في حدث وصفته اسرائيل بالتاريخي والغير مسبوق، أصدر حضرة المقرر الخاص المعني بحرية الدين والمعتقد أحمد شهيد، وزير خارجية المالديف السابق، تقريراً حول معاداة السامية واصفا إياها بأنها "عقبة شديدة أمام الحق في حرية الدين والمعتقد وأن خطر العنف ضد الأفراد والمواقع اليهودية هو أمر مقلق".
ليس هذا هو المهم لأن العالم العاقل جميعه ضد معاداة السامية أو غير السامية، إنما الخطير هو انتقادات شهيد / وإن كانت غير مباشرة/ الموجهة لحركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (B.D.S)كونه يربط نشاطات الحركة في نفس الفقرة بضرورة إدانة التعبير الذي يعتمد على قوالب نمطية أومجازية ضد حق اسرائيل في الوجود!!
الحقيقة أن التقرير هو سقطة اخلاقية في سجل الحريات في معقل حقوق الانسان لأنه تقرير منحاز يبحث حصرا وللمرة الأولى في تاريخ الهيئة العالمية في ادعاءات باطلة ولم تعد موجودة أصلاً . كما أنه لا يجوز أن يتعرض من قريب أو بعيد لحركة مقاومة سلمية مدنية أقرت بها وكفلتها جميع القوانين والمواثيق الدولية. فحركة B.D.S. لا ترمي حجارة ولا تطلق صواريخ ولا تقتل أبرياء ولا تضطر أحداً الى دخول الملاجئ. هي تدعو الى مقاطعة المحتل الاسرائيلي وأدواته وامتداداته، وتكوين رأي عام عالمي ضد انتهاكاته وجرائمه في حق الشعب الفلسطيني. كما أنها لا ترغم أحدا على قبولها أوالاشتراك بها، بل تترك الخيار لمن يقتنع بالعدل والحرية والمساواة أن ينضم اليها، وهي لا تدعو الى مقاطعة اليهود /لا سمح الله/ وإنما تقاطع الدولة الاستعمارية اسرائيل طالما تنتهك وتستولي على الحقوق الطبيعية للارض والشعب الفلسطيني.
إن من واجبات أحمد شهيد / حسب ما نص عليه قرار لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان بتعيين مقرر خاص مختص بقضايا حرية الدين والمعتقد عام 1986/ هو تحديد العقبات القائمة والمستجدة التي تعترض التمتع بالحق في حرية الدين او المعتقد وتقديم توصيات بشأن سبل تذليل هذه العقبات. وحسب المرصد الأورو المتوسطي لحقوق الانسان لا يوجد بيان واحد من حضرة المقرر أحمد شهيد خلال السنوات التي تولي فيها عمله يتعلق بالانتهاكات الاسرائيلية والتضييق على الفلسطينيين في ممارسة حقوقهم الدينية في الاقصى الشريف حتى في الايام التي تم إغلاق الأقصى بها من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي أمام المصلين الفلسطينيين!!
من الواضح أن السيد/ أحمد شهيد لا يرى 13 مليون فلسطيني في فلسطين والعالم لا يستطيعون ممارسة شرائعهم الدينية ومعتقداتهم في المساجد المباركة والكنائس المقدسة في فلسطين بفعل الاجراءات الاسرائيلية..
أحمد شهيد لا يرى 2 مليون فلسطيني في غزة و3 مليون في الضفة غير قادرين على التحرك نحو المساجد والكنائس في الأعياد إلا بتصاريح خاصة من المحتل لا تعطى إلا بصورة نادرة .
أحمد شهيد لا يرى أن محاولات اسرائيل تقييد رفع الاذان في مساجد القدس إنتهاكا لحرية المعتقد، بينما اقتحام قطعان المستوطنين للمسجد الاقصى هو أمر طبيعي لأنهم يبحثون عن الهيكل المزعوم !!
أحمد شهيد لا يرى أية انتهاكات اسرائيلية ضد حرية العبادة للمسيحيين الفلسطينيين من عرقلة وصولهم لكنيسة القيامة في عيد الفصح إلا بتصريح مسبق يحرم كثيرون منه ، ومن اعتداءات ضد رجال الدين والرهبان وفرض ضرائب على العقارات التابعة للكنائس وكتابة الشعارات العنصرية عليها ...
التقرير ينذر بالخطر لأنه نجح في معقل كان الفلسطينيون يعتقدون أنه ملعبهم. فهو يعكس التغيير الممنهج والمنظم في أروقة الامم المتحدة ومؤسساتها تجاه النظرة للاجراءات الاسرائيلية. وستبقى معاداة السامية هي سيف اسرائيل الذي ترفعه مقابل كل من يجرؤ على انتقاد سياساتها القمعية والاحتلالية.
بقلم/ د. اماني القرم