مغامرة حماس الأخطر

بقلم: محمد المصري

محمد المصري

يجب الإشارة بكثير من التأكيد أن حركة حماس تتغير على مستويات متعددة، فمنذ أن أطلقت وثيقتها قبل عدة سنوات وحتى ما ينشر الآن عن قرب التوقيع على اتفاق مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما، وحماس تتحرك على صعيدين مختلفين ومتنافرين أيضاً، فمن جهة تحاول أن تدير حواراً عقيماً لم يؤد إلى نتائج حتى الآن مع السلطة الوطنية ولا مع حركة فتح ولا حتى مع شركاء آخرين، ومن جهة أخرى فهي تدير حوارات علنية وسرية مع أطراف إقليمية ودولية من أجل أن تحصل على الاعتراف والقبول والشرعية لاختطاف قطاع غزة أو اختطاف القرار الفلسطيني.

يبدو أن حركة حماس أدركت انها لا تستطيع أن تدير قطاع غزة وحدها دون أن يكون هنالك من يمد هذا القطاع بالمال والغذاء وغير ذلك، وأنها لا تستطيع البقاء هكذا محاصرة دون أن تجد شركاء آخرين لهم مصلحة في الاتفاق معها، وهم كثر.

أدركت حماس أنها تستطيع أن تبحث لها عن أدوار أخرى غير دور "المقاومة" وغير دور الممانعة أو حتى أن تحجز مقعداً في حلف اقليمي يتداعى بشكل أو بأخر.

أدركت حماس انها لا تستطيع أن تحجز لها مقعداً أيضاً في الإنتقال من خندق إلى خندق أخر، أو أن تنقل السلاح من كتف إلى كتف. وما كنا نريد أن نقول ذلك بكل هذه الطرق لولا التطورات المتسارعة التي حصلت في الآونة الاخيرة.

فمن الواضح أيضاً أن حماس وجدت أن حبل المناورة يضيق حولها، وحبل الألاعيب السياسية ينقطع بها فجأة، عندما طرح الرئيس محمود عباس خيار الانتخابات كوسيلة حضارية وديموقراطية للخروج من المأزق المسدود الذي وصل إليه النظام السياسي الفلسطيني وكذلك المشروع الوطني الفلسطيني.

إن ضيق الهوامش والألاعيب والخدع البهلوانية التي تلجئ إليها حركة حماس تظهر أمام الشعب الفلسطيني وكأنها الطرف المظلوم، لم يعد ينطلِ على أحد وخاصة بعد تخاذلها في العدوان الذي تعرضت له حركة الجهاد الاسلامي، وكذلك في إقامة المستشفى الأمريكي على مساحة 40 دونم من أراضي قطاع غزة، وكذلك التصريحات العلنية التي يطلقها الطرف الإسرائيلي عن قرب التوقيع على اتفاق هدنة مع حماس، والأهم من ذلك ما يصرح به بعض قياداتها وشخصياتها المركزيين بالقول أن التهدئة مطلوبة لاستراحة المحارب فيما يقول آخرون كالمدهون أن انفصال غزة يشكل أحد مطالب حركة التحرر الوطني باعتبار غزة أرض محررة.

هناك حراك علني وسري باتجاه التوقيع على هدنة طويلة الأمد قد تستمر لمدة خمس سنوات أو ربما أكثر، وما سفر إسماعيل هنية إلى الخارج في رحلة قد تستمر ستة أشهر إلا من أجل ترتيب الأوراق والخروج بموقف إخواني إقليمي أو عالمي يبرر أو يشرعن إو يغطي هذا الاتفاق. فمن الواضح أن هذا الاتفاق إن تم فسيعني دفن الوحدة الوطنية ودفن الدولة الفلسطينية وإخراج الحركة الوطنية من دائرة الصراع، وما يشكل ذلك من طعنة بخلاء في قلب الأجيال الفلسطينية التي حلمت بسيادة وكرامة وأرض.

إن حركة حماس وهي تفعل ذلك – ونرجو ونأمل ألا تفعل- لا بد لها من أن تستمزج وأن تطلب رأي دول الجوار ودول إقليمية أخرى، كما ستحاول أن

ترتب أوراقها مع حلفها التي تدعي أنها جزء منه، كما ستحاول أن ترضي أو تلتف أو تسكت حلفاءها وشركاءها في القطاع أيضاً.

إن اتفاقاً مثل الذي يتم الحديث عنه، لابد له من رؤى جديدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو حلحلته، وهذا يقود إلى صفقة القرن، وفيما إذا طبقت أم لم تطبق حتى الآن.

إن فصل القطاع من خلال اتفاق تهدئة أو اغراءات اقتصادية أو تحقيق أحلام سياسية لحركة حماس أو الإخوان المسلمين هو في قلب صفقة القرن، وإن إنهاء إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع هو في قلب صفقة القرن. وإن إخراج حركة التحرv الوطني بجناحيها الوطني والإسلامي هو في قلب صفقة القرن، وإن تفكيك الجبهة الفلسطينية وتفكيك الإقليم العربي هو في قلب هذه الصفقة أيضاً.

برأينا، فإن جوهر صفقة القرن هو فصل القطاع عن الضفة أولاً، ثم دمج إسرائيل في المنطقة العربية ثانياً، ثم تجاوز القرارات الدولية المتعلقة بإنهاء الاحتلال والعمل على إعادة إنتاج هذا الاحتلال وشرعنته وتحويله إلى قضية إسرائيلية داخلية ثالثاً. إذن فإن اتفاق حماس مع إسرائيل هو تعطيل لمسار الصراع ومآلاته ونهاياته، وإحباط للشعب الفلسطيني وتقزيم لأحلامه وآماله.

وليس من المنطقي أن تبرر حماس ذلك بالحصار والخلاف مع حركة فتح واجراءات السلطة الوطنية، وليس من المنطقي أن يقال إن هذا بسبب الواقعية أو بعد نظر أو حسن التدبير أو فن السياسة. فالخسارة الحاصلة أكبر من أية نتائج.

إن براغماتية ومرونة حماس وصلت إلى درجات لا يمكن إلا أن توضع في مكانها، أي أن هذه الحركة حركة سياسية بامتياز لها أهداف دنيوية بامتياز وأن النصوص الشرعية جاهزة دائماً لديها للتبرير، من تبرير رفض المشاركة في انتخابات 1996، إلى تبرر المشاركة في انتخابات 2006، وجاهزة لتبرير تخريب الاتفاق مع إسرائيل عندما تريد، وجاهزة أيضاً لتبرير الاتفاق معها عندما تريد.

وللدقة أيضاً، نقول أن الاتفاق قد لا يحصل لألف سبب وسبب، فإن أخطاء بشرية ممكنة قد تخرب هذا الاتفاق أو توقفه، كما أن موقف الشرعية الفلسطينية سيسحب عن هذا الاتفاق أية شرعية أو شمول، كما أن أي تغير

سياسي في إسرائيل أو الولايات المتحدة قد يلغيه، وبالتالي فهو اتفاق في مهب الريح تماماً. أي أن حركة حماس تشتري سمكاً في بحر.

المهم في هذا كله. أن السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح وباقي فصائل منظمة التحرير مطلوب منها وبسرعة عدم الدهشة إذا وقع مثل هذا الاتفاق، ولكن الأكثر دهشة أن ننتظر حتى يقع. اذ لا بد من خطة اعتراضية وسريعة لإحباط ذلك، بالتنسيق مع كل الدول ذات العلاقة، وخاصة الشقيقة مصر والتي لن توافق على فصل غزة عن الضفة تحت أي مسمى، وتبيان أن مثل هذا التوقيع ضار بمستقبل الشعب الفلسطيني كما هو ضار بمستقبل المنطقة. فهو لن يجلب السلام اصلاً، بل على العكس من ذلك، سيكون سبباً اخر لإشعال الوضع والمنطقة من جديد.

إذ أن حماس هذه المرة، لا تنفرد بقرار الحرب وإنما تنفرد أيضاً باختطاف جزء من الوطن بحجة الواقعية أو بسبب الضغط أو الاغراء أو كل ذلك مجتمعاً. ولأن ذلك ليس من الواقعية بشيء، فإنه يجب كف يد حماس عن هذه المغامرة الأخطر، وحينها نقول حماس فاجأتنا.

اللواء د. محمد المصري

09/12/2019

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت