"سلالة" في غزة.. مشروع لإيواء الحيوانات الضالة والمشردة

يعمل 15 متطوعاً أساسياً ضمن جمعية "سلالة" من أجل إنقاذ الحيوانات الضالة التي تردهم اتصالات من المواطنين

على عجالةٍ يجهّز سعيد الأدوات اللازمة داخل منزله بمدينة الزهراء وسط قطاع غزّة، لتلبية اتصالٍ مفاده وجود قطة مشردة في أحد الشوارع تحتاج للعلاج والعناية.

يحمل أغراضه وينطلق بسرعةٍ نحو المكان، وينفذ مهمته.

ذات التجربة يعيشها بشكلٍ يومي الأربعيني "سعيد العر"، الذي عشق منذ الصغر تربية الحيوانات، خاصةً بعدما ذاع صيت الجمعية التي يترأسها وتحمل اسم "سلالة" وتهتم بالحيوانات الضالة.

** فريق متكامل
يقول سعيد لوكالة "لأناضول": إنّ "حوالي 15 متطوعاً أساسياً يتنشرون في أماكن مختلفة من قطاع غزّة، يعملون على مدار الوقت، لأجل إنقاذ الحيوانات الضالة الموجودة في الشوارع والطرقات، والتي تردهم اتصالات من المواطنين بخصوصها".

وينبّه إلى أنّ جزءاً من الفريق يعمل ميدانياً بجمع القطط والآخر يستضيفها ببيته ويعالجها، موضحاً أنّ بعضاً منهم يختصون في المتابعة الإلكترونية واستقبال الرسائل من المواطنين، كما أنّهم يتولون مهمة نشر الفكرة على منصات التواصل الاجتماعي بعدد من اللغات، بهدف توعية الجمهور بحقوق الحيوان.

ويردف: "نتعامل مع حالات الكسر والجروح والإصابات المختلفة التي تردنا، ونعتمد على خبراتنا التي تراكمت مع السنين ونستعين أحياناً بمواقع الانترنت".

ويوّفر سعيد وأصدقاؤه العلاجات التي يستخدمها، من خلال ثلاثة مصادر، الأول يتمثل بالتبرعات التي تصلهم من الداعمين في داخل فلسطين، والثاني ذاتياً، والثالث من وزارة الزراعة في قطاع غزّة.

ويشير إلى أنّ "المبالغ التي تصلهم قليلة نوعاً ما"، لكنّه يؤمن تماماً أنّ الهدف أقوى من أن يؤثر عليه ذلك الأمر.

** تأثيرات السياسة
الفكرة التي خطرت ببال "سعيد" بعد تلقيه دورة "تدريب كلاب" في روسيا، بدأ تنفيذها عام 2006. وواجهت آنذاك، عقبات كثيرة، منها الصعوبة في الحصول على ترخيص جمعية، وغياب الجهات الداعمة للفكرة.

ويبيّن أنّ عملهم توقف صيف 2007 نتيجة الانقسام الفلسطيني الذي أثر على كلّ المناحي الحياتية بغزّة، مؤكداً أنّهم عادوا للعمل عام 2015، وبدأوا من خلال استئجار أرض مساحتها دونمين اثنين (الدونم=ألف متر مربع) تمّ تجهيزها لاستقبال الحيوانات المشردة.

وفي وقتٍ لاحق وتحديداً بمنتصف العام 2018 كان "سعيد" قد استنزف معظم قدراته الذاتية الداعمة للفكرة، فاضطر للبحث عن تمويل وواجه مشكلةً أخرى تمثلت بعدم قدرته على فتح حسابات بنكية لجمعيته، مما دفعه لترك المقر والعودة للعمل داخل المنازل من خلال المتطوعين، وفقاً لقوله.

لم يقف "سعيد" وفريقه عند هذا الحد، فلجأ لمخاطبة سلطة الأرضي الفلسطينية وقت تركهم للأرض، إلّا أنّها لم تتفاعل مع مطلبهم، وأجابتهم بأن لا إمكانية حالياً لتوفير قطعة بديلة، ويلفت إلى أنّهم لجئوا لوزارة الزراعة بعدها، فأبدت استعدادها لتقديم المساعدة في المجال البيطري للحيوانات.

** تفاعل مجتمعي
على الصعيد المجتمعي، يذكر الأربعيني أنّ المواطنين تعاطوا مع الفكرة، وهذا ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ أساسي، ثمّ انتقل لأرض الواقع من خلال تنامي أعداد البلاغات الواصلة من الناس، والتي تفيد بوجود الحيوانات الضالة والمشردة.

"يتعامل فريق جمعية سلالة مع الحيوان الذي يصله من خلال عدد من الخطوات، تبدأ بفحصه من الناحية الطبية بشكلٍ كامل، وفي حال احتاج أيّ علاج يتم تقديمه له فوراً وفق الإمكانات المتاحة، وبعد ذلك يترك مدّةً كافية للتعافي، ثم يعرض على الجمهور للتبنى وفقاً لآليات محددة"، يروي "سعيد".

وينبغي على الشخص الذي يرغب بالتبنى، أنّ يلتزم بشروطٍ معدّة سلفاً من قبل الفريق، والتي تهدف بمجملها لضمان سلامة الحيوان، ومنها أنه يجب أن تكون لديه القدرة على توفير الأمن والطعام والرعاية الكاملة له، كما يلزم أن يكون عمره فوق 18 عاما، وموافقة كلّ سكان المنزل الذي يقطنه أمرٌ مهم"، وفق "سعيد".

وينوه إلى أنّهم يجبروا الشخص المُتبنى على إرسال مقاطع فيديو للحيوان ومحيطه بشكلٍ أسبوعي، شارحاً أنّ عدد من الشكاوى والاتصالات التي تردهم أحياناً تكون مؤثرة لحد البكاء، من طرف الشخص المُبلغ.

وفي منتصف العام الجاري، نجح فريق عمل الجمعية من تحويل قطةٍ للعلاج داخل إسرائيل، بعدما قاموا بنشر قصتها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ويقول "سعيد": "تواصلت معنا جمعية إسرائيلية تهتم بالحيوانات، وسألتنا عن إمكانية استقدام القطة للعلاج في مستشفياتها، فوافقنا، وتمّ الأمر، وهي الآن في مرحلة التعافي وستعود لغزة".

** أمنيات وواقع صعب
وعن طموحه يفصح "سعيد"، أنّه يأمل أنّ يكون قادراً في المستقبل على توسيع فريقه؛ ليتمكن من التعامل مع كل الحيوانات التي تحتاج للمساعدة، ويسعى كذلك لإنشاء جمعية كبيرة تضم عددا من المحميات الطبيعية التي تقدم خدمات الرعاية والحماية والعلاج.

ويلفت إلى أنّه يتطلع أيضاً لنشر ثقافة العناية بالحيوان بشكل واسع في كلّ فلسطين، مؤكداّ أنّ ذلك يحتاج لتكاثف من الجهات المعنية والمواطنين.
يشار أنّ قطاع غزّة، يفتقر لوجود الجمعيات التي تهتم بشكلٍ عام بالحيوانات، كما أنّه لا تتوفر فيه المساحات الطبيعية التي تكفي للعناية بها، ومؤخراً عكفت بعض المؤسسات الدولية على نقل بعض الحيوانات للعلاج في الخارج.

ويوجد في غزة نحو 100 طبيب بيطري منهم 20 يعملون ضمن المؤسسات الحكومية، كما يوجد بالقطاع 3 مختبرات تقدم خدمات الفحص والتشخيص للحيوانات، بحسب تصريحات مسؤول الدائرة البيطرية في وزارة الزراعة، حسن عزام، لمراسل الأناضول.

المصدر: غزة - محمد أبو دون -