(سطور مقتطعة من كراس سيرة ذاتية)
الرفيق صالح، من لجنة العمل في الداخل، وكان يكبرني بنحو 15 عاماً، تعرّفتُ اليه في مسار العمل في مكتب الأرض المحتلة (مكتب الـــ 84) بالمزة/جبل، لفترةٍ عام تقريباً، وتحديداً العام 1978، غادر بعدها الى الكويت ومن حينها لم أعُد أعرف عنه شيئاً، احتضنني احتضان الرفيق والشقيق، وطالما أثنى على صفاتي ومنها مسألة الخجل الذي كان يرافقني في تلك المرحلة، مُعتبراً إياه "سجية طيبة لكن يجب عدم المبالغة بها".
في احدى الجلسات مع الرفيق صالح في مكتب لجنة العمل المسلح للداخل في المزة/جبل، توقف عن الكلام ليرتشف من فنجانه رشفة قهوة باردة وليشعل سيجارة، ويبدأ مخاطبتي :
"أنت أصغر مني ولكني أثمِّن عقلك واتزانك عالياً، وأنت تعرف ذلك، فارق السن بيننا يعطي فارق التجارب".
واذكر عبارة له قالها لي ذات مرة، ودونتها على دفترٍ أحتفظ به طويلاً حتى لحظات دمار بنايتنا في مخيم اليرموك في شباط/فبراير 2014 :
"لاتحبس شيئاً حلواً في صدرك، لاتُقفل على كلمة صالحة مهما بدت صغيرة وبسيطة، لأنك لن تتخيل كيث تضىء الكلمة في أحدهم، وترحل انت وتظل هي معه ..."... وهنا استعيد قول النبي العربي الكريم (ص) : "الأرواح جنود مجنًدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف" .
ولا أنسى في هذا المقام الراحل، طيب الذكر، المرحوم راشد كايد الوادي (الرمحي) الذي كان أوّل من وزَّعَ في شوارع العاصمة الأردنية عمان بيان ولادة ما سُميَ في حينه "بيان استقلال الجناح اليساري في الجبهة الشعبية"، وكان معه في تلك الواقعة الشهيد منذر القادري (شعبان)، وقد دفع راشد الوادي سنوات طويلة من عمره وشبابه في معمعان تلك المرحلة الصعبة بعد العام 1971، لكنه بات خارج التنظيم بعد العام 1984 لأسبابٍ كيدية، كذلك سالم النحاس (جلال). كما لا أنسى مازن المريدي (ربيع) الذي شغل المسؤول الإداري والموجه السياسي لنا في في مكتب الأرض المحتلة (مكتب الــ 84) قبل انتقاله الى ميدان العمل الجماهيري في مختلف المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا.
تلك الكلمات أعلاه، شواهد شخصية على مرحلة وطنية فلسطينية، مرحلة كانت مكتظة ومتزاحمة بالمناضلين، الذين كتبوا وسطروا مرحلة هامة من سفر النضال الفلسطيني. لكنهم
الجزء الكبير منهم، وتحديداً من عمل في الصفوف العسكرية، وجد نفسه دون انصاف، بعد حملة التسريحات بداية العام 1991، وهم الذين قال عنهم مُتنفذ يساري جداً (ولاتقرفوا) : "انهم فائض مرحلة". قول المتنفذ اليساري اياه بمثابة خلطة عجيبة بين حاخام الصنم واليسار الإنتهازي.
بقلم/ علي بدوان