الشهر الماضي نوفمبر 2019 بدأ حراك كبير في الحالة الفلسطينية أو بالأخص في الحالة الحمساوية وهو متواصل خلال هذا الشهر ديسمبر 2019.
بمراجعة تلك الأحداث/ المؤشرات، التي بدأت فجأة:
1- في 30/10/2019 إشعال النار حول محمد دحلان الشخصية الأقوى لخلافة الرئيس عباس وبدأ عملية حرق متدحرجة إنظلقت في الساعات الأخيرة لشهر أكتوبر بالهجوم من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ، متهما دحلان في ملفات عدة ونالت الإمارات نصيبا من انتقادات وزير الخارجية التركي، إذ قال "هناك إرهابي اسمه محمد دحلان، وقد هرب عندكم لأنه عميل لإسرائيل"، ويتعلق الأمر بالقيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والذي يقيم حاليا في أبو ظبي. وأضاف الوزير أوغلو أن "الإمارات حاولت أن تأتي بدحلان بدلا من أبو مازن، ونحن نعرف جميع هذه الأمور"، في إشارة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الذي أصدر في العام 2012 قرارا بفصل دحلان من حركة فتح بعد اتهامه بالتورط في قضايا فساد.
2- في 12/11/2019 تصرف حماس وفجأة ودون المعهود عند إندلاع الهجمات على غزة بترك حركة الجهاد الإسلامي تدير معركتها مع الإحتلال وحدها بعد إغتيال قائد كبير من حركة الجهاد الإسلامي الحليف المقاوم الأول والأكبر لحماس في 12/11/2019 مما فجر أزمة مع حركة الجهاد سارعت حماس لتصليحها بسرعة.
3- في 22/11/2019 تواصل تركيا عملية حرق الشخصية الفلسطينية الفتحاوية الأقوى لمنافسة للرئاسة القادمة حيث أعلنت تركيا يوم 22/11/2019 أنها ستدرج المسؤول الفلسطيني السابق المقيم في دولة الإمارات محمد دحلان في قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، وعرضت 700 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لإلقاء القبض عليه. 4- في 26/11/2019 أعلن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موافقة حركته على خارطة الانتخابات التشريعية والرئاسية.
4- الأسبوع الأول من ديسمبر أعلنت حماس على لسان خليل الحية عضو مكتبها السياسي، أن المستشفى الأمريكي تابع لجمعية خيرية أمريكية هي Friend Ships، وقد عرضت حماس فكرة المستشفى على الفصائل، ووافقنا عليها جميعاً، وحازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال لـ»عربي بوست» إن «المستشفى جزء من التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية مصر وقطر والأمم المتحدة.
5- في 9/12/2019 اعلن رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر ان حركة حماس وافقت على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفق الرؤية التي قدمها رئيس السلطة محمود عباس. وقال في رسالة وجهها الى أبو مازن ان المدة المطلوبة لإجراء هذه الانتخابات هي ما بين أربعة وسبعة أشهر من تاريخ إصدار المرسوم الخاص بالأمر.
6- في 14/12/2019 يستقبل أردوغان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية ويصدر بيان عن اللقاء به ما يلي : "بحث التطورات المتعلقة بالانتخابات الفلسطينية المزمع عقدها، ودور الحركة في تذليل العقبات أمام إجرائها، وكذلك الجهود المبذولة من أجل تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام".
كلها مؤشرات عن تعاطي حماس بإيجابية وتسرع غير معهود لموضوع الانتخابات يشير إلى أن أشياء تطبخ منذ فترة من خلال قطر وتركيا لإظهار حماس بالإعتدال والمسؤولية لدى العرب وأوروبا والولايات المتحدة وهذا جيد ولكن السياسة وتحولاتها ليست بالشيء البريئ وهناك ثمن مقابل للتحولات.
وعلى ما يبدو أنهم يمهدون الأرضية لتسلم حماس السلطة في ظل أوضاع معقدة أثبتت حماس بأنها يمكن أن تتحمل المسؤولية وتتراجع عن تهديد أمن إسرائيل ودخولها العملية السياسية كحاكم للسلطة وقائد لمنظمة التحرير في المرحلة المقبلة ، ولذلك كان الهجوم مبكرا من أردوغان وتركيا على محمد دحلان كشخصية منافسة للرئاسة لإزاحتها من الطريق وأما فتح فإنها مترهلة منقسمة لن تستطيع إنجاح مرشحها للرئاسة خاصة بأنها ليس لديها مرشحين يحظون بأصوات غير فتح من التيارات الاخرى والمستقلين لتؤول الرئاسة لحماس ومرشحها وتحقيق حلم أردوغان وقطر القديم بتولية خالد مشعل الرئاسة في فلسطين كقائد متقدم لجماعة الإخوان المسلمين في العالم.
وكما نرى بعد 13 عام من محاولة جماعة الاخوان المسلمين عبر حماس الإشتباك مع السلطة وفتح للإحلال محلها من أيام الرئيس عرفات كانت عيون الحمساويين تتجه لإزاحة دحلان الرجل القوي القادم في فتح فتنكسر فتح وهذا ما حصل فعلا، فقد ضعفت فتح بتصرفات عباس مع دحلان وضعفت مؤسسات منظمة التحرير التمثيلية أكثر في وقت لم تنفك جماعة الإخوان المسلمين من العمل المستمر للظفر بموقع رئاسة السلطة ورئاسة منظمة التحرير والتي إنطلقت حماس من أجلها. هذا هو القادم وقد يكون الرئيس عباس إن لم يعرف ذلك مسبقا قد شعر به الآن، أو لديه معلومات تجعله يتأخر أو يتغاضى عن إصدار مرسوم الإنتخابات لأن حماس ستصارع بالتأكيد على موقع الرئيس، فهل قرأها عباس وفريقه جيدا من الهجوم التركي كرأس حربة لجماعة الإخوان المسلمين على خصمه الفتحاوي دحلان ولذلك إتعظ وأحجم عن الإستجابة لإصدار مرسوم الإنتخابات، أم أنه يعرف منذ البدء ويريد تسليمها لحماس وهو مخرج آمن له من صراعات فتح التي قد يناله جزء من مضاعفاتها وأنها تحقق رؤيته للسلاح الواحد وهو أن تصبح حماس وخالد مشعل في الرئاسة وحينها فإن المسؤولية أمام الواقع الجديد تحتم إنتظام القسام وأسلحته في جيش واحد يحل المعضلة الأمنية الفلسطينية والتي من المستحيل حلها إلا بهذه الطريقة..
دهاليز السياسة وعرة رغم أن علامات كثيرة يمكن ربطها للوصول لرؤية لما يحدث ولا تحتاج لمعلومات لمن يتابع ويربط الأحداث بحنكة.
د. طلال الشريف
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت