تلك البدايات الجميلة، في مقتبل فتوتي وشبابي، كانت أوقاتاً سعيدة رافقتني في عملي الوطني، التنظيمي، والسياسي، والإعلامي، كنت فيها شعلة من العمل والنشاط بعيداً عن كل مايعكر صفو هذا العمل، كما كنت أتمنى لو أن الزمن تجمَّدَ عندها، ثم استأنف تدفقه بعد وقتٍ طويل، جارفاً بكتلته الثقيلة كل ما يجعل من تلك الأوقات نادرة، بحيث تصبح هي السياق ويصبح عكسها هو القليل.
لقد كان ذاك زمن ديمقراطية "غابة البنادق"، زمن الإنتعاش الوطني، زمن النهوض الوطني الكبير، زمن الشباب من الجنسين الذين كانوا يطرحون رؤاهم عن المستقبل ويناقشونها فيما بينهم أو في حضور رجال ونساء من أجيال منتصف العمر ورجال ونساء من جيل الكهولة. لم أنتظر أن تتفق الأجيال الموجودة في هذه الحوارات على رؤية واحدة أو حتى على رؤى متشابهة، ومن هنا كانت تسعدني متعة تنظيم هذه الحوارات والمشاركة فيها في ذاك الزمن إياه، وهو ماساعدني في انجاز عملية تراكمية من البناء والزاد المعرفي. لقد كانت المجموعات الشبابية الفلسطينية في مخيم اليرموك، وبالطبع في كل تجمعات الشتات الفلسطيني، وخاصة اليسارية منها، وفي سياقات النقد العام لأداء الفصائل الفلسطينية، تتحدث دوماً في البحث عن ما كانت تسميه بـــ (البديل الثوري) حين بدت تلك الفكرة كــ "صرعة" أو "موديل" في استعراض القدرات التنظيرية، غير مُدركة تلك المجموعات أنها استفادت حتى التخمة، من احتضان مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية لها، وقد شهدت فكرة (البديل الثوري) ولادة أجسام وعناوين خاصة، فطرحت أفكاراً جعلتها في صدام مباشر مع البنى السياسية المسيطرة... وهكذا..
علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت