المخاوف الأوروبية من الأبعاد الليبية في مؤتمر برلين

بقلم: أحمد سليمان العمري

صورة

 مع اختتام مؤتمر برلين المنعقد يوم الأحد 19 يناير/كانون الثاني كانت قوات الجنرال حِفتر قد أغلقت الموانئ النفطية الرئيسة وقصفت يوم الإثنين 20 يناير/كانون الثاني 2020م محيط العاصمة الليبية طرابلس بالصورايخ وقذائف الهاون، في خرق جديد لوقف إطلاق النار، أي بعد مضي ساعات من المؤتمر الذي تضمّنت أحد أهم مخرجاته نداء إلى الأمم المتحدة لتأسيس لجان تقنية لضبط ومراقبة تطبيق وقف إطلاق النار وتوحيد الكلمة حول حلّ الأزمة الليبية، وتحفيز الخيار الدبلوماسي السلمي الذي تتفق عليه جميع الأطراف.

هذا الطرح فقط لبيان حسن النية عند خليفة حِفتر الذي يسعى لتصعيد الأزمة حد الإستفزاز، فإغلاق الموانئ النفطية إبّان انعقاد المؤتمر وهجوم قواته العسكرية بعد إنقضاء المؤتمر بيوم واحد لا يفسّر بغير ذلك.

منذ انتفاضة عام 2011م، التي أطاحت بالرئيس الليبي السابق معمّر القذافي والنزاعات والحروب الأهلية تعصف بليبيا من أقصى الشمال حتى أدنى الجنوب، والتي أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف عن منازلهم.

 تسيطر قوات خليفة حِفتر على معظم شرقي ليبيا، ومنذ أبريل/نيسان الماضي وميليشيات الآخر تشُنّ هجوماً ضد حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى تنصّل الآخر فيما مضى من إتفاق الصخيرات المنعقد في المغرب ونقض مؤتمر باريس.

وتأتي قمة برلين بعد أسبوع من المحادثات التي جرت في روسيا ولم ينتج عنها غير مغادرة حِفتر دون التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، ونتيجة لذلك عُقد المؤتمر الأخير ضمن خطة من شأنها البحث عن سُبل للسلام في ليبيا بإدارة ألمانية من المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ووزير خارجيتها "هايكو ماس" بدعوة 12 دولة للمشاركة على رأسها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فكانت فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، تركيا، الصين، روسيا، مصر، الإمارات، الجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة لقادة ومسؤولين دوليين؛ فمن الولايات المتحدة، وزير الخارجية "مايك بومبيو"، ومن الأمم المتحدة الأمين العام "أنطونيو غوتيريش"، والمبعوث الأممّي إلى ليبيا غسان سلامة، ورئيسة المفوضية الأوروبية، "أورسولا فون دير لاين"، ومنظمات دولية  كالإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، هذا مع وجود طرفي الأزمة، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دولياً، فايز السراج، وقائد ما يسمّى قوات الشرق، اللواء المتقاعد خليفة حِفتر، الّلذان رفضا التحاور لإيجاد حلّ مشترك وسلمي وجهاً لوجه.

وجود بعض الدول العربية مع اعتذار تونسي بعدم المشاركة يوم السبت قبل انعقاد المؤتمر بيوم واحد غير متوقع متذرّعة بتأخّر توجيه الدعوة إليها، في الوقت الذي كان على تونس لزوماً المشاركة كونها تتقاسم مع ليبيا حدوداً تزيد عن 450 كلم وتحتضن مليون ونصف لاجئ ليبي يخلق كثير الأسئلة وخاصّة بعد أحداث بنقردان.

فما هو السبب الحقيقي إذن وراء الإعتذار التونسي؟ ولماذا أصدرت الخارجية التونسية عقب انتهاء المؤتمر بياناً تحذّر بشدّة من التدخّلات التركية؟

تزامن المؤتمر مع أغلاق الشرطة الألمانية بعض الطرق بعد تجمّع عدد من المتظاهرين، بعضها يرفض الهجمات العسكرية من ميليشيات حِفتر ودعماً لحكومة الوفاق الوطني، وأخرى جزائرية، رفعت شعارات رافضة لرئيسها ومشاركته.

 

ما تمخّض عن المؤتمر

في ختام مؤتمر برلين، دعا البيان الختامي جميع الأطراف في الأزمة الليبية والمشاركين في برلين متفقين على خطوط عريضة سريعة وحاسمة، التي اختصرها وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في مسارات ثلاثة:

الأول: دعم وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا

الثاني: العودة إلى العملية السياسية

الثالث: إنهاء التدخل الأجنبي

كما أعدّ المبعوث الأممي غسان سلامة خُطّة نالت مباركة المؤتمر، حيث تضمّنت بنودها ثلاثة مسارات أيضاً، سياسية وأمنية واقتصادية، أمّا الجانب الأمني فيتمحور في إنشاء لجنة مراقبة دولية لمواصلة التنسيق بين كلّ الأطراف. ويسعى إلى انتزاع تعهد من القوى الدولية بالإلتزام بقرار الأمم المتحدة الذي يحظر توريد الأسلحة للأطراف المتنازعة.

كما وتعتبر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنّ مؤتمر برلين سيوفّر إطاراً يسهّل الحوار بين الطرفين المتنازعين المقرّر في جنيف نهاية الشهر الحالي.

 كما وعلى الطرفين اختيار 13 ممثّلاً لمؤتمر الحوار، فيما تختار الأمم المتحدة 13 آخرين، يمثّلون المجتمع المدني الليبي.

ويهدف مؤتمر جنيف إلى تشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء، وحكومة موحّدة، لإنهاء وجود مؤسسات منفصلة تابعة لكل طرف، وإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية وتشريعية.

أما البند المعني بتكليف لجنة عسكرية، تضمّ عشرة عسكريين من طرفي النزاع، لإيجاد حلول لوقف إطلاق النار مع تحديد موعد الإجتماع بأسبوع بعد انتهاء المؤتمر أثبت أنّه عالة وعبء قبل بدءه، لمَ أقدم عليه الجنرال المتقاعد خليف حِفتر من نقض عهود حتى أثناء العمل في ورشة برلين وبعدها بساعات.

 

مخرجات مؤتمر برلين الضمنية

أمّا عن أهم مخرجات مؤتمر برلين الضمنية التي لم تُطرح رسمياً فهي الإعتراف الدولي بدور تركيا، أو علّه تقديس دورها في ليبيا بمساندة عسكرية وجاهزية كبيرة لقوات الوفاق الوطني ضد حِفتر، فأصبحت بهذا أحد أطراف النزاع، بدل لعب دور الوسيط، بإستثناء الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الذي أدان "رجب طيب أردوغان" وطالب بالكفّ عن إرسال مقاتلين سوريّين مواليين لتركيا إلى طرابلس دعماً لحكومة الوفاق، مع ضرورة التوضيح هنا بأنّ حلفاء أوروبيون يتهمون الرئيس الفرنسي بدعم حِفتر.

وتعمّد المؤتمر تهميش دور المغرب الحاضنة لمؤتمر الصخيرات أو الاتفاق السياسي الليبي عام 2015م الذي تمخّضت عنه حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، الذي شمل أطراف الصراع في ليبيا، لتحضر بدلاً منها دولة الإمارات.

الأوروبيون يرون في تحوّل النفوذ السياسي لروسيا وتركيا تهديداً لدول الإتحاد، فعلّ مؤتمر برلين هو الفرصة الأخيرة لهم في المشاركة في الحل السياسي، بالإضافة إلى الحدود مع أوروبا وهو الخطر الذي يؤرّق ألمانيا من خلال الهجرة غير الشرعية والهدف الرئيس من وراء إقامة المؤتمر.

البيان الختامي استثنى أُسس الصراع الأساسية التي قدّ تساهم في حلّ الأزمة، واختزلت تقريباً القضية الليبية فقط بوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دور الدول الغربية في الصراع، فتركيا تنال موافقة أمميّة لنشر قواتها لمساعدة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بينما يحظى حِفتر بدعم روسيا ومصر والسعودية والإمارات والأردن.

الأسلحة تدخل ليبيا على مرأى من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وعلى أرض الواقع ميليشيات حِفتر والقوى الداعمة له لا يريدون غير التصعيد ولا يتبنون إلّا الحلّ العسكري وإقصاء خصومهم من المشهد السياسي، غير أنّ هذا تعذّر بعد ما قارب العام من الحرب الدامية بين الشعب الواحد.

ليبيا لا تحتاج إلى بعثات أوروبية ودولية، هي بحاجة أكثر للقاءات داخلية جديّة، وحوار مشترك بين أبناء الوطن الواحد، وبحاجة إلى ضمانات أوروبية ودولية ومن دول الجوار لإلزام الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولة الحوار بشكل جّدي ونوايا صادقة للوقوف أمام الأزمة، وليس كما حصل في برلين، حيث غابا طرفي النزاع فايز السراج وخليفة حِفتر عن الصورة الجماعية في المؤتمر وعن جلسة الحوار ولم يلتقيا. غير أنّ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، صرّحت بأنّ الجانبين تم إطلاعهما واستشارتهما من قِبل الأطراف الأخرى المشاركة في المؤتمر.

أستحضر في هذا المقام مقولة رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري تهكّماً على ما دار في مؤتمر المنامة حيث شبهه بالعرس والجميع حضور عدا العريسين، الجانب الفلسطيني والإسرائيلي آن ذاك، وقد ذكرتها قبل في مقالتي "مخرجات مؤتمر المنامة الإنفصامي". مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ، واليوم جانبيّ الصراع الليبي، فهو تماماً كعرس يخلو من العريسين.

الآن وبعد نهاية المؤتمر وما تمخّض عنه، فهل ستقدّم الأطراف الدولية مصلحة ليبيا والليبيين وتتخلّى عن بسط نفوذها ومصالحها وتطبّق فعلاً بنود البيان الختامي والقرارات؟ أمّ أنّ مخرجاته ستكون سلسلة مؤتمرات أخرى أهدافها ورقية كالتي مضت؟

كثيرُنا يبحثون في معظم الأحيان عن إجابة واحدة، بنعم أم لا، ودون تحليل أو تأويل مطوّل مُملّ كمقالتي هذه عند البعض لا تُسمن ولا تغني من جوع، لذلك أرى طرح السؤال مبرّراً والإجابة عليه كذلك. هل أفلح مؤتمر برلين أم أخفق؟

ولهذا أترك الإجابة بنعم أم لا لمتذوقي المشهد السياسي الليبي أو للوقت، فهو كفيل للإجابة بكلمة واحدة.

فأقول كما قال قُرَاد بن أجْدَعَ:
فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلّى ... فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ

 

 

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت