اصدر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الورقة السياساتية السادسة لشهر تشرين أول 2019 للباحث وليد لدادوة تحت عنوان "دور الرأي العام في صناعة السياسات الفلسطينية"
تعتبر استطلاعات الرأي العام المهنية واحدة من الأدوات الأكثر ضبطاً في قياس ومعرفة آراء الناس في المسائل المختلفة، حيث تعتمد منهجية علمية مجربة عند إجرائها، من صياغة الأسئلة واختيار العينات وغيرها. كما يمكن فحص هذه المنهجية والحكم عليها بشكل علمي. إزدادت أهمية استطلاعات الرأي مع انتشار الأنظمة الديمقراطية التي تعطي قيمة كبيرة لآراء الناس ومواقفهم في مختلف المجالات، بما في ذلك اختيار ممثليهم، وبالتالي تقدمت استطلاعات الرأي في الدول الديمقراطية وتعززت مكانتها بشكل كبير في حين يلاحظ ضعفها في البلدان الأقل ديمقراطية، وشبه انعدامها تقريباً في البلاد ذات الأنظمة الديكتاتورية.
تُمكن استطلاعات الرأي العام صانعي القرار من معرفة توجه الجمهور وحاجاته ومواقفه تجاه قضايا هامة، وبالتالي تمكنهم من وضع السياسات الأكثر فعالية واتخاذ القرارات بشكل منسجم مع متطلبات هذا الجمهور. كما تمكنهم من تلبية الاحتياجات الأكثر الحاحاً وتجنب الصدام مع الشارع مما يعزز من حالة الانسجام بين النظام والناس ويحقق الاستقرار العام للنظام.
تزداد أهمية استطلاعات الرأي في الوضع الفلسطيني في ظل تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والتغيرات المستمرة على هذه الأوضاع والحاجة الى اتخاذ قرارات واعية تجنب التصادم مع الناس في ظل التباينات المختلفة في المواقف بين اتجاهات سياسية عديدة في قضايا مصيرية ومهمة. وعلى الرغم من ذلك، إلا انه يبدو واضحا لكل مراقب أن صانعي القرار في السلطة لا يأخذون نتائج هذه الاستطلاعات على محمل الجد، بل قد لا ينظرون إليها أصلاً. قد يؤدي هذا لخلق الانطباع لدى الناس بان صانعي القرار لا يهتمون بآراء الناس وتوجهاتهم، وقد يعزز هذا بدوره إمكانية حدوث الصدام بين الشارع والسلطة.
تلقي هذه الورقة الضوء على مدى جدية واهتمام صانعي القرار في السلطة باستطلاعات الرأي العام وآراء الناس والأسباب التي قد تدفعها لذلك.
هل تقيم السلطة وزناً لآراء الناس؟
للإجابة على هذا السؤال سنستعرض كيفية تعامل صانعي قرار السلطة بموضوعين هامين خلال الفترة الأخيرة. يوضح هذان المثالان الحديثان مدى ضعف متابعة السلطة للرأي العام الفلسطيني حتى عندما يتعلق الأمر بسياسات وقرارات شديدة الأهمية. الأول، هو قضية الضمان الاجتماعي، والثاني هو التنسيق الأمني مع الأمن الإسرائيلي.
أصدرت السلطة الفلسطينية قانوناً للضمان الاجتماعي في نهاية عام 2018 بغرض تطبيقه على العاملين في المؤسسات غير الحكومية. واجه هذا القانون انتقادات كبيرة من الشارع الفلسطيني تحولت إلى حراك شعبي كبير ضد القانون وضد تطبيقه، وقد توسع الحراك شيئاً فشيئاً حتى شمل كافة المدن الفلسطينية. أشارت استطلاعات الرأي العام الى ان الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني يرفضون قانون الضمان الاجتماعي. بدا ذلك واضحا في نتائج استطلاع للرأي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في منتصف ديسمبر 2018[1] حيث أظهر أن 65% من سكان الضفة الغربية يعارضون تطبيق هذا القانون، وأن المعارضة له ترتفع لتصل الى 84% بين من سينطبق عليهم القانون. تم نشر هذه النتائج في الاعلام وفي الصحف المحلية في حين بدا واضحاً أن صانعي القرار في السلطة لم يلتفتوا لتلك النتائج، بل أظهرت تصريحات قيادات في السلطة انهم مغيبون عن الشارع تماماً. فقد صرح وزير الحكم المحلي في السلطة الفلسطينية بتاريخ 19-1-2019[2] أن: "من يقود الحراك ضد الضمان الاجتماعي يسكن في كريات أربع، والخليل تنساق خلفه". أثار هذا التصريح ضجة كبيرة لدى الشارع وتعزز الشعور بأن هناك انفصال بين صانعي القرار وحاجات الناس ومتطلباتها. يقول أحد المعلقين على الفيس بوك عن تصريحات الوزير: "هو سياق كامل من الاستعلاء على المواطن ببساطة، لأن المواطنين خارج حسابات المسؤولين."
في مقابلة للكاتب مع وكيل وزارة العمل السيد سامر سلامة[3] قال أنه أثناء مشكلة الضمان الاجتماعي لم يطلع هو شخصياً على استطلاع موثوق حول آراء الناس في موضوع الضمان مع أنه يرى أنه كان بحاجة الى ذلك بصفته واحداً من صانعي القرار، ويقول انه لا يوجد جهة مختصة في الوزارة او السلطة لتزويدنا وتزويد صانعي القرار بمثل هذه النتائج، وأنه لم يطلع على استطلاع المركز الفلسطيني المشار اليه اعلاه.
يتعلق المثال الثاني بالتنسيق الأمني. ليس الهدف هو الحديث عن سياسة التنسيق الأمني بحد ذاتها ولكن الهدف هو كيف يتعامل صانعوا القرار مع نتائج الاستطلاعات وتوجهات الناس حول قضايا حساسة كهذه. يعد التنسيق الأمني مع الاحتلال من الأمور الحساسة التي تواجه رفضاً كبيراً من أغلبية الفلسطينيين والتي قد تلعب دوراً هاما في زعزعة الثقة بين الجمهور الفلسطيني والسلطة الفلسطينية. ولكن على الرغم من ذلك لا يبدو ان صانعي القرار في السلطة ينظرون الى هذا الامر على محمل الجد وهو بأمر ليس بخافٍ على الجمهور. فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي العام[4] أشارت بشكل متكرر الى أن الغالبية العظمى تطالب بوقف هذا التنسيق، إلا أنها تشير أيضاً إلى أن الغالبية العظمى ترى أن السلطة لن تقوم بوقف هذا التنسيق. وهذا يدل بشكل واضح على أن الناس لا يتوقعون من السلطة أن تأخذ رأيهم على محمل الجد. مع ذلك لم يصدر عن السلطة أي توضيح مقنع للناس حول التنسيق الأمني وشكله وصعوبات التخلي عنه. وهذا يبقي التساؤل مفتوحاً لماذا لا تنظر السلطة لنتائج الاستطلاعات بجدية؟ أي لماذا لا تعطي اعتباراً لآراء الناس.
يقول الدكتور عمار دويك مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في مقالة حول التنسيق الأمني[5] "لا شك أن موضوع التنسيق الأمني من أكثر المواضيع حساسية ومثاراً للجدل في السياسة الفلسطينية. ورغم كثرة الحديث عن الموضوع، إلا أن تفاصيل التنسيق الأمني، من حيث مدى سيطرة المستوى السياسي عليه ومتابعته لتفاصيله، وكيف يتم، وعلى أي مستوى، وما هي طبيعة المعلومات التي يتم تمريرها وبأي وسيلة اتصال، تبقى قيد الكتمان ولا نعرف الكثير عنها.كما لم يجري أي حوار هادئ وموضوعي على المستوى الوطني بشأن التنسيق الأمني، وإنما للأسف نجد أن لغة التخوين والمزايدات السياسية هي التي تحكم منطق النقاش في هذا الموضوع في أغلب الحالات". وهذا يوضح أن هناك استياء عام لدى الشارع من الكيفية التي تتعاطى بها السلطة من تجاهل آراء الشارع في مواضيع حساسة قد تثير نقمة الناس عليها.
من جهة أخرى يبدو واضحاً أن مراكز استطلاعات الرأي لديها انطباع سلبي عن مدى اهتمام صانع القرار بنتائج الاستطلاعات التي تصدرها. يرى د. نادر سعيد مدير مركز أوراد[6]، وهو مركز لاستطلاعات الرأي في الضفة الغربية، أن النظام السياسي الحالي يشهد تراجعاً كبيراً في الاهتمام باستطلاعات الرأي وبالرأي العام إجمالاً، ويرى أن ذلك يعود الى أن النظام السياسي القائم حاليا هو أكثر مركزية وفردانية، وهناك شعور عام لديه أنه لا يوجد فائدة من الحوار بين المجتمع المدني ومراكز البحث ومؤسسات السلطة. ويضيف أنه لا توجد آلية ممنهجة للتعامل مع الرأي العام ودراسته، ولا يوجد صانع قرار فلسطيني يجلس وينظر الى الاستطلاعات بشكل دوري ومنظم وممنهج بحيث يمكن من خلال ذلك بلورة سياسات وقائية أو علاجية. ويقول أن هذا كان واضحاً من خلال تجربتنا في استطلاعات كثيرة، ويعتقد أن هناك نوعاً من عدم الوعي لأهمية هذه الاستطلاعات، ونوعاً من عدم القناعة بنتائج هذه الاستطلاعات لأن بعض صانعي القرار يعتقدون أنهم يعرفون عن المجتمع أكثر من الاستطلاعات.
يقول سامر سلامة أنه على الرغم من أنه شخصياً يهتم باستطلاعات الرأي العام ويرى أنها مهمة وأنه يجب أن تكون هناك استطلاعات حول قضايا عامة لمعرفة آراء الناس فيها بشكل مستمر ودائم، إلا أنه يرى أن بعض صناع القرار ينظر إليها باستخفاف ويرون أن ذلك كله حبر على ورق. ويقول ان ثقة المسؤولين باستطلاعات الرأي ضعيفة أو أنهم لا يدركون أهميتها. كما بين أنه لا يوجد في وزارة العمل جهة تتابع استطلاعات الرأي بشكل منظم، وأنه إن وجد هناك اهتمام بالاستطلاعات فإن ذلك يكون اهتماماً شخصياً.[7]
لماذا لا تأخذ السلطة بنتائج استطلاعات الرأي؟
يعود عدم اخذ السلطة بنتائج استطلاعات الرأي لواحد أو اكثر من ثلاثة عوامل:
الأول، عدم الثقة بنتائج استطلاعات الرأي العام: قد يكون هذا هو أحد العوامل التي تدفع صانعو القرار لعدم الأخذ بنتائج استطلاعات الرأي، إذ يرى سامر سلامة أن نتائج الاستطلاعات قبيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون ثاني 2006 (والتي ثبت خطأ تنبؤاتها، حيث كانت الاستطلاعات تشير الا أن حركة فتح ستفوز في اغلب المقاعد، ولكن النتائج أظهرت فوز كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة حماس بأغلب المقاعد) قد تكون تركت انطباعات سلبية عن مصداقية هذه الاستطلاعات، وأعطت انطباعاً لدى الكثير من صانعي القرار بأن ما يصدر عن هذه المراكز غير دقيق. يقول سلامة أنه في نقاشات مع بعض صانعي القرار وعند الحديث عن نتائج بعض الاستطلاعات تكون ردة فعلهم سلبية وينظرون اليها بعدم ثقة.
ولكن إن كان هذا هو السبب فهو غير مبرر. فالتشكيك يجب أن يبنى على أسس علمية منهجية ومتابعة لآلية عمل مراكز الاستطلاعات ومدى التزامها بالمناهج العلمية في اختيار العينات وفي صياغة الأسئلة وقراءة النتائج. وهذا كله لا يحتاج إلى جهود كبيرة، ومع ذلك لا تقوم السلطة بهذا الأمر. يقول سلامة: "على الرغم من التشكيك بالاستطلاعات، إلا أنه لا يوجد متابعة للتدقيق في منهجية الاستطلاع، وإذا كان هناك اهتمام يكون غير منهجي"[8]. يعمل كاتب هذه الورقة منذ أكثر من 15 عام كمسؤول عن وحدة البحوث المسحية في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهو مركز يجري استطلاعات رأي كل ثلاثة شهور منذ عام 2000، وخلال هذه الفترة نادراً ما تقدمت جهات رسمية باستفسارات حول آليات العمل والمنهجيات رغم أنه تصلنا الكثير من الاستفسارات والأسئلة حول منهجيتنا من طلاب وديبلوماسيين دوليين. وهذا يعني إما أن السلطة تشكك بهذه الاستطلاعات بناءً على أسس غير علمية، أو أنها لا تأخذ هذه النتائج أصلاً على محمل الجد.
الثاني، عدم الاهتمام بآراء الناس وتوجهاتهم: قد يرى البعض بأن القيادة وجدت وانتخبت لتقود الناس الى ما هو خير للدولة وللمجتمع وأنه ليس عليها أن تعمل حسب رغبات الناس، فقد تكون هي على معرفة واطلاع أكثر من الجمهور وبالتالي تكون أقدر على وضع السياسات التي تحقق مصالح الناس وإن كانت مخالفة لما تراه الأغلبية من الجمهور. لاشك بأن هذا صحيح في كثير من الأمور، فهناك أمور تتعلق بمواضيع فنية تحتاج إلى الخبراء، وليس لعامة الجمهور، لسن السياسات لها. كما أن هناك حالات كثيرة يكون فيها على صانع القرار اتخاذ قرارات سريعة بدون أن يكون لديه الوقت لمعرفة رأي الجمهور وعليه، يكون على القيادة اختيار ما هو أصلح. لكن هذا لا يعني بتاتاً الاستهتار بالرأي العام والتعامل معه وكأنه ليس موجوداً. ينبغي على القيادة أن تعطي وزناً لتوجهات شعبها وأن تضع الأساليب المناسبة للتوضيح للجمهور عن مكامن المصلحة فيما تراه، وبالتالي تحدث توازناً بين الرأي العام وقراراتها.
إن إهمال الرأي العام يعد مؤشراً خطيراً على احتمالية تكرار الصدامات بين الشارع والسلطة في المستقبل. إن عدم أخذ آراء الناس حول أداء النظام الحاكم وعمل مؤسساته ومواقف قياداته وتقييمهم لكل ذلك كان سبباً مهماً في نشوء الثورات في البلدان العربية المجاورة. تظهر نتائج الباروميتر العربي في دورته الخامسة الأخيرة (وهي دراسة مسحية تجرى في معظم الدول العربية، بما في ذلك فلسطين، منذ عام 2006 وحتى عام 2019)[9] أن مجموعة من مؤشرات الرأي العام يمكن أن تعطي إنذاراً عن قرب حدوث اضطرابات في الشارع العربي. فمثلاً، أظهرت نتائج الباروميتر العربي أن السودان والجزائر ولبنان، التي حدثت فيهما الموجة الأخيرة من الحراك الشعبي، معرضتان أكثر من غيرهما لغضب الجماهير من خلال مؤشرات مثل فقدان حرية التعبير، والوضع الاقتصادي السيء، والاعتقاد بوجود فساد بنسب عالية جداً قد تزيد عن الثلثين من الجمهور. ولكن، وكما هو الحال في أغلب الدول العربية، لا يأخذ صانعو القرار بآراء الناس أو لا يعنون أنفسهم بالاطلاع عليها.
يسير صانعو القرار في السلطة الفلسطينية على نفس خطى اشقائهم صانعي القرار في الدول العربية من حيث الاستخفاف بآراء الناس، أو هذا على الأقل ما يشعر به الناس فعلا، وهذا ما بيناه سابقا، وهم بذلك يفقدون ثقة الشارع شيئا فشيئا. يبدو أن عدم وجود انتخابات لفترة طويلة وعدم إمكانية حدوث ذلك قريبا وتحول النظام شيئا فشيئا الى التفرد بالسلطة، قد جعل صانعي القرار لا يلقون بالاً إلى آراء جمهور ويظنون أنه لا يهدد مستقبلهم السياسي من خلال صناديق الاقتراع .
الثالث، ضعف الجهات المخولة بمتابعة الرأي العام وتوجيه التوصيات لصانعي القرار: قد يكون لدى صانعي القرار أو أغلبهم اهتمام بشكل فردي باستطلاعات الرأي وآراء الناس ولكنهم يعتمدون على اجتهادهم الشخصي حسبما يتاح لهم، وهذا ما أشار اليه سامر سلامة ونادر سعيد عند إشارتهم إلى أنه لا يوجد متابعة منظمة وممنهجة لاستطلاعات الرأي لتنعكس في صناعة القرار، والاعتماد على الحاشية المنعزلة أصلا عن الشعب لتقديم المشورة والتأثير على صانع القرار دون الاكتراث لانطباعات الجمهور ومواقفه وآرائه.
خلاصة:
لا تقتصر المسؤولية عن إهمال دور الرأي العام على صانع القرار، بل تتعداه لتشمل مراكز البحث واستطلاعات الرأي. من هنا فإن توصياتنا تشمل الطرفين معاً. من جانب، لا بد من أن تعدل السلطة وصانعو القرار فيها سياساتهم تجاه عدم الجدية في النظر لاستطلاعات الرأي وآراء الناس، ليس فقط لتكون قراراتها وسياساتها انعكاساً لما يريده من وضعوهم في مركز صنع القرار، وهم الشعب، ولكن أيضا لتجاوز صدامات محتملة قد تحدث مع الناس في أي لحظة. من جانب آخر، على مراكز البحث في الرأي العام مسؤولية كبيرة في كسب ثقة السلطة والجمهور الفلسطيني لتجعل من هذا البحث العلمي مرجعاً ذي مصداقية.
وعليه من الممكن أن تقوم السلطة بما يلي:
1-زيادة توعية العاملين لديها وخاصة صانعي القرار بأهمية الرأي العام ومتابعته بشكل مستمر
2- تشكيل جهة مختصة لدى الرئاسة أو مجلس الوزراء لتكون متخصصة بمتابعة الرأي العام ودمج توصيات هذه الجهة في التحليلات المقدمة لصانع القرار وأن تعمل هذه الجهة على فحص منهجيات مراكز استطلاعات الرأي والعمل معها من خلال النصح والتشاور لتحسين أدائها عند الضرورة.
في المقابل، تعاني العديد من مراكز استطلاعات الرأي من معيقين كبيرين في الطريق لنيل الثقة من الجمهور وصانعي القرار وهما التحيز السياسي والبحث عن التكلفة الأقل. على هذه المراكز أن تكون على إدراك بهاتين القضيتين والعمل بجد للتغلب عليهما:
أولاً، على مراكز الاستطلاعات أن تفهم أنها ليست أحزاباً سياسية أو مجموعات ضغط ذات مصالح سياسية وعليها أن تفهم أن العدو الأول للبحث الجيد ذي المصداقية هو وجود تناقض في المصالح في عملها لأن هذا التناقض كفيل بالتحول لتحيز سياسي بدون إدراك الباحثين في هذه المراكز لذلك. إن العمل لضمان بحث موضوعي لا يشوبه التحيز هو أصعب التحديات التي تواجه الأبحاث المسحية. ينبغي على الباحث إدراك نقطة الضعف هذه واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة ليتمكن من تحييد أي تحيز لديه.
ثانيا، على مراكز الاستطلاعات والبحث عموماً، وخاصة التجارية منها، ألا تسمح لنقص التمويل، أو الحاجة للتنافس للحصول على مشاريع البحث أو العطاءات، بأن يأتي على حساب منهجية البحث ومصداقيته، فتجد نفسها تضحي بالدقة وبالتدريب الضروري لإنجاز العمل بموضوعية أو بدون الوسائل والمعدات اللازمة. إن ممارسة البحث في ظل القيود المالية تدفع بعض المراكز للجوء للطرق الرخيصة والباحثين الميدانيين ممن لا كفاءة لديهم. ينبغي التوقف التام عن هذه الممارسات لكي تتمكن البحوث الاستطلاعية من استعادة مصداقيتها وثقة الجمهور بها. هناك بالطبع درجة من المسؤولية تقع على عاتق الممولين لهذه الأبحاث إذ ينبغي عليهم التدقيق في منهجية الأطراف المشاركة في العطاءات أو الدعوات للمشاريع البحثية.
وليد لدادوة
[1] http://pcpsr.org/ar/node/741
[2] https://www.arab48.com/ميديا/ميديا/2019/01/19/حسين_الأعرج-يهاجم-حراك-الضمان-ويعتذر-بعد-الضغط
[3] مقابلة أجراها الباحث مع السيد سامر سلامة وكيل وزارة العمل بتاريخ: 19/8/2019
[4] http://pcpsr.org/ar/node/753
[5] https://www.alhadath.ps/article/65917/التنسيق-الأمني-من-منظور-حقوقي-بقلم-د-عمار-الدويك
[6] مقابلة اجراها الباحث مع الدكتور نادر سعيد مدير مركز أوراد بتاريخ: 12/8/2019
[7] سامر سلامة، مصدر سابق.
[8] سامر سلامة، مصدر سابق.
[9] https://www.arabbarometer.org/ar/waves/arab-barometer-wave-v/
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت