تتفنن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ابتكار أساليب ووسائل تعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال يومياً، ما أدى لنقل بعضهم إلى المشفى في حالة صحية حرجة أو استشهادهم، في انتهاك فاضح للإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة، رغم توقيع إسرائيل عام 1993 على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لحقوق الإنسان، وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وكشف تقرير لمؤسسة بتسيلم الإسرائيلية أن أكثر من 850 أسيراً فلسطينياً يتعرضون لأشكال متنوعة من التعذيب كل عام، باستخدام أكثر من 105 وسائل تعذيب أثناء التحقيق معهم واستجوابهم من قبل محققي جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك).
وأشار التقرير إلى أبرز وسائل التعذيب الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، منها «أسلوب رش الأسير بالمياه الباردة، وجلسة القرفصاء على كرسي أطفال برأس مغطى ويدين مكبَّلتين، وضرب الرأس بالحائط، والتعرية الكاملة وتكبيل اليدين إلى الخلف مع الاستلقاء على الظهر، والضرب بالهراوة على الصدر والمعدة، وصلب الأسير على رأسه لفترات طويلة، مع استخدام الهراوة للضرب على الساقين والفخذين والبطن، وثني الذراع إلى أعلى، والركل بالركبة على المعدة».
وتؤكّد الإحصائيات أن 90% من الأسرى الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال تعرضوا للتعذيب في أقبية التحقيق ومراكز التوقيف المختلفة. ولا يقتصر التعذيب على الأسرى بل يطاول الأسيرات، إذ تعرضت الأسيرة ميش أبو غوش (22 عاماً) من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة للتعذيب أثناء اعتقالها على يد المحققين الإسرائيليين في سجون الاحتلال، والتي لا تزال موقوفة في معتقل «الدامون».
تفاصيل مؤلمة
وروت والدة الأسيرة أبو غوش تفاصيل مؤلمة لـ(30) يوماً قضتها الأسيرة في أقبية التحقيق من تعذيب وإرهاب منذ لحظة اعتقالها الأولى من منزلها، والتي وثقتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين في تقرير صدر عنها، «لم تسلم ميس من الشتم والضرب لحظة اعتقالها وهي مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، ليتبع ذلك تحقيق عسكري لا إنساني تخلله الشبح وضرب الرأس بعنف والحرمان من النوم والاستحمام».
وبينت الأسيرة أبو غوش لمحامية الهيئة أن «ظروف الزنازين التي كانت تُحتجز فيها طوال التحقيق معها غاية في القسوة وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية، فالحيطان إسمنتية خشنة من الصعب الاتكاء عليها، والفرشة رقيقة بدون غطاء وبدون وسادة، والضوء مشعّل 24 ساعة ومزعج للنظر، والوجبات المقدمة سيئة جدًا، بالإضافة إلى معاناتها من دخول المياه العادمة إلى زنزانتها، والتي كانت تفيض على الفرشة والغطاء».
وأضافت الأسيرة أبو غوش في شهادتها: «في إحدى المرات تعمد المحققون إدخال جرذ كبير إلى الزنزانة لإيذائها، عدا عن مماطلتهم في الاستجابة لأبسط مطالبها كحرمانها من الدخول إلى الحمام، واستفزازها والسخرية منها».
وأشارت إلى أنّه «في إحدى المرات حاولت الهروب من أيدي المحققات والجلوس بإحدى زوايا الزنزانة، لكن المحققة قامت بإمساكها وبدأت بضرب رأسها بالحائط وركلها بقوة والصراخ عليها وشتمها بألفاظ بذيئة». موضحة أن «جولات التحقيق كانت لساعات طويلة قضتها وهي مشبوحة على كرسي صغير داخل زنزانة شديدة البرودة، وبعد 6 أيام بدأ التحقيق العسكري معها، والذي تخلله شبح على طريقة (الموزة والقرفصاء)، إضافةً إلى صفعها وضربها بعنف وحرمانها من النوم، استمرّ التحقيق العسكري معها لثلاثة أيام».
اعترافات المعتقلين
وأكدت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان أن المحاكم العسكرية التابعة للاحتلال متواطئة في التغطية على التعذيب من خلال أخذها باعترافات المعتقلين تحت التعذيب والإكراه، وتطوير إصدار القوانين العسكرية من قبل الحاكم العسكري بجرة قلم بعكس القوانين المدنية الإسرائيلية التي تأخذ وقتاً طويلاً ويتم عبر التصويت في الكنيست.
وقالت مديرة مؤسسة الضمير سحر فرنسيس إن «دولة الاحتلال تنكر انطباق القانون الدولي على الأراضي الفلسطينية، حيث خلال السنوات الاخيرة تم استخدام القانون الجنائي ومعايير المحاكمات في دولة الاحتلال بالمحاكم العسكرية لكن بشكل انتقائي». مضيفة: «خلال فترة التحقيق يتم منع المعتقل من اللقاء بمحاميه حتى 60 يوماً، ويتم النظر واعتماد البينات التي تؤخذ تحت التعذيب».
ويُعَدّ الأسير عبد الصمد حريزات من الأسرى الذين استشهدوا نتيجة تعرُّضه للتعذيب الشديد في مركز توقيف المسكوبية بالقدس في27 نيسان (إبريل) 1995 بأسلوب الهَزّ العنيف على يد أربعة من المحققين تناوبوا عليه، ما أحدث نزيفاً داخل الجمجمة وتلف حاد في ألياف الأعصاب أدى إلى الوفاة، وفق تقرير الطب الشرعي.
محاكم للأطفال
ويطال التعذيب الأطفال الفلسطينيين لأخذ اعترافات منهم بالإكراه وإساءة المعاملة في انتهاك فاضح لكل المعايير الدولية، والتي تعد قضية الأسير الفتى أحمد مناصرة نموذجاً على عنصرية الاحتلال وسياساته الانتقامية. حيث أوضح عائد قطيش الناطق باسم الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أن سلطات الاحتلال شكلت في عام 2009 محاكم الأحداث العسكرية نتيجة الانتقادات الدولية لطريقة تعامل الاحتلال مع الأطفال الفلسطينيين، إلا أن تلك المحاكم لا تختلف عن المحاكم العسكرية العادية كونها تخضع لنفس الأوامر العسكرية.
وأضاف قطيش أنه «بالرغم من أن القانون الدولي يدعو لأن يكون اعتقال الأفراد الأطفال الملاذ الاخير، لكن في أكثر من 95% من الحالات بالنسبة للأطفال الفلسطينيين يكون اعتقال الاحتلال للأطفال هو الملاذ الاول الذي تلجأ له المحاكم العسكرية بالرغم من وجود العديد من الخيارات الأخرى».
حظر التعذيب عالمياً
وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية نقلاً عن محقق سابق بجهاز الشاباك، أن «المحققين يعتمدون طرقاً في التعذيب لا تترك إشارات على أجساد المعتقلين، وفي الوقت ذاته، تكون لهذه الطرق جدوى ونتائج مباشرة في كسر روحهم المعنوية».
وأشار المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك إلى سياسات دولة الاحتلال الممنهجة في تعذيب الأسرى الفلسطينيين، مُذكراً بقرار لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الصادر في تقريرها لعام 2016، والذي أعفى المُحققين الإسرائيليين من المساءلة الجنائية في حال اتّباعهم أساليب تعذيب بحق أسرى فلسطينيين.
وأضاف لينك: «لم تختفِ المخاوف منذ قرار اللجنة هذا، بل صدرت عدّة قوانين ووقعت الكثير من الحوادث التي تُشير إلى استمرار الانتهاكات في هذا الإطار». مشدداً على أنّه «تمّ حظر التعذيب عالميًا ليس لأنه لا يعمل أبدًا، ولكن بسبب اعتدائه الأساسي الذي لا رجعة فيه على الكرامة الإنسانية لكل المعنيين».
ويشار إلى أن عمليات التعذيب أدت لاستشهاد 73 فلسطينياً في سجون الاحتلال منذ العام 1967 بعد تعرضهم لصنوف قاسية من التعذيب الجسدي والنفسي، في حين أن مئات آخرين توفوا بعد خروجهم من السجن وتسبب لآخرين بإعاقة دائمة نتيجة التعذيب
وسام زغبر■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت