إن تصرح الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها بومبيو بأن ( الاستيطان في أراضي يهودا والسامرة لا يتعارض والقانون الدولي ) ، إن هذا التصريح لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان متوقعاً في ظل صفقة القرن التي لم تعلن تفاصيلها بقدر ما هي تنفذ على الأرض ، فالسياسة الأمريكية في عهد الرئيس ترمب هي سياسة عملية بما يخص القضية الفلسطينية، فالمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين، ليس مشروعاً صهيونياً وحسب ، وإنما هو مشروع بإدارة امريكية ، وتموليه كما ادعى ترمب بأموال عربية ، فلا غرابة أن تخطو الولايات المتحدة الأمريكية هذه الخطوة في الوقت الذي تصوت فيه اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على العديد من القرارات لصالح القضية الفلسطينية وفي مقدمتها التمديد لوكالة الأونروا لمدة ثلاثة أعوام مع تأمين المساعدات المالية لعملياتها في مناطق اللاجئين الفلسطينيين، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني هما العضوان الرافضان لتلك القرارات التي تدعم النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني.
وإذا كان الاستيطان يشكل العقبة الكداء في قيام الدولة الفلسطينية، فإن التصريح الامريكي يؤكد على وأد الدولة الفلسطينية وعدم القبول بوجودها ، وذلك ما كنا ندركه منذ أن نقلت الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى القدس ، منهية بذلك صفة الاحتلال عن القدس ومؤكدة على أنها عاصمة الاحتلال ، لذلك ما جرى بالأمس الأربعاء ، وما جرى على مدى الشهور والسنوات الماضية إنما يؤكد أنّ ما سمي بحل الدولتين لم يعد ما يبرر التمسك به فلسطينياً ، وأصبحت القيادة الفلسطينية أمام خيار واحد وحيد وهو تنفيذ قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني بالانفكاك الكلي عن الاحتلال ، والانتقال الفوري من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ، وهذا يتطلب عملاً جاداً بأن تصبح الانتخابات المزمع اجراؤها هي انتخابات لمؤسسات الدولة وليس انتخابات لمؤسسات السلطة ، وهذا الاجراء العملي يتطلب من الكل الفلسطيني الإدارك بأن اجماع الموقف الفلسطيني من تصريح وزير الخارجية الأمريكية يجب أن يتحول إلى وحدة الموقف الفلسطيني من خلال وحدة التمثيل الفلسطيني المتجسدة في منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية ، لأن ابقاء الموقف الفلسطيني مشتتاً يعني ضعفاً في مواجهة صفقة القرن . ولتحقيق الموقف الفلسطيني الموحد لا بدّ من انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني بكامل أعضائه وفي المكان الذي يمكّن جميع الأعضاء من الحضور ، فالمرحلة لم تعد قابلة للانتظار وغير قابلة للتأجيل ، فالوضع خطير جداً ، ولا يمكن مواجهة ذلك بالتشتت والانقسام ، هذا التشتت والانقسام الذي يراهن عليه عدونا الامريكي الصهيوني في كل ما يقدم عليه من أفعال على الأرض تنفيذاً لصفقة القرن ، ولا حجة لأية جهة فلسطينية أن تتنصل من مسؤوليتها إزاء العدوان السياسي الأمريكي علينا ، وخاصة أنّ هذا العدوان يأتي في ظل الوضع الصهيوني المتصارع داخلياً حول تشكيل الحكومة .
لذلك يبدو من تصريح وزير الخارجية الأمريكي بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على الانتظار لترتيب الوضع الصهيوني الداخلي ، فصفقة القرن يجب أن تنفذ في ظل الانقسام الفلسطيني لأن أي انتخابات فلسطينية ستوحد الفلسطينيين في مواجهة صفقة القرن ، وربما ستختلف أساليب ووسائل المواجهة الفلسطينية لها ، فالتعجيل الأمريكي يدفع بصفقة القرن إلى الأمام ، وإذا كان الاستيطان في نظر الامريكان لا يتعارض مع القانون الدولي ، فإنّ دويلة فلسطينية في غزة وسيناء بات مخاضها قريباً ، وأنّ ثمة أطراف عربية تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في خطواتها لتنفيذ صفقة القرن ، وقد ظهر ذلك جلياً أثناء العدوان الصهيوني على غزة ودمشق، فلم تعد العديد من الدول العربية تسمح لنفسها بأن تتخذ موقفاً إن لم يكن عدائياً للولايات المتحدة الأمريكية فأقله رفضاً عربياً للعبث الأمريكي في الأرض الفلسطينية. لذلك فإن التصريح الأمريكي يأتي في إطار صفقة القرن الغير معلنة ، وبأن واشنطن تركت الباب موارباً أمام الجميع ليتخذوا القرار ازاء صفقة القرن فإما حياة وإما ممات .
حمص في ٢٠١٩/١١/٢١ صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت