توقعات 2020: المواجهة مع إيران ستستمر، فقط ستغير صورتها

بينيت خلال جولة قام بها مع رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي في مرتفعات الجولان

وكان رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو قد عاد وحذر هذا الأسبوع، في مستهل كلمة له أمام جلسة الحكومة، بأن إسرائيل سترد على أي اعتداء من قِبَل إيران أو حزب الله. واقتبس نتنياهو ما زعم أنه تهديد صادر عن أحد كبار الجنرالات في الحرس الثوري الذي هدد بأن إيران ستدمر تل أبيب بإطلاق الصواريخ من لبنان، (الأمر الذي عاد ونفاه الحرس الثوري معلناً أنه جرى تحريفه). وقال نتنياهو: "إذا ما تجرأ حزب الله على مهاجمة إسرائيل فإن الحزب والدولة اللبنانية، التي تسمح له بشن الهجمات ضدنا من أراضيها، سيدفعان ثمناً باهظاً جداً". وكان وزير الأمن نفتالي بينيت قد هدد قبل أيام معدودة من ذلك بتحويل سورية إلى "فيتنام إيران".  

وفي الجلسات المغلقة، وبشكل مفاجئ أيضاً خلال اللقاءات مع النظراء الأجانب، يتحدث أعضاء المستوى السياسي ومستشاروهم بلغة أكثر حدة، والتي تدفع محاوريهم، في بعض الأحيان، إلى الانكماش. وقد اعتاد وزراء المجلس الوزاري المصغر خلال الشهور الأخيرة على الاستماع من نتنياهو إلى نغمات رهيبة حول عودته للاهتمام بالقضية الإستراتيجية المفضلة عليه ألا وهي إيران. ويتحدثون في محيطه عن الجهد الإيراني لمد "طوق النار" حول إسرائيل، أي وضع صواريخ تهدد كل الأراضي الإسرائيلية من عدة جبهات: لبنان وسورية والعراق وقطاع غزة. وتم هناك وصف تجديد المحاولات لإقامة خطوط إنتاج مكثف للأسلحة الدقيقة في لبنان على أنه سبب كافٍ لشن الحرب.    

ويؤمن بينيت بتبني خط عمل مبادر وحازم في الشمال. وهو قد أطلق يوم أمس، في نهاية الزيارة التي قام بها لقوات الجيش (الإسرائيلي) التي شاركت في المناورة في هضبة الجولان، برفقة رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، أطلق تهديداً قوياً حيث قال: "كلما حاولت إيران ترسيخ تواجدها على الأراضي السورية فإنها ستغرق في رمالها". وأضاف بينيت: "إننا نزيد الضغط". ويرى وزير الأمن أن "الانتظار والاحتواء ليسا خياراً". وعندما يدور الحديث عن رجالها فإن إيران حساسة تجاه الخسائر في صفوفهم. وحسب رأي بينيت فإنه يمكن إبعاد القوات العسكرية (الإيرانية) والميليشيات الأجنبية التابعة لها من الأراضي السورية عن طريق خطوة تدار بشكل جيد.

وكان معهد القدس للإستراتيجية والأمن قد نشر هذا الأسبوع توقعاته للسنة القادمة. ويتوقع المعهد - الذي يضم بين أعضائه اللواء الاحتياط يعقوب عميدرور، وهو مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو – يتوقع "أن تواصل إيران إفراغ الاتفاق النووي من مضمونه وأن تعجّل، وربما بشكل دراماتيكي، جمع المواد الانشطارية الضرورية للسلاح النووي. وسيستمر الضغط الأقصى الذي تمارسه واشنطن في تقويض الاقتصاد الإيراني، وسيواجه النظام أزمة أشد خطراً من أي وقت مضى".

وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لإسرائيل؟ يعني أن "هناك احتمالاً كبيراً لحدوث استفزازات من جانب إيران. وبدءاً من منتصف 2020، هناك احتمال لحدوث مواجهة بسبب زيادة وتيرة النشاطات الإيرانية لتكديس المواد الانشطارية، الأمر الذي يتطلب استعداداً عسكرياً مستقلاً من جانب إسرائيل". والتوقعات بشأن شمال البلاد هي ليست أكثر تفاؤلاً: "المطلوب هو الاستعداد لاحتمال حدوث سيناريوهات خطيرة بما في ذلك احتمال اتخاذ قرار من قِبَل إسرائيل للمبادرة بحرب وقائية ضد حزب الله".  

ومن شأن التوتر على الساحة الشمالية ـ التي شهدت هذا الأسبوع مناورة قام بها الجيش الإسرائيلي للرد على سيناريو هجوم للكوماندوس من جانب حزب الله واحتلال بلدات على طول الحدود ـ من شأن هذا التوتر أن يتأثر بثلاث أمور أخرى: الاستفزازات الإيرانية في الخليج، والتي تهدف ولو بشكل جزئي إلى جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي; والمظاهرات الضخمة في كل من لبنان والعراق، ولفترة قصيرة أيضاً في إيران، التي تشكل أيضاً تحدٍ للنظام في طهران; والمشاكل القضائية والسياسية التي يواجهها نتنياهو.     

لقد حرص رئيس الحكومة، كما كُتِب هنا مرات كثيرة من قبل، على الحذر والمسؤولية في التعامل مع الساحة الشمالية. ومع ذلك، يبدو أن هذه الأوقات تتطلب حساسية خاصة من جانب رؤساء المنظومة الأمنية، وذلك من خلال إدراك حجم المسؤولية العظيمة الموكلة إليهم. وليس هذا الوقت المناسب لإصدار الحكم بناء على فيلم وثائقي يرى أنه لا مفر من الحرب ـ لأن إيران تواصل خطواتها لترسيخ تواجدها في سورية، من وراء الحدود. ويبدو الأمر صحيحاً بشكل أكبر عندما يدور الحديث عن رئيس حكومة انتقالية فشل مرتين في محاولاته لتشكيل الحكومة، ويواجه لائحة اتهام تضم ثلاث جنح متعلقة بالفساد.
التهدئة محل شك     

لقد أجرى وفدان فلسطينيان من حركتي حماس والجهاد الإسلامي مباحثات في بداية الشهر في القاهرة مع المخابرات المصرية حول احتمالات تهدئة طويلة المدى مع إسرائيل في قطاع غزة. وقال مدير شبكة "الأقصى" الإعلامية، المحسوب على حركة حماس، وسام عفيفة، إن إسرائيل قد تقوم بزيادة عدد تصاريح العمل للعمال من القطاع للعمل فيها من 5000 (الذين يوصف الكثيرون من المستفيدين منها بأنهم رجال أعمال) إلى 20000 تصريح.    

ومع ذلك، تضم وثيقة صادرة عن "مركز المعلومات الإسرائيلي لشؤون الاستخبارات والإرهاب"، التي اقتبست أقوال عفيفة، تضم تحليلاً مليئاً بالشكوك حول آمال التوصل إلى "تسوية" طويلة الأمد مع حماس في قطاع غزة. فحماس تستمر في إبداء معارضتها لفترة تهدئة تستمر لعشر سنوات. وحسب رأي واضعي الوثيقة، فإن الحركة تسعى إلى التوصل إلى توافقات مثل تلك التي سبق التوصل إليها، بوساطة مصرية، في أعقاب عملية "الجرف الصامد" في صيف 2014 والتي صمدت حتى بداية المسيرات على الجدار الحدودي في آذار / مارس 2018. وتشتمل هذه التوافقات على تخفيف الحصار وتقديم تسهيلات لدخول المساعدات الإنسانية مقابل وقف إطلاق الصواريخ ووقف المسيرات. ووفق فهم حماس فإن هذه "تسوية" لبضع سنوات وليس لعقد من الزمن.      

وقد سبق وأن وردت هنا خلال الأسابيع الأخيرة تقديرات للجيش الإسرائيلي حول الفرص لتحقيق انطلاقة مع حركة حماس. وترى القيادة العامة أن هناك فرصة وذلك في ظل الضائقة التي تعاني منها الحركة وجولة القتال الأخيرة في القطاع، في منتصف شهر تشرين الثاني / نوفمبر، والتي تعرضت فيها حركة الجهاد الإسلامي لضربة قوية. ويخشى ضباط الجيش من أن يؤدي جدول الأعمال السياسي، وخاصة في ظل القرار لإجراء انتخابات ثالثة، إلى تقليص هامش المناورة أمام المستوى السياسي ولا يسمح بالتوصل إلى توافقات واسعة.  

أما العقيد (الاحتياط) ميخائيل ميليشتاين، الذي كان يعمل رئيساً للساحة الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية خلال عملية "الجرف الصامد"، فإن لديه شكوكاً أكبر. ففي مقال له في موقع معهد السياسات والإستراتيجية في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا كتب ميليشتاين يقول: "على الرغم من الإشارات المتفائلة فإنه لا تزال هناك عقبات قوية جداً" سيكون من الصعب معها التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد. وحسب أقواله فإنه من الصعب القول بأن حماس قد اتخذت قراراً إستراتيجياً حول "التسوية"، وذلك لأن الكثيرين في قيادة الحركة يتخوفون من التخلي عن فكرة "المقاومة" والنضال العنيف ضد إسرائيل.

ولم تحيّد حركة حماس إلى الآن مشكلة "المارقين" في غزة، ولم تسيطر تماماً على الفصائل الأخرى التي تقوم بين الفينة والأخرى بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. كما أن حماس لم تتخلَ عن مواصلة العمليات في الضفة الغربية، والتي قد يؤدي نجاحها إلى تقويض الاستقرار على الساحة الفلسطينية برمتها. وبالإضافة إلى ذلك، يقول ميليشتاين، من المشكوك فيه إذا ما كانت إسرائيل ناضجة لتقديم تنازلات بعيدة المدى وملزمة خلال فترة الانتخابات.
تأخير في الوصول  

لقد وصل الجنرال المتقاعد جيري نورث، نائب رئيس شركة لوكهيد مارتن المصنعة للطائرات، وصل هذا الأسبوع في زيارة إلى إسرائيل وهو يحمل بشائر طيبة. فالشركة تقدر أن ثمن الطائرة الواحدة من طراز إف -35، في إطار الصفقات مع إسرائيل، سيتراجع إلى ما دون عتبة الـ 80 مليون دولار، ويبدو أنه سيقف عند 78 مليون دولار. وبعد ثلاث سنوات من وصول الطائرات الأولى من هذا الطراز أصبح لدى سلاح الطيران الإسرائيلي 20 طائرة من الطائرات الأحدث، وهو قد بدأ بإشراكها في النشاط العملياتي.     

وكانت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقتا على شراء 50 طائرة، وهي تشكل سربين مقاتلين كاملين. وتراجع الثمن المتوسط للطائرة الواحدة (في صفقة الشراء الأولى كان ثمن الطائرة أكثر من 100 مليون دولار) وكذلك فإن الشكوك حول أداء الطائرة بدأت بالتلاشي بالتدريج.  

وترافقت بداية المشروع بالتأخير المتواصل الذي طرأ على برنامج العمل وكذلك بالنفقات الضخمة وبالكثير من الأعطال. وقد أثارت كل هذه الأمور خلافات شديدة في كل من الإدارة والكونغرس حول فعالية هذه الطائرة إلى درجة ظهور شكوك حول مجرد الحاجة إلى وجود طائرة شبح من الجيل الخامس. كما أن قسماً من هذه الشكوك قد انتقل إلى النقاشات الداخلية في إسرائيل، لكن سلاح الجو أصر على موقفه الذي تم القبول به كالعادة. واليوم يشارك قائد سلاح الجو، اللواء عميكام نوركين، نظرائه الأمريكيين في رأيهم الممتاز حول الطائرة وقدراتها العملياتية.

لكنه، إلى الآن، لم تُحلّ بعد القضية المطروحة على طاولة البحث وهي: هل يجب أن تضم صفقة الطائرات القادمة الخاصة بسلاح الجو سرباً آخر من طائرات إف-35 أو أن تضم بالذات سرباً من طراز أقدم، إف-15 من إنتاج شركة بوينغ، وذلك بهدف الحفاظ على خليط من الطائرات من مختلف الأنواع. وسلاح الجو بحاجة إلى الطائرات حتى أواسط العقد القادم، من أجل استبدال الطائرات القديمة والتي سيبلغ عمرها عندئذ 50 سنة، وسيرغب الجيش الإسرائيلي في إخراجها من الخدمة.

لقد تأخر اتخاذ القرار حول هذا الموضوع خلال العامين الأخيرين لأسباب عديدة مثل: تبديل قائد سلاح الجو وتبديل رئيس هيئة الأركان وانتظار اتضاح صورة الميزانية والخطة متعددة السنوات الخاصة بالجيش الإسرائيلي. والآن، في فترة الحكومة الانتقالية الأبدية والمعارك الانتخابية الكثيرة، فإنه من المتوقع أن يحصل تأخير جديد. وكان الضيف الأمريكي لبِقاً بحيث امتنع عن التطرق إلى هذا الأمر مباشرة، إلا أنه من ناحية سلاح الجو الإسرائيلي فإن هذا التأجيل الجديد سيكون مضراً ومثيراً للقلق.  

 

 

المصدر: كتب : عاموس هرئيل في " هآرتس" - ترجمة: مرعي حطيني