الحديث عن السلام والإستقرار والأمن الذي يصورة الأمريكان والإسرائيليون، يخفي في طياته حقائق دامغة تكفي لإدانة التاريخ الإسرائيلي السياسي بأكمله وتقديمه لمحاكم دولية، فتاريخ إسرائيل متصل من الهمجية ومعاداة العرب وإضطهادهم وتحكيم منطق القوة والاغتصاب بدلاً من منطق الحوار والتفاهم والتعايش السلمي جنبا الى جنب، فهي أي إسرائيل قتلت عبر نصف قرن الآلاف من المدنيين العرب العزل ودمرت منازلهم التي تأويهم وإقتلعت الثمر الذي يعتاشون منه مما أدى الى تشريد الملايين من الفلسطينيين على وجه الخصوص اضافة الى اشقاء "سوريين ولبنانيين وعراقيين ومصريين"
اختارت إسرائيل منذ تسليم اول رئيس وزراء فيها "بن غوريون" بالعام 1948 أهم البرامج العقائدية لتحقيق الأهداف الصهيونية وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين وفرض الإستيطان كأمر واقعي على كامل التراب الفلسطيني، فعمدت على إرتكاب الإعتداءات والمجازر المنظمة من قبل عصاباتها بالتعاون مع جيشها المدجج بأعتى انواع الاسلحة ضد أهالي القرى والمدن الفلسطينية العزل لترحيلهم وتشريدهم من أراضيهم التى ولدوا عليها، لذلك جاءت عبارة بن غوريون الشهيرة التي قال فيها "إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية". وهذا أكبر دليل على بربرية اسرائيل وجنرالتهم وقيادتهم.
وعلى هذا الأساس فأي حكومة اسرائيلة جلبها ويجلبها الناخب الإسرائيلي مستقبلا ومنذ تأسيس ما يسمى "بالكيان الاسرائيلي" تعني ببساطة قيام حكومة دكتاتورية العسكر الاسرائيلية، رموزها القيادية من جنرالات الحرب الذين تشبعوا بروح المغامرة والانتقام، فرئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي "نتنياهو" لم يصعد الى سدة الحكم في هذا الكيان المأزوم بخبرتة السياسية بل على سيرتة الذاتية المحملة على تاريخ المجازر الدموية والتي كان آخرها المجازر التي ارتكبها جيشة البربري ضد شعبنا في قطاع غزة.
لذلك نرى ان رؤساء حكومات اسرائيل الاموات منهم والاحياء "زيفوا ويزيفون" الحقائق من فرط المساحيق الدعائية لتحجب الرؤية عن المجتمع الاسرائيلي، اذ يستغل هؤلاء الجنرالات ابتداءا من"بن غوريون"و موشي دايان" و غولدا مائير" مرورا "بشامير" ورابين" وبيريس" وانتهاءا "بشارون" و براك" و اولمرت " ونتنياهو"يستغلون الضعف الرئيسي في المجتمع الاسرائيلي التي يسمونها بالعبرية "بيتاحون" اى الامن، تلك الدائرة المغلقة التقليدية هي التي استطاع بواستطها "نتن ياهو" وغيره من نظراءه السابقين الدخول الى مكتب رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بعد ان لفظتهم مجريات وتطورات الصراع العربي الاسرائيلي كأشخاص موتورين تغلب على سلوكهم النزعة العسكرية المغامرة.
وهنا لابد من التذكير ان رئيس الوزراء السابق"أيهود ألمرت" كان امتطى صهوة الأمن، لنسف عملية السلام من جذورها، فباسم الحفاظ على امن المستوطنات اطلق لجيش الاحتلال والمستوطنين باطلاق النار على الفلسطينيين العزل، وتدمير منازلهم وممتلكاتهم والاستيلاء على الاف الدونمات الزراعية، ملغيا بذلك عشر سنوات من عمر عملية السلام التي انتهت بلا مواربة الى طريق مسدود بصعود "نتنياهو" على رأس المستوى السياسي الاسرائيلي.
