نختم بهذا المقال عن حزب التحرير ضمن سلسلة مناقشة قطبية فتح-حماس وعدم إمكانية إيجاد تيار ثالث، والأسباب الكامنة وراء عدم قدرة القوى الموجودة من أحزاب وفصائل وتجمعات على منافسة أي منهما.
(1)
ناقشت في المقال السابق (حزب التحرير بين انتظار الخلافة والجهاد الفردي) أواخر آب/أغسطس الماضي تحشيد الحزب ضد الإخوان وحماس وغمزه من قناتها منذ أمد بعيد، وتساءلت في الخاتمة: ألا يوجد تحشيد أو تنظير عند الإخوان وقواعدهم ضد حزب التحرير؟
بالطبع هناك مثل هذا التنظير؛, فمثلا كتاب باسم مؤلف يدعى (صادق أمين) وهو اسم مستعار ويقال بأن صاحبه هو د. عبد الله عزام الذي اغتيل في بيشاور/باكستان قبل حوالي ثلاثين سنة، والكتاب يهاجم حزب التحرير ويغمز من قناته، ويحوي تعريضا صريحا بالحزب وأفكاره وآرائه وفتاويه.
جملة معترضة:مسقط رأس د.عبد الله عزام، أي بلدة سيلة الحارثية غرب جنين؛ لحزب التحرير فيها وجود واضح منذ عقود طويلة وتأثير ملحوظ، ويعتبر الحزب من أهم وأبرز القوى فيها.
هذا إضافة إلى تنظير سلبي تجاه الحزب داخل أروقة إخوانية عدة، وطريقة نقاش تظهر فجوة واسعة بين الطرفين(الإخوان والتحريريين).
ولكن بالمجمل فإن مساحة وحجم انشغال الإخوان بحزب التحرير، لا تقارن ولا تكاد تبين بانشغال الحزب بالإخوان وبأي حركة إسلامية أخرى؛ فما دمنا نتحدث عن إخوان فلسطين أي حركة حماس فإن حالة الاستقطاب الشديدة والخصومة السياسية المتوهجة مع حركة فتح تطغى تماما على انشغالها بأي حركة أو فصيل أو حزب آخر مهما كانت خلفيته الأيديولوجية، وهذه حقيقة يدركها أي فلسطيني...فما ينسب إلى (صادق أمين) وغيره محله كتب التاريخ والأرشيف وليس الواقع منذ سنين طويلة.
بيد أن الحزب كما ذكرت سابقا لا يتورع عن مهاجمة كل الحركات الإسلامية والوطنية والتشكيك بها؛ ويركز جهده في جذب واستقطاب من استطاع من الحركات الإسلامية.
(2)
يسأل المواطن الفلسطيني العادي كما المؤطر:أين هي عمليات ونشطات وفعاليات حزب التحرير ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ولا يقتنع بما يقوله الحزب حول دور الجيوش وانتظار فتحها المبين، والتعلق بأمل الخلاص من الاحتلال بعددها وعتادها، ذلك أن الفكرة المتغلغلة في أعماق عموم الشعب الفلسطيني هي أنه إذا كنا لا نستطيع تحرير الأرض، فأقله يجب ألا يترك الاحتلال مرتاحا وسالما، والنكاية به أمر واجب، حتى يأتي أمر الله، ناهيك عن قناعة راسخة هي أنه لولا مقاومة وصمود الفلسطينيين في الأرض المحتلة لوصل المشروع الصهيوني إلى مراحل أخرى متقدمة عما وصل إليه الآن، أو لكان قد وصل إلى ما وصل إليه حاليا قبل زمن طويل...فالمقاومة وإن كانت لا تكفي-حسب صلب فكرة تنظيرات الحزب- لتحرير الأرض فإنها تعيق تقدم وترسخ المشروع الصهيوني.
وقد تحدثت سابقا عن كون العمل المباشر، وخاصة العسكري منه ضد الاحتلال، عاملا مهما وحاسما في حيازة تأييد أوسع في صفوف الجمهور(أنظر مقال:هل العمل العسكري مفتاح القبول/نشر في كانون أول/ديسمبر 2018م).
والناس يريدون من يتفاعل مع تجليات ومظاهر صراعهم اليومي مع الاحتلال وما ينجم عنه من قتل وهدم بيوت وزج آلاف متجددة في السجون؛ والحزب لا يقدم شيئا في هذا الشأن سوى القول المنمق:أن الحل بتحرك جيوش الأمة، أو انتظار دولة الخلافة التي سيقيمها بعد تنفيذ انقلاب عسكري، ثم يقوم الخليفة المنتظر بحشد الجيوش لتحرير فلسطين!
وليس للحزب أي مساهمة ولو سلمية في تخفيف أو مواساة الشعب المحتلة أرضه، فلا جمعيات ولا مؤسسات ولا حتى إعلام متفرغ لقضية فلسطين.
(3)
كما أن أسلوب الحزب المتبع في التقسيم السياسي بعيد عن المنطق، ومجاف للحقيقة؛ فالحزب يقسم ويفسر كل شيء منذ عشرات السنين على أنه صراع أو تنافس أو تقسيم أدوار وصفقات بين أمريكا وبريطانيا، وما شهدته وتشهده المنطقة من حروب وصراعات وخلافات وانقلابات لا يخرج عن دائرة هذا الصراع القابع في عمق طريقة تفكير الحزب.
فسامي الحناوي وهواري بومدين وصدام حسين عملاء للإنجليز والخميني ونجم الدين أربكان وحسن الترابي عملاء لأمريكا، وأذكر هؤلاء لأنهم من الموتى، ولا أريد التطرق إلى تحليلات الحزب الأخرى عن الأحياء والتي تجدها في أدبيات وتنظيرات الحزب ونقاشات عناصره وكوادره.
وقد تصدُق تحليلات وتفسيرات الحزب حدّ الطباق التام في بعض الحالات؛ ولكن هذا لا يعني البتة صحة منهج الحزب ودقته في تحليل الصراعات وما جرى ويجري في المنطقة والعالم؛ لأنه كما يقال فإن الساعة المعطلة المعلقة على الجدار تكون عقاربها تشير إلى الوقت الصحيح مرة ليلا ومرة نهارا...وبالطبع فإن هذه القراءة الخاصة بالحزب للأحداث تؤثر على رؤيته لحقيقة الصراع وكيفية إدارته، بما يجعل الحزب في واد وأغلب الشعب الفلسطيني في واد آخر!
(4)
وعليه فإن حزب التحرير في وضعه الحالي لا يمكنه منافسة القطبين أو نظيره الإسلامي منهما؛ فهو لا يعطي قضية فلسطين أولوية، ولا يقدم من أجلها سوى تنظيرا جامدا وخطابا انتظاريا عاطفيا مزايدا على أي عامل في حقل القضية مهما كان فكره السياسي، بل حتى أنه(الحزب) لا يكلف نفسه عناء إنشاء جمعية خيرية تخفف العبء عن بعض أهلها.
ويقوم جوهر خطابه على تخوين كل الهياكل والبنى الموجودة أو التشكيك بها أو رمي أساليبها بتضييع الوقت والجهد، وفي ذات الوقت يرسم أسطورة عن الجيوش العربية والإسلامية بكونها تملك عصا سحرية، وعلى الناس انتظار تحقق نبوءاته المتعلقة بهذه الأسطورة!
في المقال القادم بمشيئة الله تعالى سأتحدث عن حركة إسلامية أخرى، لم تستطع منافسة القطبين.
بقلم/ سري سمّور