لا شك أن صفقة القرن تشكل مصيبة وكارثة كبرى فهى جاءت ، كما خطط لها من رسموها، لتصفية وشطب القضية الفلسطينية من جذورها، وهذا بالمناسبة لا يحتاج إلي الشرح والتحليل والتفصيل فما ورد فى الصفقة الكارثة واضح وضوح الشمس، فالصفقة قد حسمت أمر القدس الشريف، وأمر اللاجئين، وأمر الاستيطان، وأمر الأمن، وأمر المياه، وأمر الاقتصاد، وأمر الارض وما فوقها وما تحتها ... الخ لصالح اسرائيل، فى الوقت الذى لم تعترف هذه الصفقة للفلسطينين أصحاب الارض إلا بالفتات الفتات الذى جسدته الخارطة المشئومة متنكرة بذلك للحقوق الثابتة والاصيلة للشعب الفلسطيني على أرضه ومقدراته التي اعترفت بها الشرعية الدولية.
اللافت أن القائمين على هذه الصفقة وبعد أن قاموا بتأجيل الاعلان عنها عدد كبير من المرات وذلك تحديدا خشية عدم قدرتهم على تمريرها، قد اختاروا اعلانها فى هذا التوقيت أولا لأسباب مصلحية شخصية تتعلق بالانتخابات فى أمريكا واسرائيل، وثانيا لأسباب تتعلق بإمكانية تمريرها فى ظل انشغال العالم بالكثير من الأزمات الدولية والاقليمية، وانشغال الدول العربية بما تواجهه من تحديات كبيرة على الصعيد الداخلى لكل منها وبينها وبين بعضها البعض، وانشغال شعبنا الفلسطينيى بما نعانيه من انقسام سياسى، وجغرافى، وبرلمانى، وقانونى، ورياضى، وتعليمى، ومؤسساتى، ... وما نعانيه مما فرض علينا من حصار اقتصادى مخطط له ومدورس، وما نتج عنه من ظروف اقتصادية فى غاية الصعوبة والتعقيد، وما نعانيه من احباط بسبب انسداد الافق السياسى نتيجة وصول عملية السلام إلي طريق مسدود.
لربما كان القائمون على صفقة النكبة يتوهمون أن يأتى الفلسطينيون منبطحين مهرولين موافقين على ما ورد فى الصفقة، ولربما توهموا أن العرب المنشغولون بهمومهم وقضاياهم سيأتوا داعمين للصفقة، و لربما توهموا أيضا أن أهلنا فى المثلث سيقبلون صاغرين ضمهم إلي السيادة الفلسطينية حسب ما جاء فى الصفقة، ولكن على ما يبدو أن الرياح قد خذلت القائمين على الصفقة حين أتت بما لا تشتهيه سفنهم بعد أن قامت كل الدنيا ولم تقعد غاضبة، ومنددة، ومستنكرة، ورافضة للصفقة قالبة الامور رأسا على عقب.
فلسطينيا، فقد جاءت هذه الصفقة المشئومة لتوحدنا جميعا شعبا، ومنظمة تحرير، وسلطة وطنية، وأحزابا وتنظيمات سياسية، ومؤسسات مجتمع مدنى، وقطاع خاص، وقرى ومخيمات ومدن، ونقابات واتحادات، وطنا وشتات، واعلام، واتحادات طلابية، وكتل سياسية، وبلديات ومجالس قروية ... الخ حين أعلن الكل الفلسطينى وبصوت مرتفع وعلى رؤوس الاشهاد رفضهم الصريح الواضح والقاطع لهذه الصفقة، ورفضهم التعاطى معها بأي حال من الأحوال.
عربيا، فقد قرر وزراء الخارجية العرب لدى الجامعة العربية بالاجماع ررفض صفقة القرن جملة وتفصيلا، وطالبوا بضرورة تحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطينى وضمان حقه في اقامة دولته على الاراضي الفلسطينية المحتلة ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، كما قامت أحزاب وشخصيات سياسية ونقابات واتحادات ومواطنين في العديد من الدول العربية مثل الأردن، وتونس، والجزائر، ولبنان بوقفات احتجاجية ومسيرات حاشدة رافضة لصفقة القرن ومتضامنة مع الشعب الفلسطينى وداعمه له، كما أعلن الرئيسان الجزائرى والتونسى بعد لقاء جمعهما في الجزائر عن رفضهما الصريح لصفقة القرن وأن ردود فعل الفلسطينيين والدول العربية تجعلهما يفكران مليا بمدى قابلية هذه الصفقة للحياة، ناهيك عن قيام العديد من الجاليات العربية بوقفات احتجاجية ضد الصفقة في كثير من دول العالم مثل الولايات المتحدة، وبرلين، وبريطانيا، وفنزويلا، وفرنسا، موريتانيا، الباكستان، وتركيا ... الخ.
أما عالميا، وعشية إعلان صفقة القرن، فقد أكد المتحدث باسم الامين العام للامم المتحدة (استيفان دوغريك) على "ان موقف الامين العام للامم المتحدة (انطونيو غوتيرتس) ثابت ولم يتغير إزاء عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لإحلال السلام في الشرق الاوسط، وعلى عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة وضرورة انسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ 1967 بما فيها القدس الشريف التي ينبغى أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية". أما منظمة التعاون الاسلامى والتي تضم دول عدد/ 57 فقد أقرت بالإجماع رفضها لصفقة القرن. أما الرئاسة الروسية فقد أكدت "أن صفقة ترامب لا تتوافق مع قرارات مجلس الامن"، فى حين أكد ممثل الاتحاد الاوروبى "أنه دون اتفاق بين جميع الأطراف فلا توجد خطة سلام يمكن أن يكتب لها فرص النجاح". أما الأبرز، فقد أصدرت مؤسسات فلسطينية أمريكية عدد/34 بيانا مشتركا أكدت من خلاله "أن الصفقة المشينة انما هى محاولة لفرض أجندة اسرائيلية متطرفة على الفلسطيننين، وبأنها انتهاك للقانون الدولي، ومحاولة لاضفاء الشرعية على المستوطنات الاسرائيلية غير القانونية في مواجهة الأدلة العالمية التى تطالب اسرائيل بوصفها قوة الاحتلال أن تلتزم بقواعد القانون الانسانى الدولى التى تحكم حالات الاحتلال الحربى، ولا سيما لوائح لاهاى لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل أو ترحيل السكان المحليين بالقوة أو نقل سكانه إلي الاراضي المحتلة",
اسرائيليا، فقد جاء رجال سياسة ومحللين سياسين وعسكريين بردود فعل مغايرة وغير مسبوقة تجاه صفقة القرن ربما لم يتوقعها الرئيس ترامب ونتنياهو، فهذا "يوسى بيلين" ناشط سلام ووزير اسرائيلى سابق فيقول "أن صفقة القرن ليست خطة سلام، وأن ضم الأراضي الفلسطينية يعتبر خرقا فظ"، وهذه "حركة السلام الان" الاسرائيلية تعود لها الروح من جديد بعد غياب طويل حين قامت بتظاهرة وسط تل ابيب تنديدا بصفة القرن رفعوا من خلالها شعارات منددة ورافضة لصفقة القرن وضم المستوطنات والأغوار في الضفة الغربية للسيادة الاسرائيلة. أما معلق الشئون السياسية في القناة (12) (امنون ابراموفيتش) فقد قال "من كتب الصفقة لا يفقه شئ عن الواقع، فريدمان وكوشنير وجريبلات منفصلين عن الجغرافية، ومن ثم أن صفقة كهذه تحتاج لاستفتاء شعب سنوات لتنفيذها، حتى النفق بين ترقوميا وغزة يحتاج لعشرات المليارات وعشر سنين"، اما "رينا نتسليح" فقد قالت للقناة 12 فى التلفزيون الاسرائيلى "أن الصفقة قد أعاد وضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات الحملة الاعلامية الانتخابية الاسرائيلية بعد ان ظن الاسرائيليون انهم تجاوزوا هذه النقطة وأنه لم يعد هناك شئ اسمه القضية الفلسطينيية فى الحملات الانتخابية". أما المحلل العسكرى (رونى دانييل) فقد ذكر "أن اصحاب المليارات اتوا لييجربوا عقد صفقاتهم علينا، وكأننا دمى ويقامرون علينا، وأن نتنياهو ذهب الى صفقة القرن وحدث معه العكس قالوا له توقف عن ضم الضفة، والمستوطنيين أعلنوا أنهم لن يقبلوا بمنح الفلسطينين 70% وبالتالي يفقد أصوات المستوطنين والعرب وتحول كل شئ ضده".
بقلم : د. يوسف صافى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت