تحت أشعة الشمس الحارقة، يواصل الفلسطيني إبراهيم صوافطة، العمل في مزرعته، الواقعة قرب مستوطنة "ميخولا" الإسرائيلية في الأغوار الشمالية (شمال شرق الضفة).
ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها "صوافطة"، جراء الانتهاكات الإسرائيلية، يتمسك ببقائه بأرضه، التي يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو إلى ضمها لإسرائيل، في حال إعادة انتخابه رئيسا للحكومة.
وتعهد "نتنياهو" الثلاثاء، أنه في حال انتخابه في الانتخابات المقررة 17 سبتمبر/أيلول الجاري، سيفرض "السيادة الإسرائيلية" على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت؛ وقال: " يجب علينا أن نصل إلى حدود ثابتة لدولة إسرائيل، لضمان عدم تحول الضفة الغربية إلى منطقة مثل قطاع غزة".
وأكد نتنياهو أن هذه الخطوة ستكون "مباشرة بعد الانتخابات"، لتأكيد ثقة الجمهور به في حال انتخابه.
ورأى مراقبون أن نتنياهو، طرح هذا الوعد، لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة (17 سبتمبر/أيلول الجاري).
لكن خبراء ومسؤولين فلسطينيين، تحدثوا لوكالة الأناضول التركية، قالوا إن تصريحات نتنياهو "جدية"، محذرين من أن غالبية الأحزاب الإسرائيلية، اليمينية والإسرائيلية، تؤمن بضرورة ضم الأغوار، بهدف منع قيام دولة فلسطينية، في المستقبل.
ولاقت تصريحات نتنياهو، انتقادات واسعة من قبل الكثير من دول العالم.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، وغزة ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو/حزيران عام 1967، وأعلنت ضم القدس الشرقية رسميا عام 1980، ومرتفعات الجولان في عام 1981.
ويرد المزارع الفلسطيني صوافطة، على نتنياهو بقوله: " هذه الأرض لي، آلت إليّ من والدي، ومن جدي، ولن نتركها".
ويضيف، لوكالة الأناضول: " إسرائيل تسعى بكل الطرق لطردنا من المنطقة، نُمنع من مياه الري، ونطارد وتهدم منازلنا، ونحن أصحاب الأرض".
**الأغوار الفلسطينية
منطقة الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت، أو غور الأردن (تسمية ثانية شائعة) هي القطاع الشرقي للضفة الغربية الذي يمتد على طول حوالي 120 كم، ويبلغ عرضه حوالي 15 كم.
وتمتدّ المنطقة على مساحة 1.6 مليون دونم (الدونم ألف متر مربع)، وتشكّل ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية، بحسب، "مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة" (بتسيلم).
ويقول بتسيلم، في تقرير سابق، إن نحو 65 ألف فلسطيني، و11 ألف مستوطن إسرائيلي يسكنون المنطقة.
ويوضح التقرير أن 90% من المنطقة المذكورة، مصنّفة ضمن مناطق C حسب اتفاق أوسلو الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة (أمنيا وإداريا).
ويضيف مركز "بتسيلم": " الوجود السكّاني في المنطقة طفيف، أراضيها خصبة وتشمل مساحات مفتوحة كثيرة، هذه الميزات جعلت المنطقة احتياطي الأرض الأكبر لتطوير الضفة الغربية: يمكن هناك تطوير مراكز مدينيّة وزراعة متطوّرة لأجل التصدير ومرافق بنية تحتيّة في مجالَي الطاقة والصناعة".
لكنه يضيف مستدركا: " معظم أراضي منطقة الأغوار وشمال البحر الميت تستغلّها إسرائيل لاحتياجاتها هي إذ تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من المساحة: هم يُمنعون من المكوث فيها ومن البناء ومن وضع بُنى تحتيّة ومن رعي الأغنام ومن فلاحة الأراضي الزراعية".
ويقول المركز الإسرائيلي، إن إسرائيل "تفرض على الفلسطينيين في الأغوار، البقاء ضمن بلداتهم التي ضاقت عليهم وتمنع منعًا شبه تامّ البناء (..) الإدارة المدنية (الإسرائيلية) ترفض على نحوٍ شامل تقريبًا إصدار تراخيص بناء للفلسطينيين مهما كان نوع البناء - منازل أو مبانٍ زراعية أو مبانٍ عامّة أو مرافق ومنشآت بُنى تحتيّة".
ووفق معطيات بتسيلم، هدمت إسرائيل في الفترة ما بين 2006 وأيلول 2017 (698) وحدة سكنيّة على الأقلّ في الأغوار.
ويضيف: " منع البناء والتطوير الفلسطيني في منطقة الأغوار يمسّ على وجه الخصوص بنحو 10.000 فلسطينيّ يسكنون في أكثر من 50 تجمّعٍ سكّانيّ (مضارب) في مناطق C حيث تسعى إسرائيل بشتّى الطرق لترحيلهم عن منازلهم وأراضيهم".
