دنس شارون المسجد الأقصى المبارك, إنتفضت الجماهير الفلسطينية غضبا وثورة من أجل مقدساتها ,الأرض تشتعل والمواجهات في كل مكان بالوطن المحتل, موجات بعضها فوق بعض من العمليات الفدائية تتسابق وسائل الإعلام المحلية والعالمية في نشر أخبارها ونتائجها , قبل تسعة عشر عاما كان عنوان فلسطين مقاومة , والخبر القادم من فلسطين يعيد للقضية جوهرها , تفاعلت الأمة وجماهيرها من إنتفاضة الأقصى , حملات واسعة من التضامن والإسناد لإنتفاضة شعبنا , الفضائيات العربية فتحت ساعات من البث المباشر لنصرة شعبنا ودعم صموده , وإنتشرت في كافة أنحاء العالم أخبار الشهادة والبطولة وحكايات الفداء وقصص الحصار والتوغلات والمواجهة القوية لجيش الإحتلال , كانت فلسطين حاضرة مشرقة بعظيم التضحيات من أبنائها المخلصين رجالا ونساء , كانت الوحدة هي الراية الأكثر إنتشاراً في ميدان العمل الوطني والفعل الثوري , عمليات فدائية مشتركة إقتحامات جسورة للمستوطنات والمواقع العسكرية, إشتباكات وكمائن على الطرق الإلتفافية بالضفة المحتلة , الرد السريع على الإغتيالات أبرز ما تميزت به إنتفاضة الأقصى .
إلى جانب إقتحام شارون للمسجد الأقصى كان هناك أسباب وعوامل أخرى , دفعت شعبنا الفلسطيني للإنتفاض على واقع الإحتلال وغطرسته , الذي لا يؤمن إلا بالتوسع والسيطرة على الأرض الفلسطينية , ويرى في أي كيان سياسي وطني فلسطيني خطراً على مشروعه التوسعي الإستيطاني في فلسطين ,تواصل الإستيطان في ظل إتفاقية أوسلو , وتنكر الإحتلال لكل الإتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير , وزاد القمع لشعبنا على الحواجز وإستمرت الإعتقالات العشوائية , ورفض الإفراج عن الأسرى , وصولاً إلى فشل مفاوضات كامب ديفيد "2" في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون , بين الرئيس الراحل ياسر عرفات والإرهابي يهودا باراك , بتاريخ 11-7-2000م , ولعل هذه الجولة من المفاوضات في منتجع كامب ديفيد , أفضت إلى نتيجة واحدة وهي فشل مسار التسوية وموت كل فرص لإنجاحه ,وبهذا التاريخ نستطيع القول بأن مرحلة جديدة بدأت في الصراع الفلسطيني الصهيوني , ولعل هذه النتيجة قد وصلت إلى القيادة السياسية الفلسطينية آنذاك بقيادة الرئيس عرفات , فلقد أيقن أن " سلام الشجعان" أكذوبة ومكيدة ولقد دفع الراحل أبو عمار ثمن تلك الحقيقة حصارا وقتلا بالسم , فهو ليس الشخص المناسب ليواصل دور البطل في مشهد السلام الوهمي ولو على حساب حقوق شعبه وتطلعاته.
نالت إنتفاضة الأقصى الغطاء السياسي والإسناد الإعلامي من القيادة والمؤسسات الرسمية الفلسطينية , وشاركت أجهزة السلطة الأمنية والمدنية في إسناد شعبنا ودعم صموده في مواجهة الإحتلال وتعزيز عوامل مقاومته للهجمة الصهيونية , بكل وسائل الدعم والإسناد , وهذا لا يمكن لعاقل أن يتجاهله , وهنا نرى الفرق الشاسع بين أداء السلطة وأجهزتها آنذاك وأدائها تحت إمرة رئيسها محمود عباس , فاليوم تتنكر السلطة لأي إنتفاضة أو موجة غضب ينطلق بها الفلسطينيين في الضفة المحتلة أو غزة المحاصرة , رأينا كيف حرصت السلطة على إخماد إنتفاضة القدس التي إنطلقت في أكتوبر 2015م , فسعت إلى محاصرة أي عمل مقاوم في الضفة المحتلة ومطاردة المقاومين , رغم كل التعنت والغطرسة والعدوان الصهيوني ضد شعبنا وأرضه ومقدساته , ولا تغيب عنا أطماع الصهاينة في الضفة وغور الأردن والقرارات المتعلقة بالضم للمستوطنات وإحكام السيطرة على الأغوار وغيرها , وهذا كافي لتعي السلطة وقيادتها حجم العدوان والمؤامرة التي تتعرض لها قضيتنا , وأمام هذا التغول الصهيوني ليس أقل من ثورة شعبية عارمة تُوقف مخططات الإحتلال وعدوانه , وأن التمسك بسياسة التعايش مع الإحتلال وعدم مقاومته تزيد من نهم الإحتلال للتوسع والعدوان وسرقة المزيد من الأراضي , والتنكر لكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية , فهل تعي قيادة السلطة خطورة مسارها السياسي على المشروع الوطني الفلسطيني ؟ .
في ذكرى إنتفاضة الأقصى , لا يمكن تعطيل الطاقات الثورية والهمم الشبابية , ومحاصرتها في تطلعاتها الوطنية , مرفوض وطنياً أن يتم كبح جماح الثوريين وإفشال مساعيهم نحو مقاومة الإحتلال وصياغة الحرية لفلسطين على طريقتهم والتي تداوي الإحتلال بالتي كانت هي الداء , تأتي ذكرى إنتفاضة الأقصى لتذكرنا بوحدتنا في ميادين المواجهة وإصطفاف شبابنا بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية في خندق واحد دفاعا عن المخيمات في الضفة وغزة , لا فرق بينهم كلهم بنادق من أجل فلسطين , ما نحتاجه روح إنتفاضة الأقصى لتعيد لنا وحدتنا وتنهي إنقسامنا وترسم طريق خلاصنا من المحتل البغيض.
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
28-9-2019م