أفضت الاحتجاجات الأخيرة في مصر، إلى خروج أحزاب معارضة مختلفة عن صمتها لتتفاعل مع الأحداث، وذلك في محاولة منها للاستفادة من تبعات الصدمة التي أحدثتها تظاهرات محدودة، لكنها نادرة، يومي 20 و 21/9، كان دعا إليها مقاول وفنان نصف مشهور، احتجاجاً على سياسات الحكومة، ورفعت خلالها لافتات طالبت الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتنحي.
وفي هذا السياق، وجّهت «الحركة المدنية الديمقراطية» (تضم أحزاباً يسارية وليبرالية) المعارضة (23/9)، دعوة إلى حوار وطني شامل لبحث الأزمة السياسية في البلاد، وإفراج السلطات الأمنية عن الموقوفين وإطلاق الحريات. ودعت القوى الديمقراطية والسلطات وكل الشعب، للبحث في جوانب الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبلورة بدائل تفتح طريق تغيير ديمقراطي سلمي. وتضم هذه الحركة الأحزاب التالية: المصري الديمقراطي الاجتماعي، وتيار الكرامة، والدستور، والتحالف الشعبي الديمقراطي، والإصلاح والتنمية.
وحاولت قياداتها تحريك الشارع في فترة سابقة، لكن السلطات الأمنية قطعت الطريق عليها قبل أن تتضح معالم دورها، وألقت القبض على عدد من شبابها ضمن قضية معروفة باسم «خلية الأمل»، بتهمة أنها على علاقة بجماعة الإخوان، وقالت إن الأخيرة تتكفل بتمويلها ماديا من الخارج.
وانتبهت قوى معارضة، ومنها «الحركة المدنية»، إلى خطورة ربطها بالإخوان، وهي التهمة التي لا تزال تلاحق الكثير من قياداتها التي تعاملت ببراءة مع الجماعة قبل اندلاع ثورة 30 حزيران/ يونيو 2013، حيث خُدعت شخصيات يسارية معروفة بخطاب الإخوان، ووفرت له غطاءً شعبياً.
ولا تريد أحزاب الحركة المدنية الوقوع في الفخ مرة ثانية، وحرصت على الاحتفاظ لنفسها بمسافة بعيدة عن الحملات التي تشنها قنوات فضائية في كل من قطر وتركيا تابعة للإخوان وتخدم أهداف الجماعة في الحض على تظاهرات تؤدي إلى هدم مؤسسات الدولة.
تلويح بتجميد النشاط السياسي!
وقبل هذه الدعوة، كان حزب «تيار الكرامة»، الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق اليساري الناصري حمدين صباحي، لوّح بتجميد نشاطه السياسي، احتجاجاً على ما وصفه بالتضييق الحكومي على الحياة السياسية، وعدم القدرة على التفاعل مع متطلبات الفضاء العام.
وأوضح الحزب في بيان أنه منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة في صيف 2014، والمصريون يعانون ومعهم كافة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والمستقلة والاتحادات الطلابية والمؤسسات الصحفية وكل صوتٍ مختلف، من تضييقٍ غير مسبوق على الحريّات العامة والخاصة، الذي امتدّ إلى غلق صحف وحجب مواقع إلكترونية وحبس صحفيين ومعارضين سياسيين، مع شهادات عن تعذيب وإهمال طبي داخل السجون، وسط مناخٍ مشحونٍ بالاستقطاب والقمع والكراهية.
وأما موجة من الاستنكار والتساؤلات، عاد الحزب ونفى في بيان لاحق أن يكون الغرض من إعلانه «تجميد نشاطه الحزبي»، إنمّا هو «تعبير عن رؤية الحزب للمسار الذي قد تقودنا إليه السلطة الحالية بممارساتها القمعية والتضييق على الأحزاب ومحاصرتها والقبض على أعضائها بتهم مُلفّقة». وأضاف أنّ «تيار الكرامة» لن يقبل أن «يتحوّل إلى قطعة ديكور لتزيين مشهد عبثي وتجميل وجه نظام يفقر الناس ويقمعهم ويؤمم المجال العام». موضحاً أن «المشهد الحالي لا يسمح بإدارة الدولة في إطار من التعددية يحافظ على وحدة المصريين بتنوعهم، ولا يسمح للمجتمع بقواه الحية أن تتفاعل معا في إطار قانوني ودستوري، بل إنه يهيئ البيئة الحاضنة لإعادة إنتاج الإرهاب والفوضى». قبل أن يخلص إلى وعد المصريين باستكمال الطريق معهم نحو «العيش والحرية والكرامة والاستقلال الوطني».
مطالب المعارضة المدنية
ووضعت الحركة المدنية مجموعة من المطالب، قالت أنه من الممكن تطويرها بالحوار، وأبرزها الإفراج الفوري عن سجناء الرأي المحبوسين احتياطياً، ومن تم اعتقالهم لمشاركتهم في المظاهرات السلمية، وإصدار تشريع بالعفو الشامل عن سجناء الرأي، ورفع كل أشكال حصار الأحزاب، وحرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان ومواد الدستور الخاصة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإضراب والاعتصام والتظاهر السلمي.
وقال محمد سامي، رئيس حزب «تيار الكرامة»، إن بيان الحركة المدنية، «ليس موجها للسلطة فقط كي تتبناه كاملاً أو تتبنى أجزاء منه، لكنه موجّه للرأي العام بجميع انتماءاته». ولفت إلى أن توقيت تقديم المطالب جاء في إطار حراك تناوله الإعلام التقليدي من منطلق وجود سيناريو بين الدولة وأطراف مدفوعة من الإخوان ومَن على شاكلتها من جماعات الإسلام السياسي، في تأويل غير دقيق، لأن التظاهرات التي شهدتها محافظات مصرية تؤكد أن الأطراف المشاركة فيها «ليس لها علاقة بالإخوان ولا المدعو محمد علي، ومرتبطة بالرغبة في التعبير عن الغضب من حجم التضييق الهائل الذي تتعرض له».
وأكد سامي أن القوى الحزبية ترحب بأي مؤشرات تدل على رغبة النظام المصري في توسيع دائرة الحوار مع كافة الانتماءات والتيارات المدنية، وظهور بعض الأسماء المحسوبة على المعارضة (الكاتب عبدالحليم قنديل) على فضائيات محلية مؤخراً «يمثل انفراجة حيال التضييق الإعلامي».
من يتحمل المسؤولية؟
وجاء ذلك في وقت تأثر فيه قطاع كبير من السياسيين والمواطنين بما يجري حولهم، وشغفوا ببعض التجارب الناجحة في التحول الديمقراطي الناعم، وتمنوا أن تُقدم الحكومة على خطوات كبيرة للإصلاح السياسي تعيد العافية للأحزاب والنشطاء. ومال بعض هؤلاء إلى تحمّيل الأحزاب المصرية مسؤولية جزء من الانسداد الحاصل في المشهد السياسي، حيث استكانت تلك الأحزاب للخمول والكسل، ما جعل الحكومة تتمادى في تهميشها، بينما يعلو صوت جماعة الإخوان، حتى تمكن مقاول مغمور يبث فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيها الحكم ومشاريع الرئيس السيسي، من التحول إلى معارض سياسي.
وأشار مراقبون إلى أن تأثير الأحزاب المصرية اليسارية والليبرالية ضعيف، وبالتالي فإنّ قدرتها على تحريك الشارع محدودة، وبعضها أحزاب «شكلية وعائلية». ورأى البعض أنه كيما يصبح لهذه الأحزاب تأثير فيجب أن تندمج وفقا للميول السياسية في أربعة أو خمسة اتجاهات وتيارات، تضمن لها قاعدة شعبية أكبر وقدرة على الضغط لتنفيذ مطالبها!.
بقلم/ فيصل علوش