يصادف بداية كل عام جديد ذكرى الثورة الكوبية المجيدة بقيادة القائد الاممي فيدل كاسترو روس ورفاقه راؤول كاسترو وتشى جيفارا وكاميلو سيينفويغوس وخوان الميدا، والتي انطلقت عام 1959 أسقطوا خلالها الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لنظامه، ليبدأ عهد جديد في حياة الكوبيين بعد انتصار الثورة بثمانين رجل جاءوا على متن اليخت غرانما ولم يبقى منهم سوى عشرة رجال فقط .
ويترافق مع ذلك ذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 التي جاءت امتدادا لنضالات شعبنا الفلسطيني التي انطلقت منذ عشرينات القرن المنصرم، تأكيدا واستمرارية لرفض جميع اشكال الانتداب والوصاية والاحتلال، ودفاعا عن حقوق شعبنا العادلة في الحرية والاستقلال والعودة .
نضالات انطلقت بمشاركة حشود الشعب الفلسطيني، ولتحدث انطلاقة الثورة المعاصرة وفي مقدمتهم رجال العاصفة الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " تحولا نوعيا في مسيرة هذا النضال، حيث العمليات الفدائية التي ضربت مواقع ومستعمرات العدو الصهيوني ملحقة به خسائر مادية وبشرية، حينها ادرك العالم اكثر من السابق أن الفلسطينيين عزموا على اشعال ثورة فلسطينية ترد الحق المسلوب الى اصحابه، بعدما كان الرأي العام العالمي في سبات عميق .
ثورتان تصادف ذكرى انطلاقتهما مع إطلالة كل عام جديد، ثورتان كلاهما انطلقتا من رحم المعاناة، ونجحتا في لفت أنتباه العالم لقضيتان عادلتان، كاد العالم ان يغفل عنهما لولا عزيمة الثوار الذين اخذوا على عاتقهم الانتصار لحقوق شعبيهما وارادته الحرة . من المفيد الاحتفال بهاتان المناسبتان الثوريتان، لكن الاهم من ذلك ان نتساءل، هل نجحت كل ثورة في تحقيق اهدافها، وما هي طبيعة هذه النجاحات؟؟ وهل حافظت وتمسكت كل واحدة منها بمبادئها وبالأهداف التي انطلقت من اجلها، أم أن هناك ما حرف البوصلة؟؟...
في حقيقة الامر ليس الاساس قيام الثورات، بل ما يهم هو ما تحدثه من نتائج وترسخه من مبادئ وقيم وما تعود به من منفعة لمصلحة الوطن والمواطن .
الرفاق الكوبيين انتصروا بثورتهم، ويواصلوا حتى اليوم مواجهة حصار خانق وظالم تفرضه الولايات المتحدة الامريكية عليهم بهدف اسقاط النظام الاشتراكي الذي يتمسك ويدافع عنه الشعب باعتباره ثمرة ثورته، وكل عام يحيون ذكرى انطلاقة ثورتهم بشموخ وعز وكرامة، ويهتفون بإرادة الاحرار .. الموت لأمريكا . اما نحن الفلسطينيين ما يميزنا عن رفاقنا الكوبيين, هو أننا نضرب كأس الانتصار كل عام، ونتغنى بذكرى وتاريخ انطلاق ثورتنا المجيدة، وقد وصل بنا الحال الى ما هو اسواء، لدرجة ان كل تنظيم فلسطين يعتبر ان الثورة بدأت مع انطلاقته، خصوصا لدى حركة حماس التي سعت وما زالت لان تكون بديلا للثورة الفلسطينية، ولإحدى ثمراتها الاساسية منظمة التحرير الفلسطينية .
من الاجدر بنا نحن الفلسطينيين أن نعيد مراجعة انفسنا بكل صراحة وصرامة ونبحث في تفاصيل ما وصلت اليه ثورتنا وحالنا الداخلي، أن نعترف بهزائمنا ونقلع عن الانتصارات الوهمية، ان نتوقف عن التغني بتاريخ مجيد - رغم اهميته- لأجل استخلاص العبر منه والانطلاق نحو المستقبل، نحو النصر الحقيقي، الاجدر بنا أن نخلع جميع أثوابنا الفئوية وراياتنا الملونة لأجل ثوب وحيد واوحد تطرز بدم الشهداء والاسرى والقادة العظماء، ثوب الكرامة والعزة والاباء, ثوب الاخلاص لمعاناة الشعب وآلامهم، ثوب الوحدة والنضال والكفاح والتحرير، الثوب الفلسطيني المزركش بالعلم الفلسطيني .
حان الوقت لنستفيد بصدق من دروس وعبر جميع الثورات التحريرية وفي مقدمتها الثورة الكوبية، ومن تاريخ نضالنا الفلسطيني الناصع والمثمر لنضع من جديد ثورتنا الفلسطينية على الطريق السليم . فلتكن هذه الذكرى ليست مجرد احتفال تكراري روتيني ترفع فيه الرايات والاعلام وتلقى فيه الخطابات وترفع فيه الشعارات فقط، بل لشق طريق نضالي أخر باستراتيجيات وطنية موحدة ومشتركة تمكننا من اقتلاع الوجود الصهيوني من جذوره في جميع بقاع الوطن .
فلتكن عشرينيات القرن والحالي بداية عهد فلسطيني جديد يتسلح أبنائه بكل معاني النضال الوطني والقيم والاخلاق الوطنية، ليدافعوا بكل ثبات عن أعدل القضايا العالمية وعن حقوق قدمت من اجلها قوافل من الشهداء والاسرى والمصابين، لنمضي كتف لكتف تجمعنا منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، والتي بات من الضروري تعزيز دورها في قيادة انتضال الوطني بكل قوة .
فعندما نتوحد وننطلق باستراتيجية واحدة، وعندما نجيد التعامل مع وسائل نضالنا ومع العالم، حينها ستلوح في الافق بشائر النصر على طريق اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة لاجئي شعبنا الى قراهم ومدنهم عام ١٩٤٨ وعندما نحقق هذه الاهداف ستعانق الثورة الفلسطينية شقيقتها الكوبية معلنتا نصر مشترك على الصهيونية والامبريالية الامريكية وكل من يساندهم .
بقلم / محمد غنيم
30/12/2019كوبا -
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت