شكلت النكبة الفلسطينية الكبرى، التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948، المحطة المفصلية في مسار الشعب الفلسطيني، فقد أنتج التحالف الوطيد بين الحركة الصهيونية والامبريالية العالمية الاستعمارية (البريطانية والأمريكية) على وجه الخصوص، إحلال كيان سياسي وبشري مكان الكيان السياسي الفلسطيني، الذي تعرض الى ضربة قاضية، اثر اعلان قيام دولة "إسرائيل" في 14 أيار 1948، وهو الإعلان ذاته، عن بدء دخول الشعب الفلسطيني، في مواجهة "التيه" ، لدفعه على سلوك مسار غير طبيعي، نحو تحويل الكيان السياسي الفلسطيني، من بحر ديمغرافي يمتد على مساحة جغرافية واضحة المعالم والحدود، الى هلام يطفو على سطح بحر الهجرات اليهودية، التي كلما اشتدت مع موجات الرياح القادمة من الغرب، كانت تتلاشى شيئا فشيئا، لتتحول الى ذرات تتناثر في جغرافيا وحدود جديدة، دون أي تعريف سياسي، او اعتراف بمكانة سياسية واضحة المرجعية والتمثيل.
صارع الشعب الفلسطيني وعلى نحو 20 عاما للبقاء، للحفاظ على تعريفه السياسي والحضاري والتاريخي، بحيث أعلنت حرب المرحلة الثانية على الشعب الفلسطيني، في محاولة لنزع أي ارتباط معنوي او سياسي مع الأرض المسلوبة، ومع الحق الذي سرق، على مرأى من العالم أجمع، فما كان من الشعب الفلسطيني، الذي أدرك مبكرا ضرورة خوض معركة الكيان السياسي، كمقدمة وحاجة ضرورية لشن هجوم معاكس، يهدف الى تحرير الأرض واستعادة المسلوب، وبهذا كان الإعلان العملي عن البدء بتشكيل حركة التحرر الوطني الفلسطيني المعاصرة، التي شكلت فصائل المقاومة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية أعمدتها الأساسية.
بعد 21 عاما من الحرب الشاملة، على الشعب الفلسطيني وكيانه السياسي، جاء تاريخ 22 شباط من العام 1969، ليسجل انطلاقة استثنائية في حياة الثورة الفلسطينية في مسيرة الكفاح الفلسطيني، بل شكلت محطة مفصلية ومهمة، عنوانها "الفكر اليساري المسلح"، تحت شعار "فجر جديد في تاريخ الشعب والثورة"، فمع اعلان استقلال هذا التيار داخل حركة القوميين العرب، اعلن عن ولادة فصيل جديد، سوف يكون له اسهامات كبرى، في كتابة فصول النضال والتضحية الفلسطينية المعاصرة، وأحد عرابي المسار الثوري بالرؤية السياسية المميزة، المستندة للبندقية الثورية ذات الاتجاه والبوصلة الواضحة، والتي سطعت نجومها في سماء الثورة والشعب، لتعلن ولادة "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وعلى الرغم من جميع التحديات والمصاعب، التي كانت تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية، وجنين المقاومة الآخذ بالتكوين حديثا، في رحم الثورة الفلسطينية المعاصرة ، فقد تمكنت الجبهة الديمقراطية ومنذ انطلاقتها، ان تكرس نفسها كأحد أهم الأعمدة الثورية في حركة التحرر الفلسطينية والعربية، وعملت على النهوض بواقع الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي والمشرذم في دول اللجوء والشتات، لتنقله الى حالة ترتيب الصفوف واستعادة الكيان السياسي، والتجهيز لخوض معركة التحرير، آخذة بعين الاعتبار، الضرورة في إعادة تشكيل كيان الشتات الفلسطيني، وإعادة الاعتبار الى هويته الحضارية والتاريخية والوطنية والسياسية، وإعادة إحياء شخصيته وحركته الوطنية المستقلة، ضمن إطار سياسي جامع، شكل القلعة الحصينة الذي مثلته منظمة التحرير الفلسطينية.
منذ انطلاقتها، حددت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هويتها الفكرية والأيديولوجية، لتعبر عن نفسها كحزب يساري ديمقراطي ثوري يسترشد بالاشتراكية العلمية، كمنهج لتحليل الواقع، تقوم على مبدأ المركزية الديمقراطية. وعليه أبرزت الجبهة الديمقراطية تعبيرها الطبقي بشكل واضح، على إثر التعريف الطبقي والوضوح في فهم التمايز بين حزب ديمقراطي ثوري، يعتبر مسلكا ضروريا في الدول النامية، والتي تتسم بطبيعة نمط انتاج وعلاقات إنتاج فرضتها الدول الرأسمالية عليها، وبين حزب طبقة عاملة (الحزب الشيوعي) في الدول الرأسمالية، التي أفرزت تمايزا طبقيا واضحا (البرجوازية – الطبقة العاملة)، اذ كان ظهور الأحزاب العمالية والشيوعية أمراً طبيعياً وحتمياً في هذه البلدان، نتيجة لحالة التناقض التي إنتهجها التطور الرأسمالي في البلدان الرأسمالية.
لذلك عبرت الجبهة الديمقراطية، عن تحالف الأقلية من الطبقة العاملة مع الفلاحين وعموم الكادحين والفئات الوسطى، من أجل انجاز عملية تحرر وطني، وانعتاق من نير الاحتلال الصهيوني، في مشروع وطني يستجيب لطموحات وآمال جميع طبقات الشعب الفلسطيني ومختلف تجمعاته، على ان تكون للطبقة العاملة دورا طليعيا، في عملية النضال والتأثير في مجرى العملية التحررية، وذلك بالعمل على توحيد سائر هذه الطبقات المعبر عنها، وتوحيد نضالها في جبهة وطنية متحدة، تناضل من أجل الهدف الشامل، وهو انهاء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والصهيوني، وهو ما يحقق أحد أهم ركائز حركة التحرر الوطني الفلسطيني، في صون وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة حقوقه الوطنية.
واولت الجبهة وعلى امتداد الـ 51 عاما، أهمية خاصة في تشكيل أذرعها العسكرية، فلعبت دورا محوريا في تاريخ الصراع العسكري مع العدو الصهيوني، بالعمليات البطولية النوعية والمدروسة، التي نفذتها الجبهة في مختلف مراحل الثورة الفلسطينية، والتي افتتحتها القوات المسلحة الثورية، بسلسلة من العمليات، التي مازالت تؤرق الكيان الصهيوني وقادته الأمنيين والسياسيين، والتي اتى عليها المحللين العسكريين الصهاينة، في العديد من التقارير والتحقيقات التي نشرت عبر وسائل اعلام صهيونية مكتوبة او مرئية، وكان آخرها في حلقة خاصة لقناة "معا" الإخبارية، عرضت تقريرا مترجما استعرض ابرز العمليات التي استهدفت الكيان الصهيوني، ومنها عملية "معالوت - ترشيحا" التي نفذتها وحدة خاصة من مقاتلي القوات المسلحة الثورية، المؤلفة من الرفاق "زياد، حربي،
لينو" في 15\5\1975، فاعتبروها وفي الأرشيف "الإسرائيلي"، اكبر العمليات العسكرية، التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية من الخارج، من حيث التخطيط والأداء والتنفيذ والهدف السياسي.
وفي هذا السياق، عمدت الجبهة الديمقراطية، في اطار تطوير استراتيجية العمل العسكري، الى إيجاد ما اصطلح على تسميته "بجبهة النار المتصلة"، والتي تمتد الى عشرات الكيلومترات، فانتهجت عملية توقيت وتزامن تلك العمليات، في استهداف العدو الصهيوني وبأشكال وأنماط مختلفة، وهذا ما جعل من القوات المسلحة الثورية، أحد أهم أعمدة المقاومة الفلسطينية، التي قاتلت من أجل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واضطلعت بدور محوري في الدفاع عن الكيان السياسي الفلسطيني ووحدوية تمثيله (م.ت.ف)، والدفاع عن المخيمات الفلسطينية، بوجه مشاريع التصفية التي قادها اليمين اللبناني، ضد الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ومن ابرز العمليات التي نفذتها عملية "ترشيحا، معالوت"، عملية "القدس الأولى والثانية"، عملية "بيسان"، "قصف نهاريا بالكاتيوشا"، عملية "ابطال مخيم بلاطة"، وغيرها من عشرات العمليات الناجحة التي بقيت كابوسا يلاحق القيادة الصهيونية حتى يومنا هذا.
لم يتوقف العمل العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عند حدود القوات المسلحة الثورية، بل شكلت الجبهة تشكيلات عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، اضطلعت بدور عسكري مهم، من خلال تنفيذ عمليات كبيرة ومؤلمة ضد جيش الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه، وقد عرفت هذه الاجنحة العسكرية "بقوات النجم الأحمر" التي ظهرت في اعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987)، ولاحقا "كتائب المقاومة الوطنية" التي ظهرت في اعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000)، والتي نفذت مجموعة من العمليات الناجحة من حيث التخطيط والتنفيذ، أبرزها عملية اقتحام معسكر جان اور في قطاع غزة اواخر شهر أغسطس من العام 2001، عندما اقدم الرفيقين الشهيدين امين ابو حطب وهشام ابو جاموس على اقتحام حصن مرغنيت العسكري داخل المعسكر، وتمكنا من قتل أكثر من 7 جنود بينهم ضابط برتبة مقدم، واعتبرت العملية الأولى لاقتحام مستوطنات صهيونية في قطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية، إضافة لمجموعة من العمليات الاحترافية ومنها "الطريق إلى فلسطين"، والتي نفذها محمد أبو صقر من قطاع غزة، اقتحام "الون مورية"، والتي نفذها محمود حنني من بيت فوريك (نابلس)، "يستهار" والتي نفذها أحمد ياسر صالح من عصيرة القبلية (نابلس)، "حاجز الحمرا" والتي نفذها رأفت بني عودة من طمون (طوباس)، "منطقة الحمرا" والتي نفذها زيد حنني من بيت فوريك (نابلس)، "نتيف هتعسرا"، تجمع الليكود، عملية "الرد على اغتيال أبو علي مصطفى" والتي نفذها نسيم أبو عاصي من قطاع غزة.
استطاعت الجبهة ومن خلال مجموع العمليات البطولية التي نفذتها، على امتداد تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني أن تقدم للنضال الوطني التحرري، مفهوما مرتبطا بطبيعة العمل العسكري وربطه بالعمل السياسي، فاعتبرت ان "العمل السياسي يسير يدا بيد مع العمل العسكري، والعمل العسكري يسير يدا بيدا مع العمل الجماهيري"، وهذا ما يجعل من التقدم في مسار القضية الوطنية، مربوطا بمدى تظافر جميع اشكال النضال، التي تتكامل فيما بينها وتصب في خدمة التقدم الوطني، وهذا ما جعل من مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية، هاجسا رئيسيا وهدفا أساسيا في ادبيات الجبهة الديمقراطية، وخاصة العسكرية منها، الامر الذي دفع بالجبهة وفي محطات عديدة، للمطالبة بضرورة تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين جميع فصال المقاومة الفلسطينية، تنسق العمل العسكري وتديره في استراتيجية دفاعية قتالية موحدة وقوية في قطاع غزة، وهذا ما عملت له "كتائب المقاومة الوطنية"، التي تشكل اليوم أحد اهم الاذرع العسكرية الفاعلة في قطاع غزة، ضمن غرفة العمليات المشتركة، والتي كان لها دورا مميزا ومتطورا في التصدي للاعتداءات الصهيونية ضد القطاع خاصة في اعقاب حرب (2008،2012،2014) وفي الجولات المتقطعة، والتي كان آخرها الرد على اغتيال احد القادة العسكريين لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (بهاء أبو العطا)، اذ اعتبرت كتائب المقاومة الوطنية الذراع العسكري الأول الذي بادر الى فتح النار والرد على هذه الجريمة.
شكلت منظمة التحرير الفلسطينية، الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني بجميع مكوناته، ورأت الجبهة الديمقراطية بالمنظمة، الكيان السياسي الوحيد القادر على تمثيل استقلالية الشعب الفلسطيني، وهذا ما دفع بالجبهة في محطات عديدة، الى الدعوة لاصلاح المؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني، داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على اعطائها الشرعية التمثيلية، من خلال إرساء سياسية المشاركة الحقيقية، في إدارة الشؤون الداخلية للمنظمة، والمشاركة الحقيقية في صياغة القرارات الوطنية، الامر الذي تضمنه الانتخابات، التي تعطي توازنا منطقيا شرعيا، داخل مؤسسات المنظمة، يتمثل فيها جميع مكونات الشعب الفلسطيني على أساس قانون التمثيل النسبي الكامل، مما يضمن التشاركية والمشاركة الفاعلة والحقيقية للجميع، وعليه حددت الجبهة لنفسها معيارية في التعاطي السياسي، تحكم علاقتها مع باقي القوى الفلسطينية والتي تنطلق من مدى قرب هذه القوى او ابتعادها عن قرارات الاجماع الوطني الفلسطيني، التي تصدر عن المجلس الوطني، بحكم مكانته في النظام السياسي الفلسطيني، لما تمثله هذه القرارات من أساس لوحدة الشعب وحقوقه وحركته النضالية.
ولأن للجبهة الديمقراطية نظرية في التعاطي السياسي، تقوم على مبدأ عدم ممارسة سياسية المقعد الفارغ داخل المؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني، أي مؤسسات (م.ت.ف)، فهي تعتبر نفسها شريكا أساسيا في صياغة هذه القرارات الوطنية، وبالتالي تصبح هذه القرارات ممثلة لسياسية الجبهة الديمقراطية واستراتيجيتها النضالية والوطنية، وهذا ما يحدد مكانتها في التفاعل مع عملية ترجمة هذه القرارات، كشريكا عمليا في تنفيذها واستخدامها سلاحا يستنهض جميع عناصر القوة الفلسطينية، في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، ام لتجد نفسها على رأس المعارضة الوطنