نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة كان يطمح الى تأجيل الانتخابات بسبب ان دولة الإحتلال تعيش حالة حرب،وبأنه سيخرج الى معركة عسكرية كبيرة مع قطاع غزة ردا على الصاروخ الذي اطلق نحو اشدود من القطاع،ولكن الذهاب للحرب يحتاج لموافقة 80 عضو كنيست،بالإضافة الى موافقة المجلس الأمني المصغر،مما جعله يعدل عن تلك الفكرة،علماً بانه هناك سابقة جرت بتأجيل الانتخابات لمدة شهرين،بعد إندلاع حرب أكتوبر 73 ....ونتنياهو لم يتوقف عن إطلاق تصريحاته التي تستهدف حث المستوطنين على التصويت له،فبعد أن اعلن عن نيته ضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار وشمال البحر الميت،إذا ما جرى انتخابه رئيساً للوزراء،وسبق ذلك إقتحامه للحرم الإبراهمي الشريف،حيث قال عدنا الى أرض الأجداد،ولن يقتلعنا احد من مدينة الخليل،ولن نقتلع أي مستوطنة او مستوطن،وسنعمل على تعزيز الإستيطان،وجئنا للخليل لكي نتوحد مع الذاكرة،ولكي نعبر عن النصر،واليوم نتنياهو يقول بأنه سيعمل على ضم مستوطنات الخليل ،كريات أربع والحي اليهودي الإستيطاني في قلب مدينة الخليل ..وهو لم يكتف بذلك لضمان فوزه شخصياً وحزبه الليكود بأكبر عدد ممكن من المقاعد،بما يؤهله لتشكيل حكومة يمينية متطرفة دون ابتزاز ليبرمان له،او تشكيل حكومة يمين موسعة بمشاركة ليبرمان،يقف هو على رئاستها،ولرفع نسبة التصويت في الوسط اليهودي ولصالح نتنياهو وحزبه وقوى اليمين،سيعمل حزب الليكود على توجيه رسائل نصية الى عشرات ألآلاف اليهود،لحثهم على التصويت لصالح قوى اليمين الصهيوني وفي مقدمتها حزب الليكود،ويشارك في هذه الحملة وزراء ورؤوساء سلطات محلية،بالقول بأن نسبة تصويت العرب مرتفعة وكذلك المصوتين لما يسمى معسكر اليسار الصهيوني،ولذلك عليكم التصويت،لمنع قيام حكومة " يسار" تقسم القدس وتقدم أجزاء من "أرض الدولة للعدو،وأنا كرست حياتي من أجل الإستيطان والدولة في خطر...نتنياهو يدرك تماماً بان عدم فوزه في الانتخابات،وبما لا يؤهله لتشكيل حكومة يمينية متطرفة، فإنه سيقترب كثيرا من المحاكمة وبوابة السجن،بسبب مسلسل الفضائح الذي يلاحقه بالفساد وسوء الإئتمان والرشاوي،وسيكون مصيره كمصير يهود أولمرت احد رؤوساء الحكومة السابقين،الذي قضى ثمانية سنين خلف جدران السجن.
نتنياهو آخر ملوك إسرائيل،وهو صاحب أطول فترة حكم في تاريخ دولة الإحتلال،حيث تفوق على بن غوريون ،ولا يوجد لا في الليكود ولا في الأحزاب الإسرائيلية قائد بحجمه او يمتلك" الكاريزما" التي يتمتع بها،وخاصة على صعيد " الببروغندا" والدعاية والعلاقات العامة،ولذلك اذا ما اطيح بنتنياهو،فأعتقد بان الحياة الحزبية في إسرائيل ذاهبة نحو التشظي والمزيد من الإنقسام،وبالتالي فقدان القوى الحزبية الكبرى لقدرتها على تشكيل حكومة،دون ان تخضع للقوى الحزبية الصغيرة .
عدم فوز نتنياهو بالإنتخابات،وبما يؤهلة لتشكيل حكومة يمينية متطرفة بقيادته،قد يدفع بالإدارة الأمريكية الى تأجيل الإعلان عن خطتها المعروفة بصفقة القرن،والتي يعتبر نتنياهو احد الشركاء الرئيسيين فيها،وبالتالي ينفرط عقد شركاء الخطة،وربما يعود شريكه الأمريكي المهندس لهذه الخطة جيسون غرينبلات لتقديم إستقالته مجدداً،تلك الإستقالة التي عدل عنها ،ومن المرجح انضمام صهر الرئيس الأمريكي ترامب كوشنر الى مسلسل الإستقالات،خاصة انه جرى إقالة احد صقور البيت الأبيض الداعمين لهذه الخطة المتصهين المتطرف جون بولتون،مستشار الرئيس للأمن القومي.
نحن امام قوى حزبية إسرائيلية يمينية ويمينية متطرفة تتصارع على قيادة ضفة الحكم في دولة الاحتلال،يغيب عنها ما يسمى بمعسكر اليسار الصهيوني،هذا اليسار الذهاب نحو الإندثار والتفكك والمزيد من التشظي،ولم يعد مقرراً في مصير دولة قامت على أكتافه من بناء للمستوطنات في الضفة والقطاع والقدس،وشن حروب استباقية على الدول العربية ،وبناء ترسانة عسكرية ضخمة،جعلت من جيش الاحتلال اسطورة و"بعبعا" ،تخافه الدول العربية ،ولكي يثبت لاحقاً بدءاً من تحرير الجنوب اللبناني في 25/ أيار/2000 على يد المقاومة اللبنانية وعمادها حزب الله،ومن ثم الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي على يد حزب الله في تموز 2006،تلك الحرب التي خاضتها إسرائيل لأول مرة بالوكالة عن أمريكا من أجل خلق ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، الذي بشرت به المغدورة كونداليزا رايس،وزير الخارجية الأمريكية آنذاك،والحروب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة 2008 -2009 و 2012 و2014 ،بان هذا الجيش يمكن قهره وإلحاق الهزيمة به،وهو ليس ب" بالبعبع" الذي يجري تصويره من أجل اخافة العرب منه وإستسلامهم لقدر الهزيمة، قدر ادخله أصحاب ثقافة الإستسلام والهزيمة في قلوب العرب،ووفي مقدمتهم المغدور السادات صاحب مقولة بان 99% من أوراق الحل بيد أمريكا،وليجري تعزيز تلك الثقافة والنهج،من خلال قيادات النظام الرسمي العربي المنهار،حيث وصف حمد بن جاسم ،امير دولة قطر في حرب تموز/ 2006 العدوانية التي شنتها إسرائيل على لبنان وحزب الله ،العرب ب" النعاج" والذين لا طاقة لهم بمحاربة إسرائيل ،في شرعنة غير مسابقة لثقافة ونهج وخيار الهزيمة،ورفض أي نهج او خيار وثقافة أخرى تقول بالمقاومة.
نتنياهو بات على قناعة تامة بأن الخيار الذي لجأ إليه من أجل توسيع تصويت الجيش له بالنار،عبر توسيع دائرة الإشتباك مع جبهة المقاومة،بإستهداف قواعد الحشد الشعبي في العراق ومقر لحزب الله في سوريا،والقول بانه موقع لفيلق القدس الإيراني،والإستهداف الأخطر والذي هدف نتنياهو من خلاله لتغيير قواعد الإشتباك المعمول بها بين إسرائيل وحزب الله وفق القرار الأممي (1701) ،منذ آب/2006،حيث قامت إسرائيل بشن غارة جوية بواسطة طائرتين مسيرتين على هدف لحزب الله في الضاحية الجنوبية،لكي يجري اسقاطهما،وليرد حزب الله على هذا الخرق بإستهداف آلية إسرائيلية من خارج منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة،وليعلن الحزب كسره للخطوط الحمر وقواعد الإشتباك،وتحريم الأجواء اللبنانية على الطائرات المسيرة الإسرائيلية،والتي جرى إسقاط إحداها خارج حدود بلدة الرامية اللبنانية فور اختراقها للأجواء اللبنانية.
هذا الخيار بدل ان يحسن من فرص فوز نتنياهو،وجدنا انه شكل مادة دسمة للقوى الحزبية الإسرائيلية الأخرى للتحريض عليه بأنه يوظف ورقة الأمن في الانتخابات ولمصالحه الخاصة،ولذلك وجد نتنياهو انه لا بد من اللعب على وتر عواطف الجماعات الصهيونية المتطرفة،والتي تشكل 13% من الناخبين،ومن هنا جاءت اقتحاماته للحرم الإبراهيمي والحديث عن العودة الى أرض" الأجداد والتوحد مع الذاكرة والتعبير عن " النصر،وليتوج تلك التصريحات بالإعلان عن خطته بضم مستوطنات الخليل والحي اليهودي في قلب الخليل الى دولة الاحتلال،وإرسال عشرات الآلاف الرسائل النصية للإسرائيليين عامة وللمستوطنين خاصة لحثهم على التصويت،مستخدماً "بعبع" ارتفاع نسبة التصويت عند العرب،وفوز ما يسمى ب" اليسار" الصهيوني سيقسم القدس وسيسلم" أجزاء من أرض الدولة" للأعداء.
نتنياهو فرصة للفوز بالإنتخابات الإسرائيلية تتفوق قليلاً على عدم الفوز،ولكن هذا الفوز هل سيمكنه من تشكيل الحكومة ام لاء ...؟؟هذا ما سيجيب عنه الناخب الإسرائيلي اليوم محدداً مصير نتنياهو كرئيس وزراء لدولة الإحتلال لدورة خامسة ام سيكون مصيره المحاكمة والسجن.
بقلم/ راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
17/9/2019