ان الانجاز الوحيد الذي حققة اولمرت وغيره في كل مسيرتهم السياسية الفاشلة هو تحويل المواجهة السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى ساحة"مواجهة عسكرية"بعد ان استباح دم الفلسطينيين بصورة مرعبة اذ اسفرت الحرب التى شنها على غزة الى اكثر من الفي شهيد وجريح وتدمير مئات الالاف من البيوت والمصانع والمزارع.
وهذه النتيجة ليست الا المقدمة التي اعدها "اولمرت" بغية نسف اتفاقية اوسلو بكل مقوماتها"مسلما" السيف الاسرائيلي لزميلة" نتنياهو" ليجهز على ما تبقى من قيمة معنوية لعملية السلام، وهنا تبدو لعبه تبادل الادوار بين ابناء المؤسسة السياسية والعسكرية اكثر وضوحا بعد كشف المؤامرة التي خطط لها "اولمرت ونتنياهو" ومن قبلهم "باراك وشارون" بعناية والتي تستهدف"قلب الطاولة" واستبدال شعار "الارض مقابل السلام"، "بالأمن مقابل السلام".، اذا فالخطر يتصاعد في ظل اغلاق "الجنرالات الإسرائيليين" بوابة الامل بتنكرهم الواضح لكل ما توصل اليه الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي.
ان ما يجري داخل "الكيان الاسرائيلي" حاليا مثير للقلق حول مستقبل المنطقة برمتها لان "الكيان الاسرائيلي" يعيش في حالة طوارئ امنية على امتداد خمسة وستون عاما مضت وهو حتى الان بلا حدود معلنة ولا هوية ولا مبادئ ثابتة، اذ اعترف زعيم المستوطنين الاول "شارون"بان استيطان غزة كان امرا خاطئا كلفت الشعبين عشرات بل الاف القتلى والجرحى، وهذا يدلل على عدم وصول الزعامات الاسرائيلية الى مرحلة الادراك السياسي الحقيقى.
من المثير حقا ان الأحزب الاسرائيلية هي في الحقيقة أحزاب "رمادية" تشبة "شوربة الخضار متعددة الألوان" يستطيع المواطن الاسرائيلي ان يجد فيه شعارا عن السلام والأمن ولكن مع وقف التنفيذ، هكذا تكون كل الشعارات التي تضعها كل الاحزاب الاسرائيلية مع بدأ الانتخابات الاسرائيلية السابقة ، ولن تكون اللاحقة بافضل منها الا اذا برهنت الولايات المتحدة الامريكية على قدرتها الحاسمة على فرض السلام على الطرفين المتصارعين في ظل الاعتماد الاسرائيلي المطلق على امريكا اقتصاديا وعسكريا، لان اسرائيل لا تتراجع ابدا عن مواقفها المتصلبة الا بعد اراقة الدماء.
ان الأمر الذي يثير السخرية حقا أن الرئيس المريكي ترامب يحاول أن يلائم خططة وسياساتة الخاطئة في منطقة الشرق الاوسط على معايير فهم القيادات الإسرائيلية وتصوراتها لحسم الصراع، ولهذا يمكننا القول أن "دونالد ترامب" لن يجبر القيادة السرائيلية أيا كان لونها الحزبي على دفع إستحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة، متلهيا بأرجوحة ما يسمية "مكافحة الارهاب" وذلك بصورة مقصودة للقفز عن المحرك الأساس لكل أعمال العنف في منطقة الشرق الاوسط وهو "الكيان الإسرائيلي بالتحديد".
هذا التجاهل الأمريكي قد يسعر المنطقة في المستقبل، ويبدو أن الرئيس الامريكي لا يرى الواقع الا بعين واحدة بعد ان دك الشعب الفلسطيني في الحرب الاخيرة علية ومزقت جرافات الاحتلال خارطة الطريق التي وضعها سلفة "اوباما" وسقط الاف الشهداء والجرحى من الفلسطينيين، وهذه بحد ذاتها كافية لرفع وتيرة الكراهية مما يذخر الأجيال القادمة بالطاقة اللازمة لإستمرار الصراع الدموي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
بقلم/ رامي الغف