مع الساعات الأولى لفجر يوم الأربعاء القادم، يحل عقد ثالث جديد في القرن الواحد والعشرين.
ولعلي لا أبالغ إن قلت أن العقد الثاني المنتهي كان من أسوأ عشر سنوات مرت على الشعب الفلسطيني.
فالانقسام الفلسطيني تعمق، والحصار الإجرامي على قطاع غزة استفحل، واستفحلت معه الأزمة الإنسانية لسكان القطاع، وحُرم الشعبُ من حقه في ممارسة الإنتخابات الديموقراطية، واتسع الإستيطان بصورة لا مثيل لها، وترافق إنتخاب ترامب مع انحياز أمريكي مطلق لحكام إسرائيل العنصريين، فأيدت إدارته الضم غير الشرعي للقدس والجولان، وشجعت الاستيطان الإستعماري، وأغدقت المساعدات المالية على إسرائيل وهي تخرق كل القوانين والأعراف الدولية، ووصلت الوقاحة بنتنياهو المتهم بالفساد وإلى حد الإعلان عن نواياه ضم معظم أراضي الضفة الغربية.
غير أن الأمر الأهم، كان ترسخ نظام الأبرتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلي ضد جميع الفلسطينيين دون إستثناء. سواء كانوا في الداخل، أو الخارج، أو في الأراضي المحتلة.
وبقانون القومية أصبحت إسرائيل رسميا "منظومة أبرتهايد،" و بحروبها التي شملت عدوانين كبيرين على قطاع غزة، تكرست كمرتكبة لجرائم حرب، لا يمكن أن تواصل التهرب من المحاسبة عليها.
غير أن العقد الماضي شهد أيضا، نهوضا غير مسبوق للمقاومة والكفاح الفلسطيني الشعبي، فشهدنا نماذج رائعة للمقاومة الشعبية التي أصبحت معالم بارزة للنضال الفلسطيني العادل، من سفن كسر الحصار على غزة، إلى قرى المقاومة الشعبية كباب الشمس، وأحفاد يونس، والمناطير، وإلى معركة القدس والأقصى الشعبية الظافرة ضد نتنياهو وبواباته، إلى إنطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، بالإضافة إلى المعارك الشعبية المتلاحقة والمستمرة ضد جدار الفصل العنصري، والاستيطان، ومصادرة الأراضي.
وشهد العالمُ تصاعدا رائعا لحركة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات (BDS )، وانضوى فيها مئات الآلاف من شباب العالم، مما جعل حكام إسرائيل يعتبرونها العدو الأول، و يخصصون مئات ملايين الدولارات لمحاربتها.
وبعد جهد جهيد وإنتظار طويل تجرأت المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية وأعلنت أن هناك ما يكفي من الأدلة لإجراء تحقيق في فلسطين حول جرائم الحرب التي إرتكبها جيش الاحتلال.
ويضاف إلى ذلك، ورغم سياسات التمييز و الإفقار و التهجير الإسرائيلية، واستغلال أجساد عمالنا، ورغم سياسة القروض الاستهلاكية الخطيرة الموجهة لتفكيك النسيج الوطني، صمد الشعب الفلسطيني على أرضه في قلبها مدينة القدس، وزاد عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية عن ستة ملايين ونصف ليتجاوز عدد اليهود الإسرائيليين لأول مرة منذ عام 1967.
لا يهدف هذا المقال إلى تقديم جرد شامل لكل ما شهدته فلسطين من أحداث وتطورات طوال عقد كامل، ولكن الأهم أن نشير إلى ما أثبتته هذه الأحداث والتطورات، من فشل للمراهنة على إستراتيجية التفاوض مع حكام إسرائيل العنصريين، ومن حاجة لتبني إستراتيجية وطنية جديدة جامعة، تستثمر عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني، وتكافح عناصر الضعف، وتركز على تغيير ميزان القوى محليا، وإقليميا، وعالميا لصالح الشعب الفلسطيني.
وأول عنصري ضعف لا بد من معالجتها مع حلول العقد الجديد، هما الانقسام والتفتت الداخلي، وغياب الديمقراطية الداخلية، وتغييب حق الشعب في الانتخاب الحر والمباشر لقياداته.
وما ثبت قطعا هو صحة الأعمدة الستة لاستراتيجية فلسطينية جديدة وموحدة لخوض النضال الوطني الإجتماعي، وهي المقاومة الشعبية، وحركة المقاطعة، ودعم الصمود الوطني على الأرض، وإنهاء الإنقسام الداخلي وبناء قيادة وطنية موحدة، ,وإعادة بناء وحدة الهدف والتكامل الكفاحي وبين مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل، والخارج، والضفة والقطاع، وأخيرا إختراق صفوف الخصم وزعزعة تماسكه.
وما ثبت أيضا أن النضال الفلسطيني موجه ليس فقط لإنهاء الإحتلال، وتحقيق الحرية وتقرير المصير، بل لتحرير كل فلسطين من نظام الأبرتهايد العنصري الذي يمثل وصمة عار في جبين القرن الواحد والعشرين.
الطريق واضح، والفجر قادم، والمهم أن ننحي جانبا خلافاتنا، ونركز على ما يجمعنا، وأن نثق بجيل الشباب الصاعد، وقدرته على المشاركة في قيادة الكفاح.
بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت