عقب اجتماع للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (24/9)، أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تأييدها للموقف الأميركي في ما أسمته «مسؤولية إيران حيال التوترات في منطقة الخليج العربي».
وأصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً أيدت فيه الموقف الأميركي وألقت باللوم على إيران في الهجوم على منشأتي النفط السعوديتين في بقيق وخريص، وطالبت طهران بالموافقة على محادثات جديدة مع القوى العالمية بشأن برامجها النووية والصاروخية وقضايا الأمن الإقليمي.
ووجه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الشكر للبلدان الأوروبية على بيانها. علماً أنّ واشنطن، ومنذ إعلانها الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، لطالما حضّت الدول الأوروبية على «اتخاذ موقف حاسم من الاتفاق النووي الإيراني، والعمل بالاشتراك معها على تشديد الضغوط على طهران».
وبدورها، فإنّ الرياض التي حمّلت طهران مسؤولية الهجوم على منشآتها النفطية، ورأت أنّ ذلك «يشكل اعتداءً غير مسبوق على الاقتصاد العالمي، وليس عليها فحسب»، سعت جاهدة إلى تدويل القضية، ودعت العواصم الكبرى إلى «اتخاذ موقف حازم من إيران»، معتبرةً أنها «باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين»!.
فهل يشكل الموقف الأوروبي الجديد اصطفافاً فعلياً وعملياً خلف الموقف الأميركي؟، أم أنه مجرد محاولة من تلك الدول إلى امتصاص حدة التصعيد الحاصل، والسعي إلى ردّ مشترك عبر المنظمة الدولية يمنع الانزلاق إلى ردود فعل عسكرية انتقامية.
يذكر هنا أن الموقف الأوروبي ترافق مع دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «كلّ دول العالم إلى تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني»، مشيراً إلى أنّ «العقوبات لن ترفع طالما واصلت إيران سلوكها الذي ينطوي على تهديد». ويُذكر هنا أيضاً أنّ البنك المركزي الإيراني ومعظم المؤسّسات الماليّة الإيرانيّة تخضع لعقوبات أميركيّة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بعد انسحاب واشنطن من الاتّفاق النووي مع إيران.
العواصم الأوروبية على خطى لندن!
وكانت لندن، المُلحقة غالباً بالموقف الأميركي، سبقت العواصم الأوروبية الأخرى إلى الالتحاق بالموقف الأميركي، وبدا موقفها حينئذٍ متبايناً مع الموقف الفرنسي (ومعه أغلب الدول الأوروبية)، الذي بدا للوهلة الأولى يؤثر التأنّي في الحسابات والتأمل في اختلاف المصالح، وبالتالي التريث والحذر في تحديد المسؤولية عن الهجمات ضد آرامكو، مع الدعوة إلى حلّ القضية عبر الحوار.
وقال الرئيس ماكرون: «من الضروري توخي الحذر الشديد في توجيه الاتهام». كما أظهر اهتماما بتحقيق إنجاز دبلوماسي يتمثل في إيجاد حلّ وسط بين واشنطن وطهران، من خلال جمع الرئيسين؛ الإيراني حسن روحاني والأميركي دونالد ترامب.
ففي قمة «G 7» في بياريتس نهاية آب/ أغسطس الماضي، توصّل ماكرون إلى اتّفاق مبدئي مع ترامب وروحاني على عقد لقاء بينهما، لكنّ الهجمات الأخيرة على السعوديّة، وتنفيذ طهران مجموعة من التدابير التي تخرق الاتّفاق النووي الموقّع معها، أدّت بمجملها إلى استبعاد عقد هذا اللقاء، حيث كان يُؤمل أن يتمّ على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة المنعقدة أيضاً.
وكان ماكرون وصف ترامب بأنه «صانع قرارات منفرد وانفعالي»، وذلك بعد أن شدّد العقوبات المفروضة على إيران (20/9)، لتُصبح «العقوبات الأقسى على الإطلاق التي تُفرَض ضد دولة»، في وقت أعلن البنتاغون إرسال تعزيزات عسكريّة أميركيّة إلى الخليج بعد الهجمات التي أنحت فيها واشنطن باللائمة على إيران.
وذهب دبلوماسي أوروبي حدّ القول إنّ «سياسة الضغوط القصوى التي تتبعها واشنطن مع طهران تهدف إلى تغيير سلوكها، لكنّ العكس تماماً هو ما يحدث، فإيران لن تجثو وتتوسل للولايات المتحدة لإبرام اتفاق أفضل. وبالتالي فإن الخيار الأنسب هو التحلي بالواقعية والعودة لنهج منطقي». وذلك بعد أن أغلق انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات شديدة على طهران، الباب أمام العديد من الدول الأوروبية التي كانت تطمح لإعادة نسج علاقات اقتصادية وتجارية مع إيران، وعودة الاستثمار في السوق الإيرانية وما توفره من فرص، وخصوصاً في مجال الطاقة.
تخفيف حدة التصعيد!
الموقف الأميركي نفسه بدا وكأنه قد خضع لشيء من «الفرملة»، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (22/9)، أنّ الولايات المتحدة تسعى لتجنب الحرب مع إيران، مشيراً إلى أن القوات الأميركية الإضافية التي تقرر إرسالها لمنطقة الخليج هي «للردع والدفاع».
وكان ترامب نفسه هدّد في بادئ الأمر بالرد على الهجوم، ثم قال بعد ذلك إن هناك خيارات أخرى غير الحرب. وأوضح وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أنّ القوات الأميركية المحدودة التي وافق الرئيس ترامب على إرسالها إلى منطقة الخليج، استجابة لطلب المملكة، «ستكون ذات طبيعية دفاعية وتركّز بشكل أساسي على الدفاع الجوي والصاروخي». كما أعلن البنتاغون أنه يدرس خططاً للتعجيل بتسليم معدات دفاعية لكل من السعودية ودولة الإمارات لتعزيز دفاعاتها بعد الهجمات، إضافة إلى فرضية الإبقاء على حاملة طائرات واحدة على الأقل في المنطقة إلى أجل غير مسمّى. وشكّل هذا الإعلان، في نظر كثير من المراقبين، «إغلاقاً للباب أمام أي قرار وشيك بشأن شنّ هجمات انتقامية ضد إيران».
ويرى مسؤولون أميركيون أن إدارة ترامب «تفضّل حلاً سياسيا مع طهران، على أساس أن التجارب السابقة أظهرت أن الدخول في حرب أسهل بكثير من الخروج منها». ويقول محللون إن نهج ترامب، يعتمد على «ممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية على خصوم أميركا لإجبارهم على تقديم التنازلات».
وكان ترامب جَمَع (20/9)، فريقه للأمن القومي مع وزير خارجيّته مايك بومبيو ووزير دفاعه للبحث في مختلف الخيارات، بما فيها الخيار العسكري، للردّ على هجمات آرامكو. وأكّد ترامب بعد هذا الاجتماع أنّ «ضرب 15 موقعاً كبيراً في إيران (...) لا يحتاج أكثر من دقيقة (...) وسيُشكّل يوماً بالغ السوء لإيران»، قبل أن يضيف قوله «لكن ليس هذا ما أفضّله». واعتبر أنّ «إبراز قوة الولايات المتحدة يتمّ من خلال التحلّي بشيء من ضبط النفس»، مؤكّداً أنّه «غيّرَ مواقف كثيرين» في هذا الشأن!.
الردّ الإيراني
الحكومة الإيرانية رأت أنّ البيان الذي أصدرته بريطانيا وفرنسا وألمانيا، «كشف أن تلك الدول تفتقر لإرادة مواجهة التنمّر الأميركي»، حسبما نقل عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني (24/9)، إنه مستعد لمناقشة إدخال تغييرات أو إضافات أو تعديلات محدودة على الاتفاق الذي أبرمته طهران مع الدول الست الكبرى عام 2015 «إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن طهران». بينما كان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استبعد إمكانية التفاوض على اتفاق جديد مع القوى العالمية، وقال إن «الشركاء الأوربيين فشلوا في الوفاء بالتزاماتهم المنصوص عليها بموجب الاتفاق النووي».
وعقب وصوله إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس روحاني «إن الوضع في الخليج حسّاس للغاية»، مجدّداً التأكيد على أن بلاده «تريد سلاماً شاملاً في المنطقة»، وأشار إلى أنها ستقدم مشروعاً إلى الأمم المتحدة لضمان الأمن في منطقة الخليج.
وقبل ذلك، أشار روحاني إلى أن مشروعه «يهدف إلى تأمين تعاون دول المنطقة وقدراتها لحفظ الأمن، على أن يكون الحل من داخل المنطقة وليس من خارجها»، داعياً جميع دول الخليج والدول المطلّة على مضيق هرمز إلى الانضمام إلى المبادرة. وحدّد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الدول التي يمكن أن تنضمّ إلى هذا المشروع، وهي: «إيران والعراق والسعودية والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت وربما اليمن».
وفيما يخص الهجوم على شركة أرامكو أكد روحاني أن هذه العملية «كانت رداً يمنياً على الاعتداءات التي طالت الشعب اليمني»، معتبراً أن الولايات المتحدة الأميركية تريد السيطرة على المنطقة وعلى النفط السعودي. وأضاف أنّ واشنطن تسعى كذلك إلى «دفع دول الخليج لتوقيع عقود صفقات عسكرية أميركية».
وبصرف النظر عن التوقعات والتطورات التي يمكن أن تحدث، من الواضح أن الغائب الأكبر عمّا يجري في المنطقة هم العرب كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، على رغم أنّ ما يحصل يستهدف في المقام الأول أراضيهم وثرواتهم وأمنهم الاستراتيجي ودولهم الأساسية، وما تبقّى من نظامهم الإقليمي في خضم إعادة تشكيل النظام الدولي، وما يدور على خلفيته من صراعات دولية وإقليمية محتدمة في العديد من دولهم؟!.
بقلم/ فؤاد محجوب