طبريا وصفد، المدينتين العربيتين الفلسطينيتين، اللتين، تم تنفيذ سياسة الإبادة العنصرية، بحق مواطنيهما أثناء نكبة العام 1948. فالخطة التي وضعتها القيادة الصهيونية، واعطت اوامر تنفذيها لعصابات الهاجناه ومعها مجموعات "السحق" المسماة بـــ (البالماخ)، كانت تقتضي بافراغ كامل المدينتين، وبشكلٍ كامل، من كافة مواطنيهما العرب، بحيث لايتبقى أحد من العرب داخل المدينتين، وذلك لعدة أسباب تتعلق بكل من المدينتين : فمدينة صفد تتربع على قمة الجرمق اعلى جبال كنعان في فلسطين، ولها مهمة رصد تُشرف على سوريا ولبنان، وهي ثالث قمة في بلاد الشام (قمة الباروك في لبنان المُسماة بــ "الغرفة الفرنسية"، وجبل الشيخ في سوريا وقمته المسامة بــ "قصر الأمير شبيب التبعي" أو المرتفع 2814، وقمة الجرمق في فلسطين حيث تتربع مدينة صفد كنعان).
أما مدينة طبريا، فتنبع أهميتها من وجه نظر القيادة الصهيونية، من البحيرة التي تُعتبر بمثابة الخزان المائي الإستراتيجي الذي تَصُبُ فيه المياه المُنحدرة من الجولان وجبل الشيخ باتجاه الحفرة الإنهدامية بين فلسطين وسوريا وفق خط (سايكس بيكو 1916)، وتعديلاته في (نيو كمبوليه 1923)، لتذهب باتجاه مايسمى "انبوب المياه القطري الإسرائيلي" بعد خروجها من البحيرة، تلك البحيرة التي طول سواحلها 53 كيلومتر، وطولها 21 كيلومتر، عرضها 13 كيلومتر، ومساحتها تبلغ نحو 166 كيلومتر مربع، وأقصى عمق فيها يصل إلى 46 متراً.
اضافة لذلك إن اهمية مدينة طبريا تنبع أيضاً من موقعها الجغرافي، واهميتها السياحية، وجمال طبيعتها، والإنتاج الوفير من الخيرات الزراعية وتربية المواشي في عموم القرى التابعة لها.
وعليه دفعت الحركة الصهيونية وديفيد بن غوريون شخصياً باتجاه استخدام سلاح الإبادة العنصرية لمن يتبقى من سكان المدينتين، وهو ماوقع في مدينة صفد عندما تم قتل الرجال كبار السن الذين بقوا داخل بيوت المدينة وعددهم يقارب ستين كهلاً، فتم اعدامهم بطريقة اطلاق النار عليهم بالمسدسات. فيما تم دفع كل من تبقى من اهالي طبريا نحو سوريا والأردن، وكل من كان يُدير نظره كانت النيران تُطلق عليه فوراً. وقبل عدة سنوات ظهرت صورة متحركة (تصوير حي) كانت عصابات (الهاجناه قد التقطها لعملية تفريغ طبريا من سكانها، وفيها ماتقشعَّرُ له الأبدان، من سلوك فاشي تجلى عند اخراج كل سكان مدينتي صفد وطبريا، وقتل كل من لم يخرج، وقد تسنى لي الإطلاع على كامل الشريط المصور). لقد تم تدمير وهدم منازل طبريا ولم يتبقى منها سوى الجامع والكنيسة ومعالم قليلة، وذلك في منطقة السوق العتم جنوب المدينة.
لجأ معظم اهالي صفد الى سوريا (وسبق أن نشرنا اسماء العلائلات الصفدية في سوريا في وقتٍ سابق)، بينما توزع (الطبارنة) بين سوريا والأردن. وفيما يلي أسماء العائلات الطبرانية في مخيم اليرموك ودمشق :
الجمَّال, سعدية, الطبري, طبراني، شاهين, الكردي، قره شولي، منصور, سمور, المنزلاوي, عسقول, سعيد, الأسعد، حمدان، عابورة, غزاوي، عمرة، الشعبان, خرطبيل, جبر، سحتوت, السماك, قاسم, السكري, ميعاري, رحمة, العاصي, درويش, باكير, عباس, خرما, سلمان, سليمان, عثمان, جمال, الصايغ, طرابلسي, قصاد، طوافرة، قهوجي, سخنيني، الدوخي، سعد، حما، ابو صاع، الكفري، رمضان، السوطري، كنجو، صبّاح، صايغ، أبو حنا، قردحجي، الونّي، عكاوي، الأروشلي، السعودي، أليف، منصور، المنزلاوي، بنّات، الحاج علي...
يفتخر الطبرانيون بمنتوجات البحيرة، ومنها السمك الطبراني، خاصة منه (سمك المشط)، الذي يعتبرونه باصوله من بذرة طبرانية خالصة، حتى لوكان آتياً من البحر الأدرياتيكي، فكانت طبريا وبحيرتها تزود اسواق اللحوم بدمشق قبل النكبة، بهذا النوع من الأسماك حتى ذاع صيت سمك المشط الطبراني ومازال حتى الآن يُشار اليه بهذا الإسم في اسواق اللحوم الدمشقية (تبعد بحيرة طبريا في اقرب نقطة منها 99 كيلومتر فقط عن وسط مدينة دمشق). كما كان حال مدينة حيفا، وخاصة سمك بحرها الشهير (السلطان ابراهيم) بـــ (حزه الملون)، وهو مايعتبره الحيفاويون ايضاً حكراً على بحر حيفا وخليجها.
كما الفت الإنتباه الى أن الطبارنة مولعين بالغناء العربي القديم في افراحهم، ومناسباتهم الإجتماعية، خاصة منها أغاني عبد الوهاب وعبد المطلب وغيرهما. في هذا السياق، أود تقديم (الواقعة/الطرفة) التالية : قبل نحو 38 عاماً كنّا مجموعة من ابناء فلسطين، يربو عددنا على مائة شخص بين شاب صغير ورجل كبير في السن محتجزين في (قاووش) مساحته صغيرة لدى جهة عربية، وكان من بيننا رجل طبراني من مخيم اليرموك ( م ن) عمره نحو ستين عاماً، كان يعمل على تخفيف وطأة واقعنا في تلك اللحظات بتأديته بعض الأغاني الجميلة، التي كان يتلوها بنثريات شعرية، كان من بينها النص الذي يقول : "كاس العرق ياكاس كلك رقة واحساس ... على علمي نزلت على المعدة شو طلعك عالراس..."، لكن في الحقيقة أن النثرية الأخيرة اثارت مشكلة في القاووش مع الشخص اياه، وكنت ممن اثارها معه نظراً لأنها تُشجّع على احتساء الكحول...
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت