قال تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا "صدق الله العظيم .. إخوتي الأماجد أخواتي الماجدات أعزائي القراء أحبتي الأفاضل فما أنا بصدده اليوم هو تسليط الضوء على سيرة عطرة وذكرى طيبة لرجل من رجالات الوطن الأوفياء المخلصين ومن مغاوير الثورة الفلسطينية وأحد أبرز رموز التيار القومي في الوطن العربي ومن قيادة البعث في قطاع غزة في الخمسينيات وعلماً بارزاً من أعلامه الوطنية والفكرية وكاتب ومناضل وطني وقومي كبير وسبق وأن شغل منصب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين.
ولد المرحوم القائد المناضل الوطني الكبير/ عبدالله عبدالهادي عبدالرحمن الحوراني المكنى بــ"أبو منيف" في عام 1936,في قرية المسمية في فلسطين المحتلة 1948م وهاجر مع والدية الى قطاع غزة في 1948م وهو لم يتجاوز اثنا عشر عاماً من عمره, كباقي العائلات الفلسطينية بقوة السلاح إلى مخيمات اللاجئين, بعد استشهاد اثنين من أشقائه في معركة بيت دراس مع الكثير من شباب قرية المسمية، الذين هبوا لنجدة قرية بيت دراس من عدوان العصابات الصهيونية آنذاك حيث استقرت العائلة في مخيم خان يونس, نشأ فقيد الوطن المغفور له بإذن الله تعالى / عبدالله الحوراني في كنف أسرة فلسطينية متواضعة لاجئة مناضلة محافظة على تقاليد المجتمع الفلسطيني وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف, متزوج وأب وله من الأبناء أربعة أولاد (منيف، عمرو، معتز، خالد), وقد تلقى تعليمه الدراسي الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث اللاجئين الفلسـطينيين (أونروا) في مخيم خان يونس وأكمل دراسته الثانوية في مدرستي الإمام الشافعي وخان يونس بقطاع غزة، بعد حصوله على الثانوية العامة في قطاع غزة أنتسب إلى جامعة عين شمس بالقاهرة وأنهى السنة الثالثة ثم عين معلماً وبعدها مديراً لمدرسة أحمد عبدالعزيز في مخيم اللاجئين في خان يونس. محطات مضيئة في حياة فقيد الوطن المغفور له :-
عبدالله الحوراني حفر مسيرته الفلسطينية انطلاقا من مدارس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين في مخيم خان يونس طالباً ومعلماً ومديراً للمدرسة وصولاً إلى كلية الآداب في جامعتي القاهرة ودمشق اللتان شكلتا بالنسبة له مدخلاً مساعداً ساهم إلى حد كبير في تحوله السياسي والفكري، انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في منتصف الخمسينات من القرن الماض وشارك بنشاط فعال ضد مشروع توطين اللاجئين في سيناء الذي أسقطته هبة آذار عام 1955م، كما ناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1956م، إبان العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة حيث أعتقل وتم الإفراج عنه بعد رحيل الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة. بسبب نشاطه السياسي في حزب البعث العربي الاشتراكي وعلى أثر اختلاف حزب البعث مع الرئيس الراحل/ جمال عبد الناصر أبعد عبدالله الحوراني عن قطاع غزة بتاريخ 13/9/1963م حيث سافر إلى دبي وعمل مدرساً هناك، ثم أبعد منها إلى دمشق بسبب نشاطه السياسي حيث عمل في حقل الاعلام فيها، وعين مديراً لإذاعة فلسطين ثم مديراً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري ومديراً عاماً لمعهد الإعلام أيضاً، حصل عبدالله الحوراني على ليسانس الآداب في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1964م. التحق بالثورة الفلسطينية كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1969م ثم عمل منذ عام 1973م مديراً عاماً لدائرة الإعلام والتوجيه القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة خلال الفترة من (1984 – 1994م) ورأس وأسس الدائرة الثقافية في المنظمة، وأشرف على كل الأنشطة الثقافية الفلسطينية. أقام علاقات وطيدة مع كافة الأحزاب التقدمية والشيوعية العربية والعالمية وكذلك مع البلدان الاشتراكية آنذاك.
هو أحد أبناء رجالات النكبة الذين واجه كل منهم بأسلوبه الخاص ورؤيته الخاصة عذابات التطهير العرقي والتهجير القسري ومآسي التشرد والعذاب والفقر لأهلنا من ديارهم الأصلية. أصدر مجلة (بيادر الفلسطينية) وأشرف عليها في الفترة من (1988 – 1993). عارض أتفاق أوسلو وأستقال من اللجنة التنفيذية لذلك، وأستمر في رئاسة اللجنة السياسية للمجلس الوطني الفلسطيني. يعتبر من المناهضين للعدوان على العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية، وقاد اللجنة الشعبية الفلسطينية لنصرة الشعب العراقي، كما ربطته علاقة حميمة وقوية مع الرئيس الراحل/ صدام حسين. قام بتوفير المنح الدراسية للعديد من الطلبة الفلسطينيين في الدول الاشتراكية. كان جل اهتمامه بالقضايا الوطنية والقومية والإنسانية فكرياً وسياسياً، نشط في مجال الكتابة الملتزمة، قام بإلقاء العشرات من المحاضرات وأقام الندوات والمؤتمرات في عدة دول، له عدة مؤلفات.
عاد أبو منيف إلى مدينة غزة بتاريخ 13/9/1994م. أسس المركز القومي للدارسات والتوثيق في غزة الذي صدر عنه العديد من الكتب الهامة حيث كان رئيساً لهذا المركز. يعتبر من أهم المختصين بقضية اللاجئين والمدافعين عن حق العودة، كان نموذجاً فريداً حيث يقرأ خارطة الأشياء جيداً، لذلك فإن مواقفه المبدئية وقراءته وتحليلاته تشكل مرجعية هامة للباحثين عن الحقيقة وسط هذا الركام من الخراب الهائل. كتب فقيد الوطن المغفور له القائد الوطني الكبير/عبد الله الحوراني عدة مؤلفات في المجال السياسي- الفكري، منها: - التطبيع الثقافي وأثره في الصراع العربي الصهيوني. - التحالف الغربي الصهيوني والأمة العربية. - رؤية عبد الناصر للصراع العربي الصهيوني. - اللاجئون الفلسطينيون ـ قضية وموقف. - فلسطين في حياة جمال عبد الناصر. وله عدد من المخطوطات، منها: - لماذا نكتب ؟ ولمن ؟ .. رؤية للوضع الفلسطيني. - لماذا نكتب ؟ ولمن ؟ .. رؤية للوضع العراقي. - لماذا نكتب ؟ ولمن ؟ ..
رؤية للوضع العربي. - لماذا نكتب ؟ ولمن ؟ .. دراسات وابحاث. لم يمهله المرض طويلاً فقد وافته المنية ظهر يوم الاثنين الموافق 29/11/2010م في إحدى المستشفيات بالعاصمة الأردنية عمان، وذلك بعد صراع طويل مع المرض, فقد شاءت الأقدار أن يكون يوم رحيله هو نفس يوم ذكرى قرار التقسيم، واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني عن عمر ناهز الـ76 عاما تم دفن الراحل الكبير في عمان وأقيم له سرادق العزاء في عمان ورام الله وغزة حيث نعته القيادة الفلسطينية والرئيس/ محمود عباس وفصائل العمل الوطني والإسلامي.
قلد سيادة الرئيس محمود عباس المناضل عبدالله الحوراني وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا في الذكرى الاولى لرحيله في نوفمبر 2011. ملاحظة :- تكريماً للراحل الكبير فقد أصدر سيادة الرئيس محمود عباس قرارا باطلاق اسم عبدالله الحوراني تخليدا لذكراه في 2012 على 'المركز القومي للدراسات والتوثيق' الذي أسسه الراحل وأصبح مسماه الآن 'مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق'. رحم الله فقيد الوطن المغفور له بإذن الله تعالى: عبدالله الحوراني " أبو منيف" وأسكنه فسيح جناته
بقلم :- سامي إبراهيم فودة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت