح معرضة للنشل.
وهذه الوضعية، التي يعاني منها القطاع العام، تجعله أخطر على الشعب من القطاع الخاص، مما يجعل المواطنات، والمواطنين، يفضلن، ويفضلون اللجوء إلى القطاع الخاص، الذي أصبح غير مكلف نفس تكلفة القطاع العام، الذي أصبح مجالا لتسمين ديناصورات النهب، والإرشاء، والارتشاء، واستغلال الملك العمومي، بغرض التهرب الضريبي، وأمام أنظار السلطات المحلية، التي لا تخفى عليها خافية، مما يجري، خاصة، وأن مخبريها المبثوثين هنا، وهناك، يتتبعون كل شيء، ويراقبونه، وكأن القطاع العام، فيه إجماع على نهب ثروات الشعب، وعلى الإرشاء، والارتشاء، وعلى الاستغلال غير المشروع للملك العمومي، بغرض إفساد هذا القطاع، في أفق خوصصته، ليصير كل شيء في هذا الوطن، ملكا للخواص، وما سوى الخواص، يبقى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا يملكون أي شيء، في انتظار استهلاك بعض ما ينتجه الخواص، الذين لا يملكون أي شيء، في انتظار استهلاك بعض ما تنتجه مؤسسات الخواص، الذي يمتصون بذلك الإنتاج، بعض ما يتبقى في الجيوب، التي توجد في ملابس الكادحين، لنصل إلى أن فساد الدولة، قاد إلى فساد أجهزتها المختلفة، وهذا الفساد، شروع في إفساد المجتمع، وفي جعل الفاسدين يتوالدون كالفطر، وفي جميع القطاعات العمومية، لإبراز أن الدولة لم تعد قادرة على تدبير الشأن العام؛ لأنها تعرضه إلى الفساد.
بقلم/ محمد الحنفي