إليكم هاتين الحكمتين:
الحكمة الأولى: "المال كالسماد، لا ينفع إلا إذا وُزِّعَ بين الجذور، أما إذا كُوِّم، فلا ينتج عنه إلا رائحة العُفونة"
الحكمة الثانية: "إذا وضعتَ مالَكَ تحتَ قدمِك رفعكَ، وإذا وضعتَه فوقَ رأسِك أنهكك"
معظم أصحاب الثروات من الفلسطينيين والعرب ينمون الثروات لهم ولأبنائهم أولا، وثانيا، وثالثا، ولا يتذكرون أوطانهم إلا مُرغمين في مرحلة يأسهم.
أما أثرياؤهم فهم لا ينسون أبناءهم، ولكنهم يُسخرون ثرواتِهم لرفعة أوطانهم، فتدخلُ ثرواتهم ضمن مصادر دخل الوطن، وتُحسب ثروةً وطنية، ينتفع بها الوطن، ويزداد قوةً ومَنعةً، فهم يدركون؛ أن ثراءَهم ثراءٌ وطنيٌ، يُؤسسون المشاريع كروافع وطنية اقتصادية، تُسهم في رفعة وطنهم، أي في رفعتهم!
أثرياؤنا، نقودهم جامدة تستنزف خيرات الوطن، تمتصُّ رحيق أزهاره في بداية جنيِ عسلِ الخليةِ الأولى، ثم بعد أن تنتفخ ثرواتُهم يَهجرون خليتهم الأولى، ليبنوا خلايا عسلهم في الأوطان الأخرى.
أغنياؤنا لا يثقون في نظام بلادهم المصرفي، ولا يثقون في نظامه القانوني، لذا، فإنهم يهربون من الضرائب ويعتبرونها ابتزازا لجيوب الحاكمين وأنصارهم، لا يثقون بأنها ستعود بالمنفعة عليهم، لذا فهم يعتادون على تقديم الرشاوى للحاكمين، فينتشر الفساد، ويعتاد الناس على قبول الرشاوى، وهي بداية تخريب المجتمعات! كذلك، فإن أثرياءنا، يودعون ثرواتهم في بنوك الدول الأخرى، ينتفع بها غيرُهم، لذا فإن ثروات أغنيائنا لا تصبُّ في مجرى الثروة الوطنية، بل قد تُصبح سلاحا موجها ضد الوطن!
أثرياؤهم، يُسخِّرون ثرواتِهم لإنعاش ثقافة أبنائهم، يوظفونها في المؤسسات الثقافية والإعلامية، يشترون بها أكبر الصحف، ويؤسسون أعرق الجامعات، وأهم المعاهد العلمية، يختارون طواقمها من ذوي الفكر والعقل، يمنحون الجامعاتِ والمعاهدَ الحريةَ لينجحوا في المنافسة على الحضارة العلمية، وهم أيضا يَشترون أوسع قنوات البث الفضائية، وأهم الصحف الإلكترونية، وأشهر وسائل الاتصالات، وأهم مراكز الدراسات والأبحاث، يُنفقون شطرا كبيرا من ثرواتهم على اكتشاف المواهب، لأنها تعود لهم في النهاية بالربح الوفير.
أما معظمُ أغنيائنا فإنهم يُنفقون ثرواتهم في تجارة السوق السوداء، بمختلف أشكالها وألوانها، في تجارة الغذاء والكساء، لأنها هي الأسهل والأسرع لجني الربح الوفير، أو، يستثمرونها في نشر الهرطقات والجهالات، كافتتاح فضائيات، تفسير الأحلام، ونشر جهالات المتفيهقين أدعياء الدين، أو نشر وترويج كتب الخرافات!
معظمُ أثريائنا يحرقون ثرواتهم بدخول السياسة، فيشرعون في تأسيس كتلٍ وأحزابٍ، هدفها الرئيس هو التغرير بالجماهير بواسطة المال، لغرض شراء الأصوات الانتخابية لهم ولأبنائهم في الانتخابات، ليصبحوا نجوما مشهورين، بغض النظر عن ضحالة فكرهم! فهم مسؤولون عن تحويل السياسة والثقافة إلى تجارة.
أما أثرياهم فإنهم يُسخرون أموالهم لاكتشاف السياسيين البارعين، من خارج عائلاتهم، ليعززوا ثرواتهم، وأوطانهم، وهم يعتزون بأن يكونوا لاعبين من وراء الستار، يكتشفون المواهب، ويُحركون بها عجلة التقدم والرفعة في مجتمعاتهم.
قال المبدع، نزار قباني:
" الأثرياء العرب يشترون كل شيء إلا الثقافة، هذا يشتري قصرا أو ناديا ليليا، وذاك يشتري حقَّ التنقيب عن النساء في القمر، ولكنهم يرفضون أن يتزوجوا قصيدة"
مع تقديم الاعتذار، لكل أثريائنا ممن يشذون عن القاعدة السابقة!
بقلم/ توفيق أبو شومر