كان يفترض الاعلان عن الشق السياسي لصفقة ترامب الخبيثة بعد انتخابات الكنيست الحادية والعشرين والتي جاءت بنتائج لم تمكن اي من الكتل البرلمانية من تشكيل ائتلاف حكومي في اسرائيل واستنفذت الفترة الممنوحة لكل الكتل البرلمانية الاسرائيلية دون ذلك , هنا لم يكن امام الادارة الامريكية الا تأجيل نشر الصفقة اكثر من مرة والتفكير بخطوات موازية وهي البدء في تنفيذها بهدوء ودون جلبة اعلامية كبيرة وبدات الادارة الامريكية تتصور ان الشق الاقتصادي قد يكون الاقل تعقيدا وهو الاداة التي ستهيئ لاعلان الصفقة ايذانا بتطبيق بنودها , واعتقدت الادارة الامريكية حينها ان الشق الاقتصادي لا يحتاج الي ارضية سياسية مهيئة باسرائيل كالتي تنتظرها الادارة الامريكية لذلك اعلن عن مؤتمر البحرين الاقتصادي يونيو 2019 بهدف اطلاق الخطة الاقتصادية وجمع المال اللازم للشق السياسي .
واعتقدت الادارة الامريكية ان بامكانها رسم ممرات اقتصادية واقعية للصفقة يقبلها الفلسطينين علي اعتبار انها سوف ترمي بمليارات الدولات امامهم بانتظار ان تنتهي ازمة الحكم في اسرائيل , لكن الازمة لم تنتهي وتعقدت وذهبت اسرائيل الي انتخابات ثانية وفشل كل من زعيم اليمين نتنياهو ورئيس ازرق ابيض بيني غانتس في تشكيل ائتلاف حكومي ينقذ اسرائيل من هذه الازمة التي تتعقد يوما بعد يوم .
وبالتالي اعلنت الكنيست عن الذهاب الي انتخابات ثالثة في غضون ثلاث اشهر لتكون في مارس القادم 2020 كل هذا دون ان يطبق بند واحد من قرارات قمة البحرين. لم تكن البيئة السياسية في اسرائيل مهيئة تماما لنشرالشق السياسي واليوم بعد ان فقد الامل من وصول الاسرائيلين لحلول حقيقية لازمتهم حتي ولو ذهبوا لانتخابات ثالثة حسب استطلاعات الرأي فان الادارة الامريكية ارتأت الاعلان عن الشق السياسي كجزء من برنامج انتخابي لترامب ولدعم احد الطرفين ليجتاز عدد المقاعد المطلوبة لتشكيل ائتلاف حكومي علي اثر نتائج الانتخابات الثالثة .
لعل الادارة الامركية تدرك اليوم اليوم ان رفض الفلسطينين الصفقة امر معقد امام خطتهم فلا يعتقدوا ان العرب قد يقبلوا دون الفلسطينين , ولا اعتقد ان سبب اعلان الصفقة وصول الامريكان لطرف فلسطيني يقبل تلك الصفقة ويوافق عليها , اليوم باتت ادارة ترامب تحت تهديد الوقت لان واشنطن تقترب من الانتخابات الرئاسية وسوف تنشغل في النصف الثاني من هذا العام اي اذا انتظرت حتي تأتي نتائج الانتخابات الثالية ويشكل نتنياهو او غانتس الحكومة , لعل الادارة الامريكية رأت انه لابد من قفزة للامام والاستعجال باعلان الصفقة حتي علي الاقل تسجل في ملف ترامب انه قدم خطة لحل الصراع دون الاكتراث لفشلها او نجاحها لان الادارة الامريكية تعرف ان الفلسطينين لن يقبلوا بهذه الصفقة تحت اي اغرائات كانت فقد اغلق ترامب الطريق امام ذلك وامام ان تكون الادارة الامريكية الحالية راعي حقيقي لعميلة السلام بالشرق الاوسط .
لعل اختيار الادارة الامريكية توقيت اعلان الصفقة له عدة اسباب اولها اسباب تتعلق بالوضع الداخلي في اسرائيل وازمة الحكم التي طالت وبالتالي دعم احد الطرفين واعتقد ان نتنياهو يحظي بذلك عبر هذا الاعلان وقد يكون ذلك في صالحة باعتبار ان هذا سوف يساعد نتنياهو علي تجاوز خط الانغلاق وتحقيق قفزة ما نحو الحصول علي مزيد من اصوات الجمهور الاسرائيلي ويتمكن من تحقيق اكثر من 60 مقعد لمعسكره ما يمكنه من تشكيل حكومة بسهولة كما وان الاارة الامريكية استشعرت ان برنامج نتنياهو الانتخابي قد يجعل من الصفقة لا صفقة ويفرغها من مضمونها وقد تفجر المنطقة وذلك بعد اعلانة عن ضم الضفة الغربية وغورالاردن والبحر الميت في خطوة لا ترغب فيها ادارة ترامب في الوقت الحالي او لا ترغب فيها بقرار اسرائيلي منفرد بل ترغب فيها عبر ما يسمي الصفقة والخطة الامريكية التي ستعلن عنها ادارة ترامب قريبا حسب ما اعلن الاخير . الادارة الامريكية تعرف ان صفقة ترامب قد تفجر المنطقة ايضا لكنها لن تكون شديدة الانفجار كما لو فعل نتنياهو لذلك اعتقد ان الصفقة ستعلن وتحد من خطة نتنياهو الرعناء وتجعل منها خطوات تبرمج لها الادارة الامريكية وتشرف علي تطبيقها بعناية وهدوء.
اعلان الصفقة لا يعني تطبيقها وفرضها بالقوة فلا قوة تستطيع اجبار الفلسطينين علي التنازل عن حقوقهم وحلمهم الوطني وعاصمتهم وتاريخ اجدادهم ولا اي طرف فلسطيني يستطيع ان يتعاون مع الامريكان علي قبول الصفقة مهما كان وزنه السياسي وبالتالي سيكون اعلانها ليس اكثر من بروبوغندا انتخابية لكل من نتنياهو وترامب في ذات الوقت لان ترامب يعتقد انه قدم حلا مثالياً للصراع الطويل الذي لم تستطع اي ادارة امريكية سابقة حله واستطاع ان يضمن اصوات اليهود ومناصريهم بالولايات المتحدة الامريكية في الانتخابات القادمة وبالتالي فوزة بولاية ثانية اصبح مسالة وقت مع العلم انه لن يكون بمقدور الادارة الامريكية انجازها في عام او عامين او ثلاث اعوام بل قد تستمر المحاولات في امكانية تطبيقها عشرسنوات واكثر واعتقد ان الصفقة سيترك مصيرها لحين تسمح الظروف السياسية , وهنا اشك كليا في ان تكون الصفقة قابلة للتطبيق حتي لو تغير المشهد وذهبت هذه القيادات وجاء اخرون , نعم سيذهب ترامب بعد حين حتي لو فاز بولاية حكم اخري وياتي غيرة وسيذهب نتنياهو ويأتي غيرة وسيذهب ابو مازن وياتي غيرة وهنا لا نعرف هل تصلح هذه الخطة لذلك الوقت ...؟
ويقبلها من ياتي بعد ذلك...؟ , لكن المؤكد ان اسرائيل ماضية في تطبيق ابعد من بنود الصفقة وتصفية الصراع بهدوء لصالح كيان صهيوني كبير.
د. هاني العقاد
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت