انطلقت الشرارة الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار في 30 آذار (مارس) 2018 تزامناً مع الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض الخالد، والتي امتدت لقرابة 21 شهراً متتالية أسبوعياً في كل يوم جمعة في مخيمات العودة المقامة في المحافظات الخمس بقطاع غزة على الحدود الشرقية قرب السياج الفاصل بين القطاع وأراضي الـ48.
وتميزت المسيرات باعتبارها محطة نضالية وشكل من أشكال المقاومة الشعبية، بطابعها الجماهيري وأدواتها الشعبية السلمية، والتي اكتسبت أهمية فائقة كونها أحد الجسور الرئيسة التي تربط قطاع غزة مع مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي و«صفقة ترامب» ومخرجات ورشة البحرين وفي مواجهة الانقسام.
المسيرات الأسبوعية في قطاع غزة تميزت بحالة من الزخم السياسي والشعبي، كون شعاراتها وعناوينها ارتبطت بميادين النضال للحركة الجماهيرية الفلسطينية، في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة والـ 48، ودول اللجوء والشتات، رغم التضحيات الدموية الكبيرة لشعبنا الفلسطيني، إلا أنها افتقدت للرؤية السياسية التي تساهم في رفع السقف السياسي للمسيرات دون الانزلاق في تفاصيل وجزئيات نحو أهداف فئوية، تقود القطاع للخضوع لإملاءات الاحتلال وشروطه الأمنية.
إن تبني رؤية سياسية للمسيرات ضرورة وطنية، كونها تعزز انخراط قطاع غزة من الباب الأوسع في العملية الكفاحية لعموم الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والشتات، حتى لا تتحول المسيرات لمجرد حالة مطلبية بكلفة دموية عالية، رغم الانقسام الذي يشكل العامل المعيق الأهم للمسيرة الكفاحية وتطورها.
لذا يتطلب الربط بين مسيرات العودة ومطلب إنهاء الانقسام، لتعزيز القدرة على فك الحصار، وصيانة أسس التهدئة التي تم التوصل إليها بدون شروط مسبقة، في مفاوضات الوفد الفلسطيني الموحد في القاهرة، عبر الوساطة المصرية مع إسرائيل (2014)، وفتح الأفاق لتخفيف أوجاع القطاع، وإدراج كافة المشاريع المطروحة للقطاع في إطارها الوطني بعيداً عن أية محاولات لتكريس الانقسام، إلى جانب تحمل حكومة التوافق الوطني مسؤولياتها وواجباتها نحو سكان القطاع لجهة إعفاء المقاومة من أعباء ومسؤولية إدارة الشأن العام، لأداء دورها وتطويره في لمقاومة الاحتلال.
وقد سجلت وزارة الصحة في قطاع غزة إجمالي عدد شهداء مسيرات العودة، الذي بلغ (316) شهيداً، من بينهم (62) طفلاً، وسيدتان، و(9) من ذوي الإعاقة، و(4) مسعفين، و(2) من الصحفيين، فيما وصل عدد الجرحى لـ(35 ألفا) جريح منهم (18 ألفا) دخل للمشافي بينهم (182) حالة بتر.
وتبرر الهيئة الوطنية العليا للمسيرات، قرارها بتعليق المسيرات الأسبوعية لثلاثة أشهر متتالية، على أن تعاود انطلاقها في سنويتها الثانية في 30 آذار (مارس) 2020 بشكل شهري وفي المناسبات الوطنية، يعود لضمان استمرارية المسيرات حتى تحقق أهدافها الآنية والاستراتيجية، وأن فترة الثلاثة أشهر هي ليست للراحة بل لإعادة تقييم وتطوير أداء المسيرات وتعميمها لتكون نهجاً نضالياً في عموم الأراضي الفلسطينية، لتنطلق بشكل أوسع وتضمن مشاركة جماهيرية واسعة، إلى جانب ربطها دولياً عبر المتضامنين والمساندين للقضية الوطنية، وتوثيق انتهاكات الاحتلال.
لكن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تحفظت على فترة الانقطاع لمسيرات العودة لثلاثة أشهر متتالية، ودعت لاستمرارها وإدامة الاشتباك الجماهيري مع الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز المشاركة الشعبية فيها، كحق مشروع للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومواجهة الانقسام و«صفقة ترامب»، وطالبت بتقييم جدي للمسيرات على قاعدة ضمان استمراريتها كشكل نضالي جماهيري ضد الاحتلال والحصار الإسرائيليين.
ويروق للبعض القول إن «الشكل الجديد للمسيرات وتعليقها لثلاثة أشهر، يعطي لحركة حماس باعتبارها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، مساحة للانزلاق نحو مكاسب سياسية واقتصادية لتعزيز سلطة حكمها في غزة، خاصة أن بعض المشاريع تحمل بصمات مقلقة، كالمنحة القطرية والمشفى الأميركي».
كما يدرك البعض أنه لا يوجد سبب مقنع للتراجع عن مسيرات العودة أو تعليقها، وعن مطلب كسر الحصار في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع. فيما يطالب البعض بضرورة أن تتمسك الهيئة الوطنية العليا للمسيرات بمطلب التهدئة مقابل «فك الحصار» دون للخضوع لإملاءات الاحتلال الإسرائيلي وشروطه بذريعة «التفاهمات الأمنية».
ويرى مراقبون فلسطينيون أنه لا ضير بين تقييم مسيرات العودة وكسر الحصار وتطويرها على قاعدة استمراريتها دون انقطاع، والاستعداد والتحضير للانطلاق بفعالية أكبر في الذكرى الثانية للمسيرات التي تتزامن مع الذكرى الرابعة والأربعين ليوم الأرض الخالد.
وتوقف المراقبون أمام جدوى توقف المسيرات لثلاثة أشهر واعتمادها بشكل شهري وفي المناسبات الوطنية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه في الثاني من آذار (مارس) 2020 ستجرى انتخابات الكنيست الإسرائيلي الثالثة، ما يطرح التساؤل التالي، «هل فترة التوقف للشهور الثلاثة والشكل الجديد للمسيرات، لتفويت الفرصة على الاحتلال من شن عدوان جديد على قطاع غزة؟» فيما استغرب المراقبون «مغزى القرار المفاجئ بوقف هذه المسيرات مؤقتاً، والغاية من اعتماد الشكل الجديد للمسيرات بدءاً من 30 آذار (مارس) 2020، وسط تحذيرات من أن تأخذ شكل النشاطات الشعبية الموسمية على طريق توقفها بشكل كامل».
وتأتي الشكوك بشأن توقيت تعليق المسيرات لثلاثة أشهر التي رحب بها الإعلام الإسرائيلي، ربطا بمؤشرات على أن قطاع غزة ذاهب نحو تهدئة طويلة مرغوبة إسرائيلياً رغم النفي من حركة حماس، بعد أن حققت مسيرات العودة جزءاً يسيراً من أهدافها من خلال «إجراءات تخفيف الحصار» التي تواصل إسرائيل المماطلة في تنفيذها.
وسام زغبرـ غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت