“مساواة“ يطلب من الرئاسة إهمال مشروع القرار بقانون بلا رقم لسنة 2019 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية

طالب المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" من الرئاسة الفلسطينية إهمال مشروع القرار بقانون بلا رقم لسنة 2019 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وطرحه جانباً وعدم الالتفات إليه.

جاء ذلك في مذكرة وجهها المركز إلى الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بعنوان "الطلب من الرئاسة الفلسطينية إهمال مشروع القرار بقانون بلا رقم لسنة 2019 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وطرحه جانباً وعدم الالتفات إليه".
نص المذكرة:
سيادة رئيس دولة فلسطين،

رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسلطينية،

السيد محمود عباس المحترم،،،

الموضوع: الطلب من سيادتكم إهمال مشروع القرار بقانون بلا رقم لسنة 2019 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وطرحه جانباً وعدم الالتفات إليه

يهديكم المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" تحياته، مبدياً لسيادتكم أنه حصل على صورةٍ عن مشروع قرارٍ بقانون بلا رقم لسنة 2019 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية، جرى تنسيب إصداره إلى سيادتكم من قبل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي في جلسته رقم 17 لسنة 2019، المنعقدة بتاريخ 02/09/2019، وعلمت "مساواة" بصدور قرارٍ عن فخامتكم بإيقاف نشره بصيغته كقرارٍ بقانون. وبعد أن وقفنا بإمعانٍ شديدٍ على ما تضمنه المشروع بدءاً بديباجته وانتهاءً بمادته الأخيرة، نرى أن إصداره ونشره ينطويان على مخاطر جسيمةٍ تهدد دولة القانون، وتُحوِّل السلطة القضائية إلى دائرةٍ تنفيذيةٍ لا تحمل من القضاء سوى مسماه، ما يُنبئ بنتائج خطيرة، ولتأذنوا لنا بوصفها بالكارثية، حيث أنها تُهدر بشكلٍ واضحٍ وجليٍّ استقلال السلطة القضائية واستقلال السادة القضاة، وتحوّلهم إلى مجرد أُجراء، وتُغيب مبدأ الفصل في المنازعات على أساس القانون والضمير، وتُحول مفهوم المؤسسة القضائية إلى ما يشبه مشروعاً خاصاً ينفرد بملكيته شخصٌ واحدٌ أُنيطت به صلاحياتٌ لا حدود لها، الأمر الذي يتناقض مع أسس دولة القانون والحكم الرشيد، وينتهك مبدأ الفصل بين السلطات، ويمس بجوهر الوظيفة القضائية وسلطة القاضي في فرض حكم القانون، وفقاً لما يرتاح له ضميره ويرتقي إليه فهمه للقوانين الناظمة للمنازعة التي تعرض عليه.

سيادة الرئيس، إن القراءة القانونية للمشروع وإبداء الرأي المهني بشأنه يتطلّب صفحات تُفنّد فلسفته ومبنى ومضامين النصوص والأحكام الواردة فيه، بدءاً بديباجته وانتهاءً بسائر أحكامه التي تشوبها مخالفةٌ واضحةٌ للمبادئ الدستورية، والتي تُمثل خروجاً عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعن الاتفاقيات والعهود الدولية الناظمة لاستقلال السلطة القضائية والقضاة، لذا فإننا سنكتفي بالإشارة إلى أبرز ما تضمنه المشروع من مخاطر، مؤكدين على أنها نماذج لخطايا، وليس تحليلاً شاملاً لسائر الأحكام الواردة فيه، وذلك على النحو التالي:

بدايةً، ما ورد في ديباجة المشروع من أن إصداره يستند إلى تنسيب مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، وفي هذا مخالفةٌ جسيمةٌ لأحكام القانون الأساسي، الذي أناط صلاحية اقتراح مشاريع القوانين بأعضاء المجلس التشريعي، أو الوزراء أو الحكومة، أو ما تقررونه سنداً للمادة (43)، ولم يرد أي نص في القانون الأساسي يخوّل السلطة القضائية أو مجلس القضاء الأعلى الدائم أو الانتقالي أي سلطةٍ أو صلاحيةٍ تشريعية، بما في ذلك ما ورد في المادة (100) من القانون الأساسي، التي تضمن نصها أخد رأي مجلس القضاء الأعلى في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأنٍ من شؤون السلطة القضائية بما فيها النيابة العامة، وأخذ الرأي هذا يؤكد على أن سلطة التشريع أو اقتراح التشريعات لا صلة لمجلس القضاء الأعلى بها، وإنما إذا ما قامت أي جهةٍ ذات اختصاص وصلاحية باقتراح مشاريع قوانين أو قراراتٍ بقوانين كاستثناءٍ مُقيّد فإن السلطة التشريعية أو سيادتكم تأخذ رأي مجلس القضاء الأعلى بشأنها، وأخذ الرأي قانوناً لا يعني وجوب التقيّد به أو إعماله، وبالتالي فإن ما ورد في الديباجة، يمثّل اغتصاباً لصلاحيات سلطة أخرى، ناهيك عن مخالفته لمنطق الأمور، فليس من المتخيل أو المقبول منطقاً وواقعاً أن تُشرّع السلطة القضائية قانوناً يحكم أداءها لموجبات وظيفتها أو يمنحها صلاحيات وامتيازات، لأن من يشرعن لنفسه من البديهي وسم تشريعاته بالتحيُّز وحماية المصلحة الذاتية، والتحرر والتهرّب من الالتزامات، الأمر الذي تتأباه دولة القانون، ويلفظه مبدأ الفصل بين السلطات، وسيادتكم لستم بحاجة للتنسيب او اقتراح مشاريع قرارات بقوانين من أية جهة، مع طلبنا بعدم إصداركم قراراتٍ بقانون.

ما استحدثه المشروع في البندين (أ، ب) من الفقرة الثانية من المادة الثالثة منه، من وجوب خضوع القاضي عند تعيينه لفترة تجربةٍ مدتها ثلاث سنوات يحق لمجلس القضاء الأعلى إنهاء خدماته خلالها إذا ما تبين عدم لياقته الشخصية أو الخلقية، وفقاً للاعتبارات التي يحددها المجلس، وتُطبّق على القضاة الذين تم تعيينهم قبل صدور المشروع المقترح. وفي هذا الاستحداث مساسٌ بحق المساواة في إشغال الوظيفة العامة، ومساسٌ بإعمال المعايير الدولية المتعارف عليها في تقييم الأداء، والاستعاضة عنها باعتباراتٍ ذاتيةٍ يعود تحديدها للمجلس مُنفرداً، وفي هذا إعمال للمعيار الشخصي الذاتي الذي لا يخلو من المصلحة الشخصية لمن أُنيط به، مما يناقض بشكلٍ جليّ المعايير المهنية الموضوعية في التقييم الذي يجب أن يكون نزيهاً وشفافاً وحيادياً، ناهيك عن أن مدة التجربة لا تتناسب وموجبات إشغال الوظيفة القضائية، وتضع القاضي في دائرة الحذر والحيطة والخوف من استخدام المجلس لصلاحيته بإنهاء عمله، ما يحد من استقلال القاضي، ويؤثر على فصله في المنازعات وفقاً للقانون والضمير، واللافت أن مقترِح المشروع ناقض نفسه حين أشار إلى إعمال صلاحية المجلس إذا ما تبيّن له عدم كفاءة القاضي وفقاً لاعتباراته خلال مدة التجربة، ليعود وينص على أن للمجلس استخدام صلاحياته حتى بعد انتهاء مدة التجربة.

وسَّع المشروع في مادته الخامسة من صلاحيات مجلس القضاء عندما أناط به تحديد الأعمال التي يعتبرها نظيرةً للعمل القضائي، لتمكين مشغليها من إشغال الوظيفة القضائية، دون بيانٍ أو تحديدٍ للمعايير التي عليه اعتمادها أو إعمالها، ما يُطلق صلاحيته في التعيين في الوظيفة القضائية وفقاً لمعيارٍ شخصيٍ مطلقٍ غير محددٍ بأي معايير علميةٍ أو مهنيةٍ.

من أخطر ما ورد في المشروع نص الفقرة الثالثة من المادة السادسة منه، التي أناطت بسيادتكم منفرداً سلطة تعيين وإحالة رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى على التقاعد، ودون تنسيبٍ من أي جهةٍ كانت، وبهذا النص -ومع الاحترام الشديد- يُكرّس المشروع تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية على نحوٍ صريح، إلى جانب ما ينطوي عليه النص المقترح من انتهاكٍ لمبدأ المساواة عندما نص على أن تعيين رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى من قبل الرئيس غير مقيدٍ بسنٍ معين، ما قد يُثير التساؤل عما إذا كان قصد مُعِد المشروع إقرار نصوص على مقاسه الشخصي؟

أطلق المشروع صلاحية رئيس مجلس القضاء الأعلى وسلطته على سائر القضاة، من حيث الندب لوظيفة أُخرى أو لمحكمة أخرى دون مراعاةٍ لموافقة القاضي على ذلك، الأمر الذي يُحوّل القاضي في واقع الأمر إلى عاملٍ أو أجير، لا يُكتًرث لرأيه في أي أمرٍ يتصل باستقراره وأمنه الوظيفي وحقوقه المهنية، وذلك سنداً لما ورد في المادتين السابعة والثامنة من المشروع.

منح المشروع رئيس مجلس القضاء سلطة التنسيب للمجلس بإحالة أي قاضٍ إلى التقاعد إذا أمضى مدة 15 عاماً من العمل، دون الحاجة لموافقته على ذلك، كما منحه ذات الصلاحية في إحالة أي قاضٍ للاستيداع إذا أمضى مدة خدمة لا تقل عن 10 سنوات، ومنحه الصلاحية ذاتها في إنهاء خدمة أي قاضٍ إذا لم يكن مستكملاً لمدة الخدمة اللازمة لإحالته على التقاعد أو الاستيداع، وذلك إذا ما تضمّن تقرير عمله السنوي الصادر عن دائرة التفتيش القضائي تقديراً أقل من جيدٍ لمدة سنتين متتاليتين، ما يمس بخاصية الوظيفة القضائية، والمبادئ الدستورية الناظمة لها، ويحولها إلى وظيفة تنفيذية، وينتهك مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل.

تضمّن المشروع نصاً يُميّز بين قضاة المحكمة العليا وغيرهم من القضاة في بلوغ سن التقاعد، إذ اعتبر في المادة 12 منه أن سن التقاعد لقضاة المحكمة العليا 70 عاماً، ولسائر القضاة الآخرين 65 عاماً، في حين أعفى المشروع رئيس مجلس القضاء الأعلى من الخضوع للتقاعد بالغ ما بلغ عمره وفقاً لما نص عليه في الفقرة الثالثة من المادة السادسة المشار إليها أعلاه.

ألغى المشروع المحكمة العليا من تشكيل المحاكم، إذ أحال كافة اختصاصاتها إلى محكمة العدل العليا ومحكمة النقض، الأمر الذي ينطوي على تغييرٍ جذريٍ وخطيرٍ على قانون تشكيل المحاكم وقانون السلطة القضائية ذاته، فلم يعد للمحكمة العليا وجودٌ بالمعنى القانوني، وفقاً لما ورد في المادة 14 من المشروع.

ومن المظاهر الخطيرة أيضاً ما ورد في المادة 13 من المشروع من تبعية دائرة التفتيش وارتباطها بمجلس القضاء الأعلى، ما يؤثر على استقلاليتها على نحوٍ يتعارض مع مبرر وجودها وموجباته.

ومن مظاهر الهيمنة والتفرّد ما تضمنه المشروع في المادة 15 منه، حيث منح رئيس مجلس القضاء الأعلى سلطة الإشراف الإداري على سائر القضاة من أدنى الهرم إلى أعلاه، كما منحه حق فرض العقوبات التأديبية كعقوبة التنبيه من تلقاء نفسه بحق أي قاضٍ أياً كان موقعه أو محكمته، وفي هذا نسفٌ لمعايير الإشراف الإداري على أعمال القضاة الواردة في التشريعات العربية والدولية.

ألغى المشروع مبدأ تشكيل مجلس التأديب وفقاً لمسمياتٍ وظيفيةٍ محددةٍ وجوباً بالقانون، إذ أناط بالمجلس ورئيسه تشكيل مجلس تأديبٍ على نحوٍ متغير، ووفقاً لما يراه رئيس المجلس ولاعتباراته الذاتية، وذلك وفقاً لما ورد في المادة 16 من المشًروع، الأمر الذي يُلغي واقعياً دور المجلس التأديبي أو حياده.

المشروع يُحوّل رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى مالكٍ مُطلق لكافة الصلاحيات والسلطات، إذ ينص في مادته الثامنة عشر على إنشاء إدارةٍ عامةٍ تسمى إدارة المحاكم تابعةٍ لرئيس المجلس، وكذلك إنشاء إداراتٍ أخرى متعددةٍ تابعةٍ أيضاً لرئيس المجلس.

واللافت والمثير للتساؤل ما ورد في المادة 19 من المشروع الصادر بتاريخ 02/09/،2019 أي قبل عشرة أيام من صدور قرار المحكمة الدستورية، إذ تضمن النص المذكور إلغاء القرار بقانون رقم (16) لسنة 2019 الذي ألغته المحكمة الدستورية لاحقاً، الأمر الذي يشير إلى الموافقة المسبقة لمجلس القضاء الأعلى الانتقالي على إلغاء القرار المذكور، وتمسكه بالقرار بقانون رقم (17) الذي شرعنته المحكمة الدستورية.

سيادة الرئيس، هذه أبرز المخاطر والخطايا الواردة في المشروع، الذي من شأن إقراره تحويل السلطة القضائية إلى دائرة خاصة يتحكم بها شخص واحد، ويُحوِّل السادة القضاة إلى مجرد موظفين تنفيذيين، ما من شأنه العبث بالنظام القانوني والسياسي برمته، إضافةً إلى ما يحمله من تأثيرٍ سلبيٍ خطيرٍ يودي بمبدأ الفصل بين السلطات على إطلاقه، ما يشكل مناخاً مُواتياً للفلتان الأمني والاجتماعي، وانتشاراً لظاهرة أخذ القانون باليد لفقدان الثقة بعدالة القضاء وحيدته، ما يجعل من إقرار هذا المشروع عاملاً مؤثراً سلباً على علاقات دولة فلسطين مع الأسرة الدولية، لأنه يمثل خروجاً فاضحاً عن سائر العهود والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، التي انضمت إليها دولة فلسطين وأصبحت ملزمة بأحكامها، ما يبرر تمسكنا وإصرارنا على مطالبة فخامتكم بطرح هذا المشروع جانباً وعدم الالتفات إليه، واتخاذ الإجراءات التي تجعل من توقيف نشره تعبيراً عن تركه وإهماله.

وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام

المصدر: رام الله - وكالة قدس نت للأنباء -