الانقسام الفلسطيني الجديد

بقلم: أشرف أبو خصيوان

أشرف أبو خصيوان

 لن يُكتب للوضع الراهن أن يستمر طويلاً، فالانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة في طريقة إلى نهاية النفق، من خلال استحداث برامج العمل الاقتصادي الجديدة الخاصة بقطاع غزة، وبرامج المناورة السياسية في الضفة الغربية لتجزئة الحقوق وبناء دولة المستوطنات الفلسطينية بدلاً عن الحقوق الفلسطينية التاريخية للشعب الفلسطينية، ومحض فكرة حل الدولتين والقضاء عليها، كيف يُمكن ذلك؟

قطاع غزة: يستغل الاحتلال الإسرائيلي الانقسام الفلسطيني الحاصل الآن، في خدمة مصالحة الاستراتيجية من خلال إضفاء توصيف جديد للأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال تنافس الكتل الإسرائيلية في سباقها الانتخابي على ضم الأغوار ومناطق متفرقة من الضفة الغربية، كاستحقاقات انتخابية إسرائيلية، في حين يتنافس نتنياهو مع نظرائه على تطبيق نظريات السلام الاقتصادي مع قطاع غزة منفرداً وبعيداً عن منظمة التحرير الفلسطينية، تلك مُعضلات جسدتها الرواية الإسرائيلية من خلال الحديث المتكرر عن السلام الاقتصادي ومحاولاته الجادة في الفصل ما بين قطاع غزة والضفة الغربية من خلال ابرام هدنة مع حماس، تكون بمثابة رصاصة الرحمة على المشروع الوطني الفلسطيني، وتحديداً خيار حل الدولتين الذي لا زالت السلطة الفلسطينية وحدها تتمسك به، حيث أصبح ذلك ممرها الاجباري للحفاظ على ماء وجهها في ظل السيطرة الإسرائيلية المتلاحقة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

مصالح إسرائيل الأمنية تقضي بالتوصل لاستقرار أمنى على حدودها مع قطاع غزة، وذلك من خلال عطش حركة حماس لتحسين الحياة الاقتصادية لمواطني قطاع غزة، في ظل تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية داخل أسوار قطاع غزة، لقد أصبح قطاع غزة طواقاً إلى حبل النجاة الإسرائيلي من خلال فتح المعابر والسماح لألاف العمال بالعمل داخل إسرائيل، وبذلك تُحقق حماس النمو الاقتصادي الذي تطمح له ولو على حساب تحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد البيت الفلسطيني. فقد بات واضحاً أنه لا مستقبل للسلطة الفلسطينية بوضع موطأ قدم لها في قطاع غزة، فجميع المؤشرات توحي بأن قيادة حركة حماس لن تتخلى عن إدارة قطاع غزة مقابل أن يتوجه المواطنين للانتخابات المزمعة، مقابل ان تعود السلطة من باب صندوق الانتخابات لحكم قطاع غزة، فحركة حماس تبحث عن خيارات الاستدامة في حكمها للقطاع سواء من خلال ضمانات المشاركة السياسية أو المحاصصة في الحكم والتواجد بشكل كامل في المشهد الفلسطيني، لأن قطاع غزة يُمثل لها المعقل الأخير.

الضفة الغربية: تُسيطر إسرائيل على مقاليد الحكم في الضفة الغربية، من خلال التحكم في المعابر والمفترقات حتى في الأموال التي يتم تحويلها إلى البنوك الفلسطينية، أي أن السلطة بكامل مكوناتها المؤسساتية تعيش تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي، فاذا ما قرر الاحتلال حرمان السلطة من الأموال فإنها ستنهار سريعاً، وما حصل خلال الأشهر الماضية من اقتطاع إسرائيل لأموال المقاصة إلا محاولة للتجربة عن مدى صمود السلطة الفلسطينية تحت ضغط منع الأموال، وهذا يجعلها تبحث عن مخرج لتلك الأزمات، بدلاً من المطالب بالحقوق الفلسطينية والثوابت الوطنية، والقدس واللاجئين والأراضي والمياه، وإعادة المفاوضات وتحقيق السلام.

السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بمثابة المفعول به سياسياً واقتصادياً، وليست في مرحلة الفاعل السياسي، فهي تتعامل مع إسرائيل برده الفعل، وتُدافع عن نفسها سياسياً خوفاً من الانقراض أمام الضربات الإسرائيلية المتتالية لها، سواء على صعيد ضم الأراضي في غور الأردن والضفة الغربية، أو على صعيد منع تدفق الأموال لصالح رواتب موظفيها سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، في الحقيقة أن السلطة تخوض معركة الصمود والبقاء أمام الغطرسة الإسرائيلية، تلك المعركة المرهقة اعلامياً وسياسياً لها، جعلها في خانة التفكير فقط في أهمية الحفاظ على الضفة الغربية، وأن أولوية منع بناء مستوطنات جديدة في محيط مدن الضفة الغربية أهم بكثير من البحث عن تحقيق المصالحة مع حركة حماس وتوحيد شطري الوطن.

ما هي البدائل: في ظل فشل حركتي فتح وحماس في التوصل للمصالحة وتوحيد الوطن والاتفاق على اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، فإن ذلك يفتح الباب أمام خيارات أمام إسرائيل للاستفراد في عقد اتفاق هدنة مع حركة حماس تُؤمن من خلالها حدودها مع قطاع غزة، وتُرسي استقراراً أمنياً على الحدود يُساعدها على تسكين جبهه القطاع، من خلال ضخ مزيداً من المشاريع الاغاثية والإنسانية والاقتصادية، وفتح المعابر وتوسيع مساحات الصيد، والسماح لألاف العمال بالعمل في إسرائيل، فإنها بذلك تكون قد مكنت حركة حماس من حكم القطاع لعشر سنوات قادمة، وقضت على كل مشاريع الوحدة الفلسطينية.

تسكين قطاع غزة رغبة إسرائيلية مُلحة في الأوقات الحالية، كي تتفرغ القيادة السياسة المتناحرة في إسرائيل على زعامة الحكومة من أجل النيل من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن وشرعنه الاستيطان أكثر فأكثر، والقضاء على قدرة السلطة الفلسطينية في إقامة دولة لها، وتسخير كافة امكانياتها الأمنية في خدمة الأجندة الإسرائيلية، وذلك تعزيزاً لقدرات المستفيدين الحاليين من ثمار اتفاق أوسلوا، والذي قضى على آمال الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية، في ظل تصاعد وتيرة اليمين المتطرف داخل المجتمع الإسرائيلي.

ستواصل إسرائيل لُعبة شد الحبل بين حماس والسلطة بطريقة غير مباشرة، من خلال الضغط على حركة حماس اقتصادياً من أجل الرضوخ لمطالبها الأمنية وتحسين شروط الهدنة، في حين تواصل الضغط السياسي على السلطة الفلسطينية من خلال تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وازدياد حالة الاحتقان الشعبي ضد السلطة لعجزها عن صد المشاريع الإسرائيلية التي تقترب من دوار المنارة في رام الله ومقر المقاطعة.

 

أشرف أبوخصيوان        كاتب وصحفي فلسطيني

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت