كشفت الأيام الماضية وخلال التعاطي مع موضوع " سيداو " في الأوساط الفلسطينية المختلفة وجود تباينات واضحة في طرح الموضوع وكيفية طرحه إعلامياً وعشائرياً ، وبتقديري أن مواقف القوى السياسية والأطر النسوية واتحاد المرأة والمؤسسات الحقوقية لم ترتق أبداً إلى مستوى الهجمة والحراك المبذول من بعض الأطراف التي لها أجندات مكشوفة للانقلاب على أي منجز وطني فلسطيني .
مواقف بعض التنظيمات الفلسطينية متخلفة جداً وهناك تنظيمات لم تعبر عن موقفها أصلاً بسبب علاقاتها مع أطراف ومكونات قوى " الإسلام السياسي " أو " العشائر " التي أصبحت منبراً لهذه القوى والأحزاب الدينية التي ليس لها من مهام سوى التكفير والتخوين والتشويه وتضليل الرأي العام ومحاولة إظهار اتفاقية " سيداو " وكأنها مدعاة للانفلات والعهر والانحلال كما تفتقت حناجر بعض الخطباء الذين تحدثوا عن " الجاهلية الجديدة " التي تحتل أوطاننا وعقولنا على حد قولهم !!
إن انتقال الجدل والتحريض حول اتفاقية " سيداو " هذه الاتفاقية الدولية التي تنص على إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، في هذا التوقيت العصيب بالذات ، والذي تمر به قضية شعبنا الفلسطيني ، يشكل افتعالاً غير مبرر ولا أساس له سوى محاولة إثارة الفتن والمس بالنسيج الوطني الاجتماعي لأبناء شعبنا أينما تواجد.
هذا الجدل والتحريض بدأ يحمل في طياته لغة تكفيرية دخيلة على ثقافة شعبنا الفلسطيني ، الذي تصدى ولا يزال للاحتلال ، ولكافة المؤامرات التي تحاك ضده وضد قضيتنا الوطنية العادلة ، وما صاحب موجة الجدل المثار حول اتفاقية "سيداو" وما نتج عنه من اتهامات تكفيرية وتهديدات وتحريض وتشويه ضد " الرأي الآخر " وضد منظمات المجتمع المدني بما في ذلك ضد المؤسسات والأطر النسوية في فلسطين ، مرفوض تمامًا ، وهو أمر في غاية الخطورة ويحرف بوصلة نضال شعبنا ضد الاحتلال ، فهذه العقلية وعبر دعواتها وتحريضها وتشويهاتها ، تؤسس لممارسة العنف ضد المرأة وضد أصحاب الرأي الآخر وضد سيادة القانون في المجتمع الفلسطيني .
علينا أن نواصل النضال وبعناد كبير من أجل تكريس الطابع المدني لدولة فلسطين وفقاً لما أقرته وثيقة " إعلان الاستقلال " و" القانون الأساسي الفلسطيني " ، وأن نرفض وبشدة كل المحاولات البائسة من تلك الأطراف التي لها أجندات واضحة وغريبة للنيل من هذه الصبغة المدنية للدولة أو محاولة تشويهها أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو المس بحقوق المرأة الفلسطينية والمكانة التي اكتسبتها عبر عقود من النضال إلى جانب أخيها الرجل سواء في المجال الوطني أو الاجتماعي ، وعبر التصويب تحديداً على المؤسسات والجمعيات والمركز النسوية لنزع الشرعية عنها وهي المرخصة أصلاً وفقا للقانون.
لا بد من اعتماد نهج الحوار الديمقراطي والحوار الاجتماعي المعمق للحفاظ على العقد الاجتماعي ، والإقلاع عن لغة التهديد والتشويه والتضليل ، وحماية واحترام قيم شعبنا الفلسطيني ، والمعاني العظيمة التي كرستها المرأة في نضالها المتواصل ضد مختلف أشكال الظلم والاستغلال والاضطهاد الاجتماعي الذي تعرضت له على مدار قرون من الزمن ، وما سطرته من ملاحم بطولية في مواجهة الاستعمار والاحتلال ودفاعاً عن وطنها وحقوق شعبها في التحرر والحرية ، وضد الاضطهاد والعنف والتمييز الاجتماعي الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له.
التوقيع على اتفاقية " سيداو " وغيرها من الاتفاقيات الدولية قد حققت العديد من المكاسب السياسية والدبلوماسية على مستوى الهيئات الدولية ، لتعزيز المكانة القانونية الدولية لدولة فلسطين ، ومن اجل كل ذلك لا بد من العمل على إصدار اتفاقية " سيداو " في الجريدة الرسمية ، استناداً لقرار المحكمة الدستورية ، النابع من موروثنا الفكري والحضاري والثقافي الذي نعتز ونفتخر به كفلسطينيين.
دعم وإسناد حقوق المرأة الفلسطينية هو من أولويات عمل كافة القوى والفصائل ، والأطر والتنظيمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، فالمرأة كانت ولا زالت تناضل وتكافح من أجل فلسطين ، والحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا بالحرية والاستقلال ، والحرية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية ، حيث أنصفتها وثيقة الاستقلال ، وتوجت نضالاتها وتضحياتها بوصفها " حارسة نارنا المقدسة " .
هناك ضرورة لاحترام الجميع للقانون والنظام والابتعاد عن لغة التضليل والتكفير والتخوين والتهديد ، فشعبنا الفلسطيني أحوج ما يكون اليوم إلى رص الصفوف ، ونبذ الخلافات ، من أجل مواجهة كافة المشاريع المشبوهة التي تواجه قضيتنا وشعبنا والهادفة لطمس كافة حقوقه وإذابة هويته الوطنية.
بقلم : محمد علوش
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت