قال جيمي مكغولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية ، نائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، إن " إن الشباب الفلسطيني في قطاع غزة ينظر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى حياة نظرائه الأوروبيين ويتساءل عن سبب عجزه عن الحصول على وظيفة أو شراء سيارة أو تحمل تكاليف عطلة."
وفي حوار نشره موقع "أخبار الأمم المتحدة" تحدث مكغولدريك الذي كان في نيويورك مؤخرا عن التحديات التي تواجه الأونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. وتواجه الوكالة حاليا عجزا كبيرا يقدر بحوالي 200 مليون دولار.
وتطرق إلى التطورات الأخيرة في الوكالة، عقب استقالة رئيسها هذا الشهر في انتظار نتائج التحقيق في سوء السلوك المزعوم، مؤكدا على أنه ليس هناك بديل عن الأونروا..
وقال " ففي أماكن مثل غزة، الأونروا هي الوحيدة التي تقدم هذا المستوى من الدعم لهذا العدد من الناس. وإذا كان ذلك ليتوقف... عندها المدارس والمستشفيات والدعم الأساسي للسكان الذين يعتمدون على المساعدات الدولية سيتوقف. "
كما تناول أيضا الوضع في غزة بعد الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وقال " أعتقد أن مقتل 34 شخصا في غزة ومن بين هؤلاء ثمانية أطفال وعشرون امرأة -- هناك مأساة كبيرة هناك. قتلت عائلة بأكملها في واحدة من الهجمات. وأعتقد أنه يجب إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في هذه الأحداث، من أجل بناء الثقة والدعم".
وحول بيان الولايات المتحدة بشأن شرعية المستوطنات الإسرائيلية قال مكغولدريك: الأمم المتحدة تأسف للإعلان الصادر عن الولايات المتحدة وأعتقد أن موقف الأمم المتحدة يعني كما هو الحال دائما، وفقا للقرار 2334، أن الأنشطة الاستيطانية تشكل انتهاكا للقانون الدولي وعقبة فورية أمام تحقيق حلّ دولتين محتملتين وسلام عادل ودائم."
تفاصيل الحوار فيما يلي:
أخبار الأمم المتحدة: السيد جيمي مكغولدريك، أنت المنسق المقيم للأمم المتحدة والمنسق الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة. نشكرك بداية على وجودك معنا اليوم. أنت أيضا نائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط. هل لديك أي تعليق على بيان الولايات المتحدة حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية؟
جيمي مكغولدريك: في مجلس الأمن، جرى نقاش كثير حول هذا الموضوع. وكان نيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص حريصا جدا على تأكيد ما قيل سابقا، وهو أن الأمم المتحدة تأسف للإعلان الصادر عن الولايات المتحدة ومفاده بأنها لم تعد تنظر إلى "المستوطنات على أنها تتعارض مع القانون الدولي". أعتقد أن موقف الأمم المتحدة يعني كما هو الحال دائما، وفقا للقرار 2334، أن الأنشطة الاستيطانية تشكل انتهاكا للقانون الدولي وعقبة فورية أمام تحقيق حلّ دولتين محتملتين وسلام عادل ودائم. هذا هو موقفنا، وهذا (إعلان الولايات المتحدة) أمر مؤسف.
أخبار الأمم المتحدة: الأونروا في دائرة الضوء: استقال المفوض العام بيير كرينبول بعد إعلان الأمم المتحدة عن النتائج الأولية للتحقيقات في مزاعم سوء السلوك. كرينبول أرسل رسالة إلى موظفي الأونروا يُنكر فيها كل هذه المزاعم. هل يمكن أن توضح قليلا هذه المسألة؟
جيمي مكغولدريك: أنا لم أر الرسالة. إنما أعلم أن الاستقالة تمت. لكن ما أود قوله في هذه المسألة هو أنه من المهم جدا أن ولاية الأونروا قد جُددت لثلاث سنوات. وأعتقد أن نتيجة تصويت الدول الأعضاء تظهر الدعم القوي للأونروا. هناك تحديات حقيقة تواجهها الوكالة. وحاليا هناك عجز بقيمة 89 مليون دولار، كما حصلت على تعهدات أخرى بقيمة 110 ملايين دولار لكنها لم تُدفع بعد. أي هناك 200 مليون دولار لم تحصل عليها الوكالة مخصصة للخدمات الأساسية للأونروا. ليس هناك بديل عن الأونروا. ففي أماكن مثل غزة، الأونروا هي الوحيدة التي تقدم هذا المستوى من الدعم لهذا العدد من الناس. وإذا كان ذلك ليتوقف... عندها المدارس والمستشفيات والدعم الأساسي للسكان الذين يعتمدون على المساعدات الدولية سيتوقف. وعلينا أن نجد طرقا لجعل المساعدات مستدامة. والآن فإن تدفقات التمويل الهشة التي تذهب إلى الأونروا غير مؤكدة. وأعتقد أن ذلك يزيد من التوتر ويزيد من التعاسة وعدم اليقين. وأعتقد أنه قد يؤدي أيضا إلى بعض المشكلات الرئيسية الأخرى في المستقبل.
أخبار الأمم المتحدة: أنت تأتي من الأراضي الفلسطينية المحتلة. كيف كانت غزة عندما غادرت البلاد وكيف هو الوضع في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأخير؟
جيمي مكغولدريك: حسنا، أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي كان جزءا من التجاذب وهذا التصعيد الذي حدث الأسبوع الماضي. أعتقد أننا رأينا عددا كبيرا من الصواريخ التي تطير إلى مناطق قريبة في إسرائيل. وأعتقد أن هذا أمر مؤسف لأنه عشوائي ضد السكان المدنيين. ولكني أعتقد أن مقتل 34 شخصا في غزة ومن بين هؤلاء ثمانية أطفال وعشرون امرأة -- أعتقد من الواضح أن هناك مأساة كبيرة هناك. قتلت عائلة بأكملها في واحدة من الهجمات. وأعتقد أنه يجب إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في هذه الأحداث، من أجل بناء الثقة والدعم.
وما نأمله هو أن يستمر الهدوء الذي خيم يوم الجمعة الماضي حيث توقفت مسيرة العودة الكبرى، ونأمل في أن يستمر الهدوء لأن الناس متعبون من عيش تلك الأوقات العصيبة لمرات عديدة. وإذا رأيتِ الطريقة التي يعيش بها الناس في غزة والظروف التي يتعين عليهم تحملها، فتدركين أن اليأس والقنوط واضحان. أعتقد أن الوضع مأساوي جدا. كنت هناك الأسبوع الماضي. وترين بوضوح تام الطريقة التي يعيش بها الناس. هناك شعور بالإحباط، هناك حنق، وهناك غضب بسبب الحصار الخانق. وأعتقد أنه سيكون الوضع دائما هشا ما لم نفعل شيئا أكثر جوهرية واستدامة..
أخبار الأمم المتحدة: قلت إنه لن تنعقد مسيرة العودة الكبرى يوم الجمعة. هل هذا يعني أنها توقفت؟
جيمي مكغولدريك: توقفت للأسبوع الثاني على التوالي. هذه هي المرة الأولى في تاريخ المسيرة. يقال إن الناس ما زالوا يتعافون من مقتل 34 شخصا وكل المأساة الأخرى التي رافقت التصعيد خلال الأسبوع الماضي.
أخبار الأمم المتحدة: إذا إنه توقف مؤقت؟ هل سيستأنفون قريبا؟
جيمي مكغولدريك: أعتقد أنه توقف مؤقت وسيستأنفون قريبا.
أخبار الأمم المتحدة: قبل الأراضي الفلسطينية المحتلة كنت في اليمن. إذا أردنا مقارنة السياقين أين تجد صعوبات أو تحديات أكبر؟
جيمي مكغولدريك: لا أعتقد أنه من الجيد بالضرورة مقارنة المآسي. أعتقد أنه إذا كنت شخصا عاديا يعيش في غزة أو في صنعاء أو في أجزاء أخرى، لن تقارن نفسك بالآخرين، بل ستقارن نفسك بما لديك، وبما كنت عليه من قبل. وأعتقد في سياق غزة، ما يراه الناس أمامهم هو مستقبل مظلم ويشبه الكابوس. وأعتقد أن الوضع في صنعاء ربما أقل صعوبة لأنه أزمة جديدة وهناك مكاسب سياسة قد تحققت بالفعل من قبل المبعوث الخاص. يبدو أنه قادر على إحراز بعض التقدم مع الأطراف والأمور تسير في اتجاه أفضل مما كان قبل عامين. في غزة، أعتقد أن قضية المصالحة بين فتح وحماس ما زالت بعيدة. على الرغم من اقتراح أجراء انتخابات في المستقبل. أعتقد أنه حتى يكون هناك توجه فلسطيني موحد، فلن تكون هناك محاولة لتحقيق مصالحة مع إسرائيل. وأعتقد أنه من المهم أن يتقدموا في هذا الصدد.
لكنني أعتقد أن المأساة هي نفسها في أي أزمة، فدائما ما يعاني الأكثر فقرا والأكثر ضعفا ونفس الشيء ينطبق على فلسطين واليمن. أفقر الناس، الأشخاص الذين يعيشون في ظروف هشة للغاية، الأشخاص الذين تم التخلي عنهم أو الأشخاص الذين حُرموا من حقوقهم أو الأشخاص الذين ليس لديهم حكومة تعمل لصالحهم منذ حوالي أربع سنوات أو عقود، هم الذين يعانون. ما نراه هو مثال على تلك المعاناة، من خلال حياة الناس اليومية في كلا المكانين.
لكن الآن، لأنني في فلسطين، دعونا ننظر إلى فلسطين، فالناس يكافحون بشكل يومي بسبب البطالة على سبيل المثال: في غزة 54 ٪ من الأشخاص عاطلون عن العمل. وسبعة من أصل 10 أشخاص هم دون ال 30 عاما. أي أن سبعة من كل 10 أشخاص ليس لديهم وظيفة. يستيقظ الناس في الصباح وينظرون إلى هواتفهم المحمولة فيرون شبابا في الخامسة والعشرين من العمر في إيطاليا أو في لندن، ويقولون لأنفسهم: لماذا لا يمكنني الحصول على وظيفة وسيارة لماذا لا يمكنني أن أتزوج، أسافر، أتمتع بالحرية، بحياة طبيعية. حياتهم اليومية هي أشبه بالكابوس، لأنهم يعيشون في مكان بائس. هم ينظرون عبر آفاق البحر الأبيض المتوسط ويلاحظون أن الناس في الجانب الآخر يستمتعون بالعطلات وبحياة جيدة، وهم عالقون في القطاع. وأعتقد أن هذا البعد يؤثر عليهم ولهذا السبب أعتقد أن لدينا بعض المشكلات النفسية الخطيرة هناك. ولهذا السبب نرى ظاهرة الانتحار، ولهذا السبب يتعاطى الناس المخدرات. أعتقد أن الناس يحاولون فقط التخفيف من واقعهم. وأعتقد أن هذا هو السبب الذي أدى إلى بدء المظاهرات.
أخبار الأمم المتحدة: نعلم أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يراقب الوضع عن كثب من ناحية رصد تقدم المستوطنات وأمور أخرى. إذا قارنا ما وثقته الأوتشا هذا العام بالعام الماضي، أين نحن؟ هل تحسن الوضع؟
جيمي مكغولدريك: لا أعتقد أن الوضع أفضل. ولا أعتقد أن الإحصاءات تحكي القصة. ما يحكي القصة هو البعد الإنساني للأشياء. وإذا نظرت إليها من وجهة نظر خارجية، فإن التمويل الذي بحوزتنا أقل مما كان عليه في العام الماضي. كما تعلمين حصلنا على حوالي 57٪ من خطة الاستجابة الإنسانية التي وضعناها والتي تبلغ حوالي 200 مليون دولار. ويعني ذلك أن 40٪ من الناس الذين يجب أن نخدمهم -لأننا حددناهم على أنهم أشخاص يحتاجون إلى مساعدة- لن نمولهم ولن ندعمهم. فما هو الضرر الذي سيلحق بهم؟ سيصبحون أكثر ضعفا وأكثر فقرا العام المقبل.
وإذا كان التمويل يسير في نفس الاتجاه، فما هي الفرص المتاحة أمامنا لتلبية هذه الاحتياجات؟ لدينا أيضا تدهور اقتصادي، وشلل سياسي واحتياجات إنسانية متنامية. إنها التركيبة الأسوأ التي يمكن أن نحصل عليها. ولا نرى مخرجا منها. وما نحاول القيام به هو أن نناشد المجتمع الدولي، ونحاول إنقاذ هؤلاء الناس قبل أن يصبح الوضع أسوأ. وهذا لا ينطبق فقط على الأونروا بل على وكالات أممية أخرى، والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية التي تقوم جميعها بتوفير خدمات هناك. ثم يتعين علينا إيجاد طريقة لوقف هذا الانخفاض في التمويل الذي يحدث في غزة، وفلسطين التي لم تعد تتصدر أولويات الدول للتمويل. علينا أن تجد طرقا لإخبارهم هذه القصة، ولا أعتقد أن القصة الإنسانية وقطاع الصحة مثال جديد على ذلك.