بات ضم الأغوار الفلسطينية أحد العناوين الرئيسية في السباق بين نتنياهو وغانتس استعدادا لاستحقاقات انتخابات ثالثة.
ويرى نتنياهو أن نتائج سياسته العملية بشأن الاستيطان والتهويد على امتداد العشر سنوات الأخيرة التي قضاها في الحكم تثبت أنه الأجدر في تولي قيادة الحكومة لاستكمال مشروعه الاستعماري التوسعي. في حين يرى غانتس أن الاجماع الصهيوني على «حق» إسرائيل في نشر الاستيطان وضم المستوطنات ومحيطها يجعل من «أفضال» نتنياهو لوحده في هذا المجال مجرد ادعاء.
والثابت أن ملف الاستيطان والتهويد والحروب العدوانية يشكل مساحة واحدة يقف عليها الاثنان، وتعكس تقاطعات واسعة بينهما، على الرغم من الفشل في تشكيل حكومة وحدة ، واستمرار العقد التي منعت تشكيلها عقب جولتين انتخابيتين متلاحقتين.
من هذه الزاوية، سيكون مشروع ضم المناطق «ج» وتسريع التهويد في مقدمة البرامج الانتخابية للأحزاب الصهيونية المتنافسة على أبواب الانتخابات الثالثة.
وعلى أساس ماسبق، ستكون أية حكومة إسرائيلية قادمة تتشكل عقب الانتخابات الثالثة، حكومة ضم، ليس فقط لبنية الاستيطان القائم ومحيطها الحيوي فقط، بل لمساحات واسعة من مناطق «ج». وهذا يعني انتقال الاحتلال الإسرائيلي من مرحلة منع إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة الأراضي ومستقلة، إلى مرحلة استكمال مقومات قيام «دولة إسرائيل الكبرى»، بعد أن قطعت السياسة التوسعية الإسرائيلية شوطا بعيدا في نشر الاستيطان وتدعيمه، وتنفيذ الكثير من الإجراءات التهويدية في القدس ومحيطها، متكئة خلال الأعوام القليلة الماضية على السياسات العدوانية التي اتبعتها إدارة ترامب ضد حقوق الشعب الفلسطيني ضمن خطوات «صفقة ترامب».
وخلال الفترة التي أعقبت صدور نتائج انتخابات الكنيست الثاني والعشرين، لهث نتنياهو وراء أي فرصة لتوظيفها في خدمة حظوظه في تشكيل الحكومة. ومع فشله في هذه المهمة، حاول أن يبدو مؤيدا لحكومة وحدة، مع أنه يراهن بالأساس على انتخابات ثالثه تغير في الخريطة الحالية للكنيست، وتضعه في موقف أقوى يستطيع من خلاله تشكيل حكومته الخامسة. لذلك، وضع شروطا يقبل من خلالها الدخول في حكومة الوحدة، أبرزها تقلده رئاستها في العامين الأولين من ولايتها، مع إدراكه لرفض هذه الشروط من قبل تحالف «أزرق ـ أبيض» برئاسة غانتس.
وفي الوقت نفسه، عمل نتنياهو على أن يكون الليكود صاحب ورقة «الفيتو» ضد تشكيل الحكومة. ولهذا السبب، شكل مبكرا كتلة برلمانية «مانعة» بمشاركة أحزاب حكومته، وهذا يفسر تمسكه بمعسكر اليمين ككتلة واحدة وإصراره على التفاوض باسمها جميعا مع «تحالف غانتس» في سياق البحث عن اتفاق بشأن تشكيل حكومة وحدة.
وفي ظل الخيارات الضيقة المتاحة، يجد نتنياهو في الانتخابات الثالثة فرصة لتعويم ملفه القضائي لفترة قادمة. وقد تعززت قناعته بذلك مع تركيز تحالف «أبيض ـ أزرق» على هذا الملف واعتباره مانعا لأن يتولى نتنياهو رئاسة حكومة الوحدة في فترة التناوب الأولى.وتم استخدام هذا الملف في توجيه رسائل إلى حزب الليكود وجمهوره للانفضاض من حول نتنياهو الذي بموجب هذه الرسائل بات عبئا على الحزب ، في رهان على حدوث انشقاق في صفوفه.
وفي الطريق إلى الانتخابات الثالثة، من الأكيد أن نتنياهو سيستخدم السلاح الأبرز من موقعه كرئيس للحكومة منتهية الصلاحية باستثاء قرار الحرب، وهو التوتير الدائم باتجاه التصعيد وافتعال الحروب. فالاستيطان والحرب جناحا برنامج نتنياهو الاستعماري التوسعي. ومن خلال التوغل فيهما عزز نفوذ «الليكود» في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي. ولايمكن الفصل مابين ماشهده قطاع غزة مؤخرا من قتل وتدمير على يد العدوان الإسرائيلي ومابين طموحات نتنياهو في قلب المعادلة الإسرائلية الداخلية لصالحه. لكنه وفي الوقت نفسه، يدعي ممارسة سياسة «ضبط النفس» تجاه قطاع غزة ، عندما يرى أن هذا الأمر ضروري ربطا بالاعتبارات والمحاذير التي تبديها المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
ولقد رأى بعض المحللين أن موقف الإدارة الأميركية الرسمي الجديد بشأن المستوطنات وعدم تعارضها مع القانون الدولي، بأنه يأتي خدمة لنتنياهو حصرا، مع أنه ليس مكلفا الآن بتشكيل الحكومة. وهذا صحيح من زاوية عودة المشهد الانتخابي الإسرائيلي إلى المربع الأول في ظل رجحان انتخابات ثالثة وإغلاق الباب على الخيارات الأخرى التي هي بالأساس خيارات ضيقة في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده الساحة الحزبية الصهيونية.
وبالتالي، سيتعامل نتنياهو في خطابه السياسي وإجراءاته العملية مع الموقف الأميركي المذكور من زاوية أن هذا الموقف تعبير عن اتحاد رؤية إدارة ترامب نحو القضية الفلسطينية مع مشروعه هو تجاه حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ويربط مستقبل الأراضي الأراضي الفلسطينية المحتلة بالاعتبارات السياسية والأمنية الإسرائيلية. وعلى هذا الأساس يوجه رئيس الوزراء المنتهية ولايته رسالة إلى جمهور الناخبين جوهرها أن السياسية التي اتبعها على مدى السنوات الماضية، يتم قطف ثمارها حتى في مواقف الحلفاء، وأن استكمال تأمين مصالح إسرائيل في ظل الاضطراب الذي تعيشه المنطقة من حولها يحتاج استقرارا في المشهد السياسي والحزبي الداخلي، كما يحتاج إلى قيادة خبيرة ومجربة أسست بسياساتها لماتشهده إسرائيل من «إنجازات».
هذا لايعني أن الانتخابات الثالثة (في حال وقوعها) تحمل نتائج مضمونة لصالح نتنياهو وحزبه، فمشكلته لاتقتصر على تراجع عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، وانما بعلاقاته المتوترة وخصوماته الكثيرة ومن بينها علاقته التي توترت مع حليفه السابق وشريكة في قائمة«الليكود- بيتنا»، أفيغدور ليبرمان الذي شكل عقبة كبرى أجهضت تحيق حلمه بتشكيل حكومته الخامسة.
وحاول كل من نتنياهو وغانتس ومعهما ليبرمان الظهور أمام الناخب الإسرائيلي بمظهر من لايريد الذهاب إلى انتخابات ثالثة، مع أن تمترس كل منهم بمواقفه وشروطه هو الذي يجعل من هذه الانتخابات أمرا لامفر منه في نهاية المطاف. ولكنهم جميعا ـ في الوقت نفسه ـ يتعاملون مع شروطهم باعتبارها تعهدات قدموها أمام ناخبيهم وحازوا على أصواتهم بسبب هذه التعهدات. وفي حال تراجع أي منهم أمام الآخر سيعرض نفسه لخسارة هذا الدعم والتاييد.وهذا يعني بالنتيجة أن الاستقطاب الحاد الذي يعانيه المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل بات ضمن هذه المعادلة انقساما عموديا يطال الأحزاب وجمهورها على حد سواء.
وفي ظل هكذا وضع لا يكتفي المراقبون بالتشكيك بقدرة أية انتخابات جديدة على التخفيف من هذا الاستقطاب ، بل يتوقعون تفاقمه.
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت