التحذيرات الجديدة الصادرة عن البنك الدولي، هي ادانة جديدة للاحتلال الاسرائيلي من جهة دولية حيادية، كونه المتسبب الرئيسي بالازمة المالية التي تمر بها السلطة، نتيجه اقدامه على الاستقطاع من عائدات الضرائب التي تقوم اسرائيل بجبايتها لصالح السلطة، وذلك بدء من شهر فيراير مطلع هذا العام أي حوالي قبل سبعة شهور ، وموقف السلطة الرافض لاستلام هذه الاموال منقوصة .
أموال المقاصة التي تعتبر المصدر الاهم في ايرادات السلطة حيث تمثل ما نسبتة 63%، بمتوسط قيمة من 680 – 700 مليون شيكل ، الى جانب الايرادات المحلية التي كانت في الشهور الاولى من هذا العام بمتوسط 600 مليون شيكل ، والمنح والمساعدات الخارجية للموازنة العامة والتطويرية.
فاتورة رواتب الموظفين العموميين تحتل النسبة الاكبر حيث تبلغ حوالي 57.5% من اجمالي نفقات الحكومة ، بمتوسط شهري حوالي 495 مليون شيكل هي رواتب موظفين الحكومة البالغ عددهم 135 ألف موظف.
لم تتوقف الازمة المالية للحكومة الفلسطينية ، على أموال المقاصة المحتجزة لدى اسرائيل، وأنما كان هناك أيضاً تراجع واضح في حجم المنح الخارجية الموجه للموازنتين العامة والتطويرية، بنسبة بلغت حوالي 34%، ووفق الارقام فان اجمالي ما تحصلت عليه الحكومة الفلسطينية من منح خارجية في أول سبعة شهور من هذا العام بلغت حوالي 945 مليون شيكل،
الحكومة الفلسطينية ومنذ بدء الازمة المالية تبنت خطة طوارئ لمواجهة هذه الأزمة، والتي اعتمدت على اجراءات تقشف فيما بتعلق بالنفقات الحكومية، وتقليصات في بند الاجور والرواتب ، فذهبت نحو الاعتماد على الايرادات المحلية ، وقروض القطاع المصرفي، والمنح الخارجية لتوفير السيولة ، وصرف معدل نصف الراتب لموظفين السلطة البالغ عددهم حوالي 133 ألف موظف ، يحتاجوا شهريا حوالي 495 مليون شيكل.
وتراجعت النفقات الفعلية للحكومة بنسبة حوالي 45.5%، منذ بدء الازمة، حيث بلغت حوالي 5.258 مليار شيكل، للشهور السبعة الاولى مقارنة مع 9.6 مليار شيكل لنظيرتها في العام الماضي
ونتيجة الازمة ، وعدم توفر السيولة ،اضطرت الحكومة للاقتراض من البنوك العاملة في السوق المحلية، وهذا أدي الى نمو الدين العام المستحق على الحكومة الفلسطينية بقيمة 1.5 مليار شيكل ، ما نسبتة 18.2% منذ بدء هذه الازمة، اذ بلغ اجمالي الدين العام المستحق على الحكومة الفلسطينية حوالي 9.734 مليار شيكل، وقبل ايام كان هناك تصريح لوزير المالية السيد شكري بشارة قال أن الحكومة الفلسطينية وصلت الحد الاقصى المسموح فيه للاقتراض من المصارف الفلسطينية.
وبذلك تصبح الحكومة الفلسطينية تعاني من عجز شهري حوالي 150 مليون دولار شهرياً، وهو قيمة باقي أموال المقاصة المحتجزة لدى اسرائيل، بعد قيام السلطة بالتفاهم مع اسرائيل على تولي جباية الضرائب على مشتقات البترول، وكانت هذه الخطوة كفيلة بتحرير 200 مليون شيكل شهريا وهي(ضريبة البلو) على الوقود، بهدف حماية السلطة من الانهيار مالياً، والحفاظ على بقائها في ادارة الحياة السياسية والاقتصادية للفلسطينيين.
شح السيولة الذي تعاني منه خزينة الحكومة، وأصبحت تعاني منه المصارف، كان سبباً في شل القطاعات الاقتصادية الهامة، ومنها القطاع الزراعي الذي ترجعت مساهمته في الناتج المحلي الى مستويات متدنية جدا وصلت الى 3%، والقطاع الصناعي الذي كان ثاني أهم قطاع يساهم في الناتج المحلي بنسبة 16%، وفي القيمة المضافة بنسبة تتراوح ما بين (11 – 13%)، ويشغل 6% من مجمل الأيدي العاملة، ليصاب بشلل كبير تسبب في اغلاق العديد من المصانع الانتاجية في قطاع غزة، ليدفع بمعدلات البطالة نحو مزيد من الصعود، وبالفقر نحو مزيد من الانتشار.
وهذا ما عبرت عنه سلطة النقد في تقريرها حول مؤشر إدارة الأعمال، الذي حافظ على قيمته السالبة للشهر الخامس على التوالي ، في ضوء استمرار أزمة الرواتب التي تواجهها الحكومة الفلسطينية، حيث سجل المؤشر الكلي تراجع بنحو 13.9 – نقطة.
وظهر شح السيولة بشكل واضح في حركة المقاصة الفلسطينية، حيث أظهرت التقارير الصادرة عن سلطة النقد أن هناك تراجع في قيمة الشيكات المقدمة للتقاص في أول سبعة شهور من هذا العام أي حتى نهاية شهر يوليو الماضي، اذ بلغ عددها 3.746 مليون شيك وقيمتها حوالي 7.292 مليارات دولار، بالمقابل هناك زيادة كبيرة في حجم الشيكات الراجعة ، تمثل حوالي 10% من اجمالي الشيكات المقدمة للتقاص.
كما أدى شح السيولة الى تباطؤ نمو ودائع العملاء لدى القطاع المصرفي الفلسطيني، حيث جاء في بيانات منشورة على موقع سلطة النقد الفلسطينية، أن ودائع العملاء نمت بنسبة 0.7% في يونيو الماضي، مقارنة مع نمو 2.8% في شهر مايو من نفس العام، وهذا يدل بشكل واضح على تراجع السيولة في الاراضي الفلسطينية.
وفي ظل التقديرات التي أعلنت عنها الاونكتاد في تقريرها الاخيرالذي عرضت نتائجه يوم الثلاثاء 10/9/2019 في مؤتمر صحافي عقد في مقر معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" برام الله، بانعدام الثقة في تحسن الأوضاع الاقتصادية بسبب الآفاق السياسية القاتمة، مما يعني أن الازمة المالية للسطة مستمرة، وقد تشهد الاوضاع الاقتصادية مزيداً من التدهور اذا استمرت أزمة شح السيولة حسب تحذيرات البنك الدولي، فان السلطة الفلسطينية يجب أن تضاعف جهدها في التوجه الى المحكمة العليا للتحكيم الدولي للفصل في قضية الاستقطاع من أموال المقاصة التي تقوم بجبايتها اسرائيل لصالح السلطة، والضغط عليها بكل السبل والطرق واجبارها على التراجع عن اجراءات الاستقطاع من اموال المقاصة لأسباب ومبررات كاذبة.
----------------------------
بقلم الباحث الاقتصادي/ ماجد أبودية