ويكمل: " تسعى إسرائيل إلى إلغاء الوجود الفلسطيني في منطقة الأغوار ومنع أيّ تطوير فلسطيني في المنطقة".
بحسب تقرير سابق، نشره المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ يستغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ فيما يستغل المستوطنون الإسرائيليون 27 ألف دونٍم من الأراضي الزراعية فيها.
ويقول التقرير الفلسطيني، إن إسرائيل أنشأت 90 موقعًا عسكريًا في الأغوار منذ احتلالها عام 1967.
ويذكر أن 31 مستوطنة إسرائيلية، تجثم على أراضي الأغوار الفلسطينية.
وهَجَّر الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد عن 50 ألفًا من سكان الأغوار منذ عام 1967؛ بالإضافة إلى تجمعات سكانية كاملة، بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية، بحسب تقرير المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني.
**بشارات: سيطرة فعلية على الأرض
ويقول معتز بشارات، مسؤول ملف الاستيطان في منطقة الأغوار (حكومي)، إن "إسرائيل تعمل بشكل يومي على ضم الأغوار، عبر التوسع الاستيطاني، وطرد السكان وعمليات الهدم، والمصادرة".
وأشار بشارات في حوار خاص لوكالة الأناضول، إلى أن إسرائيل أبلغت أربعة تجمعات سكانية فلسطينية بنيتها هدمها، بدعوى البناء بدون ترخيص في مناطق مصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل.
وقال: " يتعرض السكان الذين يسكنون في بيوت من الصفيح والخيام للطرد من مساكنهم بحجة التدريبات العسكرية، وهدم المساكن، ومنعهم من الزراعة، ورعي مواشيهم (الأغنام والخراف)، وتحرير مخالفات باهظة بحقهم".
وأشار بشارات إلى أن الجيش الإسرائيلي "يغلق مساحات شاسعة أمام السكان بدعوى أنها مناطق عسكرية مغلقة، أو أراضي دولة، ومناطق تدريب، ومحميات طبيعية، لدفعهم للرحيل".
وفي الأغوار الشمالية فقط 11 مستوطنة و4 بؤر استيطانية (غير معترف بها)، بحسب بشارات.
وقال المسؤول الفلسطيني: " إسرائيل تتذرع بالسيطرة على الأغوار لدواعي أمنية، لكن ما نشاهده على الأرض استغلاق اقتصادي للأرض والماء، ومنع السكان أصحاب الأرض من استثمارها".
وتابع: " ما يجري على الأرض بسط للسيطرة الفعلية، الأمر خطير بالفعل".
**خبير: تصريحات نابعة من استراتيجية
بدروه، قال الخبير السياسي الفلسطيني، أحمد رفيق عوض، إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، جدّية، و"ليست للمزايدات الانتخابية".
وأضاف: " تلك التصريحات تنبع من رؤية استراتيجية صهيونية، تقوم على إجهاض فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، واختيار الاحتلال كنهج نهائي وأبدي وقطع الطريق على أحلام الفلسطينيين".
وتابع: " نتنياهو استخدم الأغوار للتنافس الانتخابي، لوجود إجماع إسرائيلي كبير يساري ويميني، على قضم الأغوار من جسم الدولة الفلسطينية قبل قيامها".
وشدد على ضرورة "العمل الجاد لمواجهة هذه الأطماع عبر تغير شكل العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي".
ولفت إلى أن "إسرائيل" ترى في الأغوار، أهمية أمنية على الحدود الشرقية (مع الأردن)".
وأشار إلى وجود "أطماع اقتصادية إسرائيلية في الأغوار التي تعد من أخصب الأراضي وتقع على حوض مائي غني".
** منع إقامة دولة فلسطينية
بدوره، يتفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، مع عوض، في أن تصريحات "نتنياهو" نابعة من "استراتيجية متطرفة، تهدف لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإبقاء الاحتلال إلى الأبد".
وأشار إلى أن نتنياهو، يستفيد بالحد الأقصى من "الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل والمعادي للحقوق الفلسطينية".
ولفت إلى أن "نتنياهو" يعزف على "وتر قضايا هامة بالنسبة للإسرائيليين، لكسب أصواتهم في الانتخابات القادمة".
وحذر عضو اللجنة التنفيذية من مخاطر تنفيذ القرار، وقال "القيادة الفلسطينية ستواجه بكل السبل للجمه ومنعه، عبر المؤسسات الدولية والحقوقية، ومحكمة الجنايات الدولية".
وقال: " لدينا أوراق قوة سنستخدمها كوقف العمل بكل الاتفاقيات مع إسرائيل، وسحب الاعتراف بها".
وأضاف: " إسرائيل تسعى لمنع إقامة دولة فلسطينية في حال سيطرة على الأغوار".