منذ دعوة الرئيس محمود عباس لانتخابات عامة في فلسطين قد أصبحت الانتخابات حديث الساعة والشغل الشاغل لمجتمعنا الفلسطيني خاصة بعد موافقة غالبية الفصائل والاحزاب على أهمية إجرائها كمدخل للوحدة الوطنية وانجاز المصالحة في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لمجموعة من التحولات إقليمياً وعربياً ودولياً، وتعد المشاركة السياسية للشباب في الانتخابات ترجمة فعلية للحقوق السياسية الكونية للإنسان التي نصت عليها مختلف المواثيق والقرارات الدولية المتعلقة بالحريات الأساسية، وعالجتها ضمنيا على اعتبار أنهم يشكلون العنصر الفعال في المجتمع الإنساني، وكرستها الدساتير الوطنية على نطاق واسع.
ولا شك أن قضية المشاركة السياسية للشباب في فلسطين تطرح نفسها بإلحاح شديد وبكل ثقلها في هذه المرحلة بالذات مع تفعيل المطالبات القديمة الجديدة حول الاعتراف بمشاركة الشباب في العمليات السياسية والتنموية على الصعيد الوطني، وانصافهم وتعزيز دورهم في إشراكهم بتدبير شؤونهم وحل مشاكلهم في التوظيف والشغل والصحة والتعليم، والعزوبة والاقصاء والتهميش واليأس والاحباط، فالتقديرات على أرض الواقع تقول عكس ذلك تماما، حيث أنه لم يمنح الشباب الفرصة الكاملة لأخذ دورهم الطبيعي في المشاركة بكافة أنواعها بشكل فاعل وجاد، ويرجع ذلك إلى غياب الإرادة السياسية والحزبية المتخذة للقرار، والممارسات الواقعية التي همشت موقع الشباب داخل بنية التنظيم الحزبي وتمثيلهم بنسبة هزيلة والذي بدوره انعكس سلبا على المستويات الرسمية التي هي مطالبة بإرساء نواة المواطنة الحقة التي لا تختزل الوطن في جماعة أو تنظيم أو حزب أو مؤسسة، أي المواطنة التي تقر بأن جميع أبناء الوطن وخاصة الشباب لهم نصيبهم في المشاركة والتنمية، ويتبادلون معه الانتماء والولاء للوطن. لذلك لا حديث عن مواطنة فاعلة وكاملة دون الاهتمام بإشراك الفئة الشبابية في الفعل السياسي لما يشكله الشباب من قوة اجتماعية ورصيدا استراتيجيا كبيرا، خاصة وأنهم يشكلون قرابة ثلث عدد سكان دولة فلسطين، ويعني هذا أن ساكنة الوطن شبابية بامتياز، وبالتالي دون هذه الثروة البشرية لا يمكن الكشف عن الثروة المادية التي يتكلم عنها القادة والساسة في خطبهم باللقاءات والندوات والمؤتمرات، فتحقيق التوازن المجتمعي وتعزيز استقرار المجتمع وتطوره يتوقف بالأساس على إشراك الشباب في الحياة السياسية، وهي مشاركة ضرورية وحاجة موضوعية لاستكمال التحرر والبناء في فلسطين.
وعليه تبرز أهمية ومكانة الأحزاب السياسية كونها نالت اعتراف الدستور الفلسطيني وأوكلت لها مهمة تأطير المواطنين وتربيتهم على الثقافية السياسية وقيم المواطنة، بغية تكوين نخب قادرة على تدبير الشأن العام الوطني والمحلي، مما يفرض تعزيز كل التدابير التي من شأنها تقوية مشاركتهم السياسية وتعزيزها والتي من شأنها اعادة الثقة في الشباب، وبالتالي يعزز ثقتهم في الانتخابات العامة، وابراز موقعهم في القوائم الانتخابية التي تقدمها الاحزاب لخوض الانتخابات كدعامة لرأسمال بشري يساهم في بناء الحقل الديمقراطي، بل تحقيق طموحهم المتمثل في دورهم كفاعل محوري في توفير ظروف كل هذه التحديات المجتمعية، من خلال جعلهم في صلب آليات اتخاذ القرار السياسي والتنموي المتعلق بشؤون الدولة على العموم، وشؤون الشباب على الخصوص. وبما ان فلسطين تتجه في الفترة المقبلة نحو مسار التحول الديمقراطي المبني على التعددية الحزبية الذي يشجع على المشاركة السياسية في الانتخابات، فالواقع السياسي يقتضي أن تكون المشاركة السياسية للشباب فاعلة وجدية، وأن تتجاوز كونها رمزية، وتفعيل الإطار القانوني لقانوني الانتخابات والأحزاب السياسية بما يلائم الشباب من توحيد السن الأدنى للتصويت مع سن الأهلية الأدنى للترشح والذي حددته ثلث دساتير بلدان العالم بـ 25 عاماً، بالإضافة إلى تحديد نسبة مشاركة الشباب وإقرار حصص مخصصة في الاستحقاقات الانتخابية، والخروج من إشكالية النص والتطبيق من أجل تحقيق طموحات الشباب وتعزز من إشراكهم في التدبير الجيد للقرارات الحزبية وأثارها المستقبلية على المواطن والوطن.
ولعل النماذج الدولية من حولنا قد منحت فرصة كبيرة نحو إشراك الشباب في الهياكل الحزبية كضرورة ملحة وآنية في التغيير من خلال اتخاذ آليات وتدابير من شأنها الدفع بالشباب للمشاركة في الانتخابات والترشح لعضوية البرلمان، لما يمتلك الشباب من قوة فكرية في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولأن الشباب بحكم الطبيعة مرحلة تغير بيولوجي ونفسى واجتماعي يعيشها الانسان، فإنها يمكن أن تتسق مع تغييرات مقابلة في الثقافة المادية والمعنوية, وأساليب الحياة وطرقها، تلك التغيرات التي تعنى بها وتستهدفها التنمية، وبالتالي فإن التنمية كتغيير تجد أخصب الفرص وأثراها للنجاح في وسط بيئة الشباب المتغيرة بطبيعتها. وباعتقادي أن المشاركة السياسية للشباب تعد وسيلة أساسية للتعبير عن المواطنة المتمدنة، والانخراط في الشفافية الحقة، وإرساء الديمقراطية التشاركية، وبناء المجتمع المدني، وتحديث المجتمع، كما أنها إحدى أشكال الحكم الصالح، وهي شكل من أشكال الرقابة الشعبية، بالإضافة إلى أن مشاركة الشباب سيعزز من التنمية السياسية الشاملة، كما أن تفعيل المشاركة السياسية للشباب سيقلل من حالة الفراغ السياسي التي يعيشها الشباب عبر تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم، وخلق حالة وطنية من العطاء والعمل والانتاج للنهوض بالمجتمع، وحماية الوطن وكرامة مواطنية.
بقلم: د. رمزي أحمد النجار استاذ القانون العام وعلم السياسة
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت