منذ إعلان صفقة القرن جاء الرد سريعا من الرئيس أبو مازن والقيادة والقوى الفلسطينية بالرفض المطلق والتصدي لها بكل الوسائل المشروعة واسقاطها لأنها لا تلبى الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني في نيل الحرية والاستقلال، ربما الرئيس أبو مازن رئيساً وزعيما فلسطينيا فوق العادة، لأنه جبل المحامل صاحب اللاءات لأمريكا، وأخذ على عاتقة عهدا بإفشال الصفقة قبل ولادتها متسلحاً بإرادة الشعب الفلسطيني الموحد في مواجهة الادارة الامريكية، فسرعان ما وجه الصفعات تلو الأخرى إلى أمريكا واسرائيل ردا على صفقة العصر، فعقد اجتماعا فلسطينيا جمع الكل الفلسطيني والتأكيد على رفض الصفقة جملة وتفصيلا، كما طالب بانعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب وحضره بنفسه مخاطبا إياهم بدبلوماسيته المعتادة بأن المؤامرة كبيرة، ولا نريد منكم أن تقولوا لأمريكا "لا" بل فقط نريد منك أن تقولوا نقبل ما نقبل فيه الفلسطينيين ونرفض ما يرفضوه، أي بمعنى نحن الفلسطينيين أهل المواجهة مع أمريكا، وكل ما نريده منكم أن ترفضوا الصفقة، وبالفعل نجح الرئيس أبو مازن في استصدار قرار عربي بتبني الموقف الفلسطيني برفض الصفقة، وخلال أيام سوف تنجح الدبلوماسية الفلسطينية في استصدار قرارات أخرى من منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي ودول عدم الانحياز برفض الصفقة، والتأكيد على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بخصوص القضية الفلسطينية كمرجعيات دوليه في أي مفاوضات أو خطه سلام تطرح هنا أو هناك.
ولعل إصرار الرئيس أبو مازن على استصدار قرار عربي وإسلامي وأفريقي رفضا لصفقة القرن تمهيدا لمدخل دولي يعد في غاية الأهمية في مجلس الأمن الذي سوف يعقد جلسة خاصة في هذا الإطار بناءً على طلب الدول العربية لرفض الصفقة، ولكن سيقف الفيتو الامريكي عائقاً امام صدور قرار من مجلس الامن، حينها سوف يتوجه العرب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على الاجماع الدولي الرافض لصفقة القرن، وهذا الاجماع الدولي بعدم قبول الظلم للفلسطينيين بمثابة الصفعة القوية للإدارة الامريكية الحالية برئاسة ترامب، وبالتالي إعلان وفاه الصفقة قبل ولادتها، وهذا سيكون بمثابة انتصار معنوي وسياسي يحسب للدبلوماسية الفلسطينية وإلى حنكة الرئيس أبو مازن في إفشال كل الصفقات التي تحاول النيل من حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي كل الأحول تبقى صفعات الرئيس أبو مازن الموجهة لكل من ترامب ونتنياهو أقوى من صفقاتهم السياسية، ومع ذلك تبقى صفعة أم الصفعات التحلل من اتفاقيات أوسلو وما ترتب عليها من التزامات سياسية وقانونية وأمنية واقتصادية بمثابة التحدي الأكبر، خاصة أنها تضع اسرائيل أمام مسؤولياتها كقوة احتلال للأراضي الفلسطينية، ومعها سوف تستنفر اسرائيل قواها الأمنية في مواجهة الضرر الأمني القادم، مما يشعل الغضب الاسرائيلي الامريكي ضد الرئيس والقيادة والشعب الفلسطيني، والتوجه نحو فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الجماعية، ومحاصرة السلطة، واستخدام اسرائيل قوتها العسكرية المفرطة ضد الفلسطينيين على أرض الواقع بحماية وضمانة أمريكية، ومن شأن ذلك أن تبقي المواجهة مفتوحة ويصعب معها ضبط ايقاع الأمور على الأرض.
وعلى ما يبدو أن الرئيس أبو مازن والدبلوماسية الفلسطينية لديها العديد من الصفعات المتتالية والمستقبلية التي تستطيع توجيهها إلى الإدارة الأمريكية واسرائيل، ففي حال إصرار أمريكا على تحدى إرادة المجتمع الدولي بتنفيذ بنود صفقة العصر على أرض الواقع بعد الرفض الدولي والعربي للصفقة، من خلال توفير ضمانة أمريكية إلى إسرائيل بضم المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية إليها في خطوة فرض أمر واقع جديد مستقبلي للتسوية السياسية، حينها تستطيع دولة فلسطين أن تدرس تقديم شكوى في المؤسسات الدولية ضد الاستيطان أحد بنود الصفقة التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى اسرائيل بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية المحتلة بالقوة، وهذا يعد مخالفا للمواثيق الدولية.
باعتقادي أن القادم أصعب مما يتوقعه أحد خاصه مع اصرار القيادة الفلسطينية على تغيير الدور الوظيفي للسلطة، فالتحديات كبيرة في ظل الصفعات المتتالية التي تتوجه إلى الادارة الامريكية واسرائيل، مما يضعهم في موقف محرج وضعيف أمام المجتمع الدولي الذي بدوره ستكون له كلمه ولن يلتزم الصمت كالعادة، حينها سوف تزداد حجم الضغوط الأمريكية الاسرائيلية محليا وعربيا وإقليميا، مما يحتم على القوى السياسية الفلسطينية أن لا تترك الرئيس أبو مازن وحيدا في مواجهة تلك التحديات، وعلى الدبلوماسية الفلسطينية أن تنشط بقوة والبحث عن مداخل دولية جديدة في المواجهة القادمة لتوجيه الصفعة تلو للأخرى لكل من الادارة الامريكية واسرائيل، وأن تبقى الصفعات الفلسطينية أقوى من صفقاتهم.
بقلم: د. رمزي النجار
استاذ القانون الدستوري والنظم السياسية
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت