لم تعتبر القيادة الفلسطينية الانتداب البريطاني عدوا حقيقيا للشعب الفلسطيني بل ظلت تعتبره وسيطا بينها وبين الحركة الصهيونية متناسية ان اصل الكارثة هو الاستعمار البريطاني وما وعد بلفور والاصرار المتواصل على تنفيذه الا الصورة الابهى لتلك المأساة التي وللأسف الشديد لم تلتفت اليها القيادة الفلسطينية آنذاك او تجاهلتها عامدة وفي كلتا الحالتين كانت النتيجة الكارثية التي وصلنا اليها والامثلة على ذلك كثير وكثيرة جدا وتناست القيادة الفلسطينية ولا زالت ان عصبة الامم اعطت لبريطانيا حق الانتداب على اساس وعد بلفور نفسه وبهدف تنفيذه بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وهو ما زالت تفعله اليوم وريثة عصبة الامم باسم منظمة الامم المتحدة ففي كتابه المؤرخ بتاريخ 2 مارس 1930 كتب الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن الى عصبة الامم نفسها ومن خلال المندوب السامي البريطاني بالنص ما يلي " لا يمكن أن يكون في فلسطين وطن قومي بدون رجال وبدون أراض، وإن تضييق هجرتنا لأسباب سياسية، أو وضع قانون يجعلنا غير قادرين على شراء الأراضي اللازمة لإنشاء مستعمراتنا، معناه الفعلي محو سياسة الانتداب نفسها " ومن الضروري ملاحظة قول وايزمن عن سياسة الانتداب نفسها مما يؤكد الادراك التام للمهمة الموكلة لبريطانيا في فلسطين عبر منحها الانتداب عليها ويحاجج وايزمن عصبة الامم مذكرا اياها بالهدف المنشود قائلا "وإذا كان حقنا في الإقامة بفلسطين يجب أن يتوقف على المنافع التي تعود على أكثرية سكانها الحقيقيين، فإن موقفنا لا يختلف أصلا عن أولئك المهاجرين الذين يدخلون بلاداً أجنبية...".
وهو يقصد هنا بوضوح انهم أي المهاجرين اليهود اصحب حق وليسوا مهاجرين لدولة اجنبية وان على عصبة الامم ان تلتزم بهذا الحق كما يشير. المصيبة جاءت في الرد الفلسطيني العجيب عبر كتاب الوفد العربي الفلسطيني الى لجنة الانتخابات الدائمة في جنيف كرد على كتاب وازمن لعبة الامم وقد جاء في ذلك الكتاب الموقع من سكرتير عام الوفد الفلسطيني عوني عبد الهادي ما نصه " إننا نطلب من اللجنة الموقرة أن تعرفنا من أين أتى هذا الحق الذي يصرح به الدكتور وايزمن، والذي يتهم بريطانيا وعصبة الأمم بعدم تنفيذه؟ فإذا كان مصدر هذا الحق بريطانيا العظمى التي منتهم بوعد بلفور، فإن بريطانيا قد صرحت بمثل هذه الوعود للعرب في عدة مناسبات، وإذا كانت بريطانيا قد داست بقدميها تلك الوعود التي قطعتها للعرب، ولم تعترف بالوثائق الرسمية المخطوطة التي لها قيمة معاهدة، فقد كانت على الأقل ذات إنسانية كافية تجعلها تساعد على بناء الوطن القومي اليهودي مع ضرورة احترام حقوق العرب المقدسة التي أكدها وزراء بريطانيا وممثلوها في عدة مناسبات باسم دولتهم " .
ما ورد في نص الكتاب الفلسطيني كارثي بكل المقاييس فهم هنا يستجدون حقهم ولا يعترضون على جريمة اللصوصية الاستعمارية بالقول بالمطالبة فقط باحترام حقوق العرب المقدسة كما ان جرأة وايزمن على مخاطبة عصبة الامم ذاتها جاء الرد عليها ضعيفا بمخاطبة لجنة الانتخابات في جنيف مما يعطي انطباعا بمواقف غير ثابتة ولا راسخة لقيادة يبدو انها لم تكن تدري ما تقول ولا ماذا تفعل فنحن هنا نتعامل مع العدو الحقيقي كوسيط مع جزئه الاساس فالحركة الصهيونية تدرك جيدا ماذا تريد من الانتداب البريطاني وهي في مراحل معينة اعتبرته عدوا بعد ان مكنت وجودها في فلسطين بل وقاومته بالقوة المسلحة وبكل وقاحة قال حاييم وايزمن عن الكتاب الابيض البريطاني الذي صدر عام 1939 لتهدئة العرب بالنص " على الحركة الصهيونية أن تحارب النازية وكأنه ليس هناك كتاب أبيض، وبنفس الوقت أن تحارب الكتاب الأبيض وكأنه ليس هناك خطر نازي " بما يعني استعداده لمحاربة بريطانيا نفسها وفي ردها على السياسة المعادية للصهيونية التي اتخذها وزير خارجية بريطانيا العمالي ارنست بيفن فقد قررت الحركة الصهيونية مقاومة بريطانيا بكل السبل بما في ذلك التخلص من بيفن نفسه ومقاومة الوجود البريطاني في فلسطين بالقوة.
في عام 1944 اعلن مناحيم بيغن انتهاء الهدنة بين منظمته والحكومة البريطانية وان على بريطانيا مغادرة فلسطين وفي تشرين ثاني 1944 قامت منظمة ليحي بقيادة اسحق شامير باغتيال اللورد موين في القاهرة لمعارضته الحركة الصهيونية في فلسطين " وفي تشرين الثاني 1945، نفذت الهاغاناه وليحي هجوماً مشتركاً ضد السكك الحديد في ليلة عرفت بـ "ليلة القطارات"، تم خلالها تخريب عدد كبير من شبكات السكة الحديد، وكذلك تدمير قاربي خفر سواحل أمام يافا وحيفا. وفي الشهر التالي، هاجمت إتسل معسكراً للجيش وبعض مباني الاستخبارات البريطانية. " وواصلت الحركة الصهيونية ارهابها ضد بريطانيا اكثر واكثر " وبعد ثلاثة أسابيع من ادعاء الهاغاناه بإيقاف عملياتها ضد القوات البريطانية، تم نسف فندق الملك داود في 22 تموز من العام 1946، والذي كان يضم مكاتب إدارة الانتداب البريطاني.
وقد أسفر الانفجار عن مقتل 91 شخصاً، بينهم 41 عربياً و28 بريطانياً و17 يهودياً وخمسة من جنسيات أخرى، بينهم أميركيون. وفي مقابلة صحافية صرح مناحيم بيغين زعيم "إتسل" متبجحاً بأن "النضال ضد الغازي البريطاني سوف يستمر حتى يغادر آخر بريطاني أرض إسرائيل" ".
أبدا لم نتعلم حتى يومنا ان الاستعمار والامبريالية هي العدو الاول لكل شعوب الارض وشعبنا في المقدمة منها ولازال بيننا حتى اليوم من يراهن على المشاريع الامبريالية في المنطقة وعلى الانصاف لقضيتنا من اعدائها الحقيقيين الذين صنعوا الصهيونية ولا زالوا يفعلون ذلك فتجدنا نرحب هنا ونثمن هناك موقفا امبرياليا او تصريحا لا يكاد يتعدى حدود الشفتين ان اشار بمجرد كلمة للحق الفلسطيني كما فعل كثيرين من زعماء اميركا جميعا وحتى ان ترامب لقي ترحيبا فلسطينيا في البدايات لبعض الكلمات عن ضرورة تقديم اسرائيل تنازلات دون ان نعرف ان هذه التنازلات قد تعني مثلا قبول هدايا ترامب لها بعد ذلك بالقدس والمستوطنات.
بقلم عدنان الصباح
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت