فزلكة ترامب السياسية والتحديات القادمة

بقلم: رمزي النجار

رمزي أحمد النجار

تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وبهدف إرضاء الصهيونية مصدر تمويل ترامب في حملته الانتخابية المبكرة لدورة رئاسية ثانية، خرج ترامب علي العالم بفزلكة القرن في أكبر لعبة سياسية بين ترامب ونتنياهو لإنقاذ كلاهما من أزماتهم السياسية الداخلية، ومنح فرصة العبور لهما في الانتخابات القادمة، فالخطة الامريكية للسلام أو ما تسمى صفقة القرن التي طرحها ترامب في المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو في البيت الأبيض تمثل قمة الغباء السياسي للإدارة الامريكية الحالية، في تحدى واضح لكل الحقائق التاريخية والمبادئ والقيم والاعراف الدولية، والقفز على قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بل استهزاء بالقانون الدولي وانتهاكا فاضحا لإرادة المجتمع الدولي والعربي الذي يدعم السلام العالمي والدولي بين الشعوب وحق تقرير مصيرها، ورسخت الشعور بأن الرئيس الامريكي ترامب شخص لا يعرف شيئا في السياسة ويتكلم فيما لا يعلم، بل يعتمد على نشوه استعراض القوة امتداداً لسياسية الغطرسة الامريكية القديمة الجديدة في زعزعة الأمن والسلام في العالم، وكسب العدوات والكراهية بين الدول على حساب حرية الشعوب التي تدفعها من دماء أبنائها وأرواحهم للحصول على حريتها وكرامتها الانسانية.
يظن ترامب بفزلكتة السياسية أنه صنع المعجزات نحو حل القضية الفلسطينية من خلال الأفكار العائمة في خطته للسلام التي رسخت بالدرجة الأولى الرغبات الاسرائيلية في اعلان السيادة على القدس والمستوطنات والأغوار، بل بالعكس كشفت مدى الانحياز الامريكي الأعمى لإسرائيل بلا حدود في دعم سيطرتها الكاملة على الأرض الفلسطينية تجسيدا لمقولة بن غوريون أن فلسطين أرض بلا شعب وأن اليهود شعب بلا أرض، وبالتالي تجاهل كامل للحقوق الفلسطينية، وبيع الوهم للفلسطينيين بالسماح لهم في إعلان دولتهم المستقبلية على المدى البعيد أي بعد خمس سنوات من التفاوض على أراضي مستبدلة متجزئة ومنفصله متفق عليها مع الدول المجاورة، واقامة المشاريع التنموية المخصصة لها ملايين الدولارات من أنفاق وجسور وجزر، واختيار تحديد العاصمة دون القدس واستبعاد قضية اللاجئين وحقوقهم، فالتوقيت الزمنى المحدد لتنفيذ الخطة دس السم في العسل، حينها تكون ولاية ترامب الثانية انتهت، بانتظار قدوم رئيس أمريكي جديد والعودة الى المربع الأول، أيضاً تكون اسرائيل استغلت الأمر جيدا ونفذت من جانب واحد الصفقة برعاية أمريكية وتأييد بعض الدول العربية، وفرضت أمر واقع جديد على أرضية فزلكة خطة ترامب ورؤيته للسلام على حساب الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضة التي احتلت بالقوة.
 ولعل فزلكة ترامب السياسية التي قوبلت بالرفض من قبل الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى رأسها الرئيس محمود عباس الذي استطاع بحنكته السياسية افشالها قبل اعلانها، ورفضه حتى مناقشتها مع الامريكان، واعلانه في أكثر من مناسبة بأن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها في تحقيق السلام بين الجانبين، فالرئيس أبو مازن كان أكثر وضوحا منذ سنوات بأنه لن ينهى حياته بخيانة، وأنه لن يستطيع أحد التفريط بالقدس وانها ليست للبيع، وأنه كل ما يملكه أن يقول "لا" لكل من يطالبه بالتنازلات من الامريكان وغيرهم، وأنه لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبل بأدني التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني المطروحة ضمن صفقة القرن، كما أن الموقف الفلسطيني الموحد من أحزاب وقوي سياسية ومؤسسات المجتمع المدني في الرفض الواضح لفزلكة ترامب في صفقته السياسية غير العقلانية صفعة سياسية قوية رغم الضغوط والتهديدات الامريكية بأن هذه آخر فرصة للفلسطينيين في التعاطي مع عملية السلام ولن تتكرر،
وهذا التهديد له ما بعده وبمثابة إشارة إلى اسرائيل للاستقواء على الشعب الفلسطيني والنيل من أرضة وحقوقه بضمانة أمريكية، وتوسيع الدولة اليهودية بل دمجها في الإقليم، لتتجاوز الحل على أساس القانون الدولي والمبادرة العربية للسلام، وضربا من ضروب استعراض القوة الامريكية في ايجاد الحلول لمشاكل الشرق الاوسط وفقا للأفكار الامريكية التي تتساوق مع اسرائيل ومصالحها في الإقليم، مما يتطلب استراتيجية فلسطينية موحدة دون الرهان على العرب أو دول العالم التي باتت المصالح الاقتصادية فوق كل اعتبار لمواجهة التحديات القادمة، لأن فزلكة ترامب السياسية سوف تنتقل من على الورق إلى أرض الواقع لزيادة الضغوط على الشعب وقيادته للقبول بالواقع الجديد، والشعب الفلسطيني قادر على افشال كل المخططات التي حيكت وتحاك ضده في الماضي والمستقبل، وهذا قدر الفلسطينيين المحتوم اليوم في مواجهة فزلكة ترامب السياسية.


بقلم: د. رمزي النجار
 أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية
 [email protected]

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت