خلصت دراسة أعدتها إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان إلى أن الغالبية العظمى من البنوك في العالم العربي تغض النظر تمامًا عن أهم المعايير التي تُلزمها باحترام حقوق الإنسان خاصة المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي أقرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو من عام 2011.
يعني ذلك أن البنوك يُمكن أن تُشكل بوابة واسعة لتمويل انتهاكات حقوق الإنسان كونها تساهم بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ بتسهيل ارتكاب تلك الانتهاكات.
وتوصلت الدراسة الأولى من نوعها في العالم العربي، والتي استهدفت 42 بنكًا موزعين على 14 دولة، إلى أن المؤسسات المالية في المنطقة لا تمتثل لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية، وهي بالتالي لا تلحق الضرر بنزاهتها وحسب، وإنما بحقوق ومصالح المواطنين الذين يتعاملون معها.
ومن بين البنوك التي أجريت عليها الدراسة حصل ثلاثة بنوك فقط -أحدهما في المغرب والأخريان في قطر- على الحد الأدنى المطلوب لإثبات أن البنك يحقق تقدمًا مُرضيًا في دمج المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة في ممارساتها التجارية.
واعتمدت الدراسة في تقييمها التزام البنوك بالمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان على أربعة معايير أساسية؛ وهي توفر سياسات واضحة لحقوق الإنسان في البنوك، والالتزام بالعناية الواجبة في تنفيذ أنشطتها، والإبلاغ عن مدى الامتثال، وتوفر آليات المعالجة والشكاوى في حال حدوث أية انتهاكات.
وفي الوقت الذي يُحتمل أن تتسبب فيه بعض أنشطة البنوك بأضرارٍ تمس شرائح واسعة من المجتمع، كالأنشطة المتعلقة بتمويل المشاريع التي تنطوي على انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان؛ مثل عمالة الأطفال ومشاريع الاتجار بالبشر وغيرها من الأنشطة التي تجري بشكلٍ غير شرعي، فإن نحو 80 في المئة من البنوك لا تبذل أية جهودٍ جوهريةٍ لأخذ أثر وعواقب أنشطتها بعين الاعتبار.
يعني ذلك بأن هناك احتمالًا كبيرًا بأن معظم البنوك في العالم العربي يُمكن أن تساهم بتسهيل ارتكاب انتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق الإنسان، من خلال تغاضيها عن اتخاذ إجراءات لتوخي العناية اللازمة وإجراء مشاوراتٍ مجديةٍ مع الجهات التي يُحتمل أن تتأثر بعملياتها، إلى جانب عدم تطوير نماذج إبلاغ تسمح بتقييم الأثر الحاصل على بعض جوانب حقوق الإنسان.
ومن الأمثلة التي أشارت لها الدراسة ما كشفه وزير العدل في السودان في شهر نوفمبر عام 2016 عن تورط بعض البنوك وموظفي المصارف التجارية في قضية تلاعب قامت بها 34 من شركات الأدوية، حيث تم التلاعب بعائدات الصادرات غير النفطية المخصصة لاستيراد الأدوية، وهو مبلغ يعادل ما يقرب من 230 ميلون دولارًا.
ويعد بذل العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان جوهر المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة الخاصة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب تقييمًا للأثر السلبي المحتمل أو الفعلي متبعًا بإجراءات للتخفيف منه أو إيقافه، ومن ثم تعميم النتائج.
إلى جانب ذلك، لا تتبنى أي من البنوك المستهدفة في الدراسة آليات تظلم للوفاء بالمعايير الدنيا، الأمر الذي يجعل من الصعب على الأفراد والجماعات الإبلاغ عن مشكلاتهم أو تلقي ردود حولها.
وبالمثل، لا توضح البنوك أي شيءٍ يتعلق بعمليات المعالجة لانتهاكات حقوق الإنسان الموضحة في تدابير الحرص الواجب الخاصة بها. وبحسب الدراسة، يرجع ذلك بشكلٍ أساسيٍ إلى أن 74 في المئة من البنوك في العالم العربي لا تقوم فيها الإدارات العليا باعتماد سياسات عامة تتعلق بحقوق الإنسان.
وخلصت الدراسة إلى وجوب تقديم البنوك في الشرق الأوسط تقارير أكثر علنية ودقة حول معاملاتها، ومدى اتساقها ومعايير الأمم المتحدة والمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
وأوصت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان بأن تحذو البنوك في العالم العربي حذو بنك (ABN) الهولندي، والذي أصدر تقريره الثاني الخاص بحقوق الإنسان لهذا العام. وبالرغم من أنه أصدر تقريرين فقط، منذ عام 2016، فإن مثل هذا النوع من السجلات العامة يجب أن يُصدر سنويًا ويخضع لمراجعة وتعليق المجتمع