تسلط المخرجة الفلسطينية سوسن قاعود في فيلمها الوثائقي الجديد (حارس الذاكرة) الضوء على مبادرة شخصية لشاب أسعدت الكثيرين يأخذ فيها بعض اللاجئين الفلسطينيين في رحلة إلى قراهم التي رحل أو أجبر أهلهم على الرحيل عنها عام 1948.
واختارت سوسن أن تعرض فيلمها للمرة الأولى مساء السبت في مسرح قاعة بلدية رام الله بعد عام من التصوير والتنقل بين قرى مهجرة لم يبق منها سوى حجارة بيوتها القديمة ومدن تغيرت ملامحها عبر السنين.
وقالت سوسن لرويترز بعد عرض (حارس الذاكرة) إنه يؤكد ”أهمية المبادرة الفردية في عمل إنجاز كبير.. فكل واحد فينا عنده بحث عن الذات وخصوصا إذا كنت لا تعرف من أين أنت“.
وأضافت ”حبيت العمل الذي يقوم به طارق البكري.. وبعد نقاش أقنعته بعمل فيلم وثائقي عن عمله.. رغم تردده في البداية إلا أنه عاد واقتنع بالفكرة“.
وأوضحت أنها بالتعاون مع نادي السينما الفلسطيني قررت أن يكون العرض الأول لفيلمها للجمهور الفلسطيني بحضور العديد ممن شاركوا فيه.
وتشير المصادر الفلسطينية الرسمية إلى أن 800 ألف فلسطيني رحلوا أو أجبروا على الرحيل عن منازلهم عام 1948 وأصبحوا لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة والعديد من الدول العربية والأجنبية.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم تجاوز 5.4 مليون لاجئ.
بدأ الشاب طارق البكري (33 عاما) الحاصل على شهادة الهندسة بمبادرة ذاتية قبل ثماني سنوات بتوثيق القرى الفلسطينية المهجرة منذ العام 1948 حيث يصل عدد هذه القرى إلى حوالي 500 قرية.
ومع مرور الوقت تطورت الفكرة لديه وانتقل من التصوير الفوتوغرافي لهذه القرى إلى التواصل مع بعض اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات ومقارنة الصور القديمة لديهم مع صور يلتقطها لواقع قراهم ومدنهم الحالي من أجل المقارنة والبحث عن منازلهم فيها.
ويتضمن الفيلم تقديم مشاهد لما يقوم به البكري من اصطحاب لعدد من اللاجئين الفلسطينيين سواء من الضفة الغربية أو من الشتات الذين يستطيعون العودة بجوازات سفر أجنبية من الدول التي لجأوا إليها لزيارة قراهم أو مدنهم التي رحلت أو أجبرت عائلاتهم على الرحيل عنها عام 1948.
وأوضحت سوسن في مداخلة لها بعد الفيلم أنها رافقت البكري في العديد من الجولات التي نظمها لأناس زاروا قراهم ومنازلهم وما تم عرضه في الفيلم هو جزء مما تم تصويره.
ويوثق الفيلم عودة ثلاثة أجيال من الفلسطينيين لزيارة منازلهم منهم من هاجر وكان عمره عشر سنوات مثل الحاجة حليمة في العقد الثامن من عمرها التي عادت إلى مسقط رأسها في قرية بيت نبالا المهجرة وحملت معها بعضا من ترابها وزرعت فيه نبات النعنع في بيتها في مخيم الجلزون لتبقى تشتم رائحة قريتها.
ويقدم الفيلم حكاية عشق الجيل الثالث من الفلسطينيين الذي ولد وتربى بعيدا عن أرضه من خلال قصة زينة 37 عاما التي تعيش عائلتها في كندا وكيف قررت العودة إلى مدينة عكا للبحث عن أقاربها وبيت عائلتها ليلحق بها والدها بعد أشهر ويحاول أن يتذكر مكانا غادره عندما كان في الخامسة من العمر.
يأخذ الفيلم جمهوره على وقع الموسيقى التي أعدها الموسيقار الأردني الفلسطيني وليد الهشيم ومقاطع من أغاني التراث إلى العديد من المشاهد المضحكة والمبكية لأناس يرون قراهم ومدنهم للمرة الأولى.
ويرى البكري أن تجربة اصطحاب الناس إلى قراهم وبيوتهم للمرة الأولى ليست سهلة.
وقال للجمهور بعد العرض ”كل الأحداث اللي الواحد بعيشها مش سهلة كل حدا بيجي من الشتات بحط حالي محله كيف رح يشوف البلد وإذا لقى بيتهم أم ما لقيه.. أحيانا كثير ببكي مع الناس“.
وأضاف ”المهم يكون هذا الجسر الفلسطيني-الفلسطيني لمساعدة الناس اللي في الشتات اللي بيفكروا بفلسطين“.
وأوضح البكري أنه انتقل من مبادرته الذاتية قبل ما يقارب العام ليؤسس عملا جماعيا تحت عنوان (كنا ولا زلنا).
وقال ”انتقلت في المبادرة من الفرد إلى الجماعة واليوم في شباب وصبايا متطوعين وواخدين التوثيق على عاتقهم.
وترى مخرجة الفيلم أنه إضافة إلى ما يقدمه من توثيق لما يقوم به البكري فإنه يحمل رسالة توعية ”وربما نشاهد المزيد من اللاجئين الذي سيعودون للبحث عن منازل عائلاتهم“.