خميس السنداوي "أبو محمد". لم يكن بالنسبة لي مجرد خال وأخ لوالدتي فحسب، أو الأخ الكبير فقط. وانما كان رفيقاً في النضال وزميلا للأسر وصديقا في الحياة. عملت معه وسافرت برفقته واقتربت منه كثيرا فعرفته جيدا وأحببته جداً. كان واحداً ممن انتموا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ ريعان شبابه، وناضل في صفوفها وأعطاها بإخلاص ودون حدود، وقدم الكثير لأجلها ولأجل رفاقها، وقاوم الاحتلال من خلالها، فاعتقل مراراً، وأمضى في سجون الاحتلال فترات عديدة، فتعلم في مدارسها في السجون، واكتسب الكثير من علمها واستفاد من خبرات رفاقها، وتدرج في صفوفها، فأحبها بعمق وأحب مقاومتها بشدة، وعشق السابع عشر من أكتوبر بجنون وكان من أشد المعجبين به وكثير الترديد للأهازيج الشعبية والأغاني الوطنية التي تتحدث عن هذا اليوم، حتى أنه رحل في ذات التاريخ 17 أكتوبر من عام 2014 .
ولد "ابو محمد" في مدينة غزة عام 1962، وينحدر من عائلة هاجرت من مدينة يافا عقب النكبة عام 1948 واستقر بها الحال في حي عسقولة شرق مدينة غزة، وكبر وترعرع بين شوارع وأزقة الحي، ودرس المرحلتين الابتدائية والاعدادية في مدارس وكالة الغوث للاجئين، وبعد وفاة والده منتصف سبعينيات القرن الماضي ترك مقاعد الدراسة وانتقل الى سوق العمل، فاشتغل في الحدادة والبناء الى أن استقر به الحال ليعمل تاجرا في الملابس القديمة (البالة). وهي مهنة الآباء وتوارثها الأبناء. وتزوج منتصف ثمانينات القرن الماضي من سيدة فاضلة من العائلة وأنجب منها سبعة أبناء وثلاث بنات.
اتسم "ابو محمد" بالبساطة والتواضع، وتميز بعلاقات اجتماعية واسعة مع أفراد أسرته وعائلته. فكان لهم الأخ الكبير والحضن الدافئ. وكان لجيرانه، الأخ والرفيق، الحبيب والصديق والجار الوفي. وكان لرفاقه نبعا للعطاء الذي لا ينضب. كما وكان حنونا وكريما ولم يبخل على الآخرين بشيء.
ومع اندلاع انتفاضة الحجارة في التاسع من كانون أول/ديسمبر 1987، لم يتردد "أبو محمد" في الانخراط فيها والمشاركة في فعالياتها والوقوف بجانب نشطائها، فعمل بإخلاص وأعطى بصدق، وقدم الكثير في دعم واسناد رفاقه، ووقف بجانب أهله وجيرانه واصدقائه، فاعتقلته سلطات الاحتلال أوائل شباط/فبراير عام 1988، واقتادته الى قسم التحقيق في معتقل أنصار2 غرب مدينة غزة، وتعرض هناك لأشكال مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وبالرغم من انكاره للتهم المنسوبة اليه وعدم ادلائه بأي اعترافات، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت الافراج عنه بعد انتهاء فترة التوقيف، وحولته الى الاعتقال الإداري، ومن ثم نقلته الى معتقل النقب الصحراوي.
وبعد خروجه من السجن، لم يهدأ أو يستكين، وعاد ومارس حقه وواجبه في النضال ومقاومة المحتل، فاعتقل ثانية عام 1991 واعتقل للمرة الثالثة عام 1992. وبعد كل اعتقال كان يخرج أكثر قوة واصرارا على الاستمرار في العطاء ومقاومة الاحتلال، ليتميز بالحضور الدائم في كل الساحات، والعطاء الذي لا ينضب حتى لحظة رحيله.
خميس شاكر سليم السنداوي "أبا محمد". انسان حنون ومناضل معطاء وأسير محرر، رحل اثر مرض عضال، عانى منه كثيرا، وذلك عن عمر يناهز (52عاما)، بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال. كان ذلك في السابع عشر من أكتوبر عام 2014، وهو اليوم الذي أحبه في حياته، وعشقه حتى مماته. يوم الثأر المحتوم الذي تغنى به أبو محمد ورفاقه، يوم ان تمكنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في السابع عشر من أكتوبر عام 2001 من الثأر لاغتيال أمينها العام "ابو علي مصطفى"، والذي اغتالته قوات الاحتلال في السابع والعشرين من أغسطس عام 2001 من خلال قصف مكتبه في رام الله بصواريخ الأباتشي الإسرائيلية. وذلك حينما نجحت مجموعة فدائية من رفاق الشعبية بالتسلل بطريقتها الخاصة الى داخل فندق "حياة ريجنسي" في القدس الذي يخضع لحراسات وإجراءات أمنية مشددة، وتمكن أحد أعضائها من اطلاق رصاصاتهم القاتلة من مسدس مزود بكاتم الصوت باتجاه وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف "رحبعام زئيفي"، فأردوه قتيلا.
عملية غير مسبوقة زلزلت أركان الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته المختلفة وأجهزته الأمنية كافة، لتسجل بحروف من نور ونار في سجل المقاومة الفلسطينية وليبقى السابع عشر من أكتوبر تاريخاً تتوارثه الأجيال وتردده الألسن بفخر وعزة.
رحل "الخال" وبقيت ذكراه العطرة وسيرته الطيبة
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
17-10-2019