تتزاحم الأوجاع الوطنية وتخترق سويداء القلب الفلسطيني , فما بين عدوا متجهم لا يرقب فينا إلا ولا ذمة , يواصل هجمته المسعورة تهويدا ومصادرة للأرض والمقدسات في فلسطين , تسانده في ذلك قوى الشر العالمي ممثلة بالإدارة الأمريكية بقيادة الأرعن دونالد ترامب , وأمام هذا الإختبار الصعب والإستهداف المدمر للقضية الوطنية , تسقط القيادة الفلسطينية الرابضة على القرار الفلسطيني تسلطا وإنفرادا دون رؤية سياسية جامعة ودون إمتلاكها مشروعاً وطنياً يلبي طموحات شعبنا في إنجاز الحرية والإستقلال , بل أن كافة قراراتها وإجراءاتها تعمق الإنقسام وتزيد من الشرذمة والفرقة والإستخفاف بالمجموع الفلسطيني .
قبيل فجر الثلاثاء 26-11 , هاجمت مجامع القوة الأمنية التابعة لسلطة الحكم الذاتي المحدود في رام الله , خيمة للأسرى المحررين المقطوعة رواتبهم ومخصصاتهم , هدمت خيمة الإعتصام وإعتقلت مجموعة من الأسرى المحررين بعد تعرضهم للضرب والإهانة , وداست بساطير عسكر التنسيق الأمني على كل القيم الوطنية ,التي تمجد الأسير وتحترم نضالاته وتقدر بذله وتضحيته على طريق معركة التحرير والإنعتاق من الإحتلال الصهيوني , والأسرى مشاريع الشهادة وعناوين التضحية لهم كل الإجلال والإكرام على تضحياتهم بزهرة شبابهم في المعتقلات الصهيونية وهم من كان لهم الدور الكبير في مقاومة شعبنا للإحتلال عبر مراحل النضال الفلسطيني , وما يتلقونه من مخصصات ليس منه من رئيس أو وزير أو مسئول بل هذا واجب الكل الوطني ومؤسساته المسئولة عبر أداء دورها في إكرام الأسير في السجون وإكرامه عن تحريره بالتكفل له بحياته كريمة هو وإسرته وهذا أقل الواجب .
وما أن بزغت شمس ذات اليوم, حتى جاء خبر إستشهاد الأسير سامي أبو دياك , الذي إجتمعت عليه ظلمات القهر والعدوان ظلمة تعلوها ظلمة , فمن ظلمة الأسر والزنزانة إلى ظلمة المرض ومنع العلاج , إلى ظلمة بُعد الأهل والإشتياق لهم , إلى ظلمة العجز واللامبالاة التي يظهر فيها المشهد الفلسطيني خارج السجن , جميعها إجتمعت في قلب الأسير الشهيد سامي فلم يعد له القلب أن يتحمل كل ذلك فأسكن الروح وإنتصر على سجانه بعد أن كسر قيده بمرضه , وداوى عجزنا بأن سكن جسده وتوقف نبض قلبه , سامي مضى شهيدا حرا كطائر الفينيق محلقا في السماء , سامي سيعيش طويلا في ذاكرة فلسطين , الشهداء لا يموتون, ستمتد حياته أكثر من السنوات المعدودة لهذا السجان الظالم وكيانه الزائل بإذن الله .
هل كان الشهيد الأسير أبو دياك لو قدر الله له , أن يخرج على قدميه من الزنزانة الصهيونية , أن يتعرض لما تعرض له إخوانه في الأسر على دوار المنارة برام الله , من الضرب والشتم والإعتقال لمجرد مطالبتهم بحقوقهم ؟ , سؤال بطعم العلقم في حلق كل غيور فلسطيني , سؤال برسم كل مؤسسات الأسرى , بعد أن شُطبت وزارتهم نزولا عند رغبة الإحتلال وداعميه الأمريكان , وهي الوزارة التي حرص الزعيم الشهيد ياسر عرفات , على إستمرار برامجها الراعية للأسرى وعائلاتهم كجزء من رد الجميل. يخرج شعبنا في الضفة البطلة في يوم الغضب رداً على الإعتراف الأمريكي بالمستوطنات وإضفاء الشرعية الزائفة على وجودها على أراضي أهلنا في الضفة المحتلة , هل كانت رسالة فض إعتصام الأسرى المحررين برام الله لإبطال دعاوي الخروج غضبا لقرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أو التخفيف من قوتها وعنفوان جماهيرها , فمن يقاوم الإحتلال ويقع في الأسر سيكون مصيره كما ترون؟ .
إنحراف المسار الوطني لجماعة أوسلو في الأداء السياسي العام , والممارسة الحزبية المقيتة في الوظيفة العامة لإدارات السلطة , وإستمرار خطيئة التنسيق الأمني , والتعلق بأحبال عملية التسوية , وتمني لقاء نتانياهو والجلوس معه رغم رفضه لذلك لأكثر من عشرين مرة , يجعل من السلطة الذليلة تابعة لمنظومة الإدارة المدنية الإحتلالية ,
كما قال صائب عريقات في وقت سابق, وليتوقف كل أنصار السلطة عن ترديد مقولات وشعارات المشروع الوطني , فلم يعد هناك أي أثر أو شكل أو بقية لهذا المشروع الوهم . وحتى يتوقف هذا الإنحدار والتراجع الذي يصيب قضيتنا الوطني ومسارها التحرري , يجب التداعي فوراً إلى ثورة تغيير وتصحيح وحدوية في داخل المؤسسة الفلسطينية الجامعة منظمة التحرير وإعادة ترتيبها وصياغة برنامج السياسي الوطني القائم على مقاومة الإحتلال وعدم الإعتراف به الساعي لإنتزاع حرية الأرض والإنسان الفلسطيني بكل وسائل القوة والمقاومة , بما يضمن تعزيز صمود شعبنا على أرضه ,وإستمرار مقاومته ضد المحتل , وإفشال ومواجهة كافة المخاطر والمؤامرات التي تتعرض لها قضيتنا الفلسطينية.
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني 26-11-2019م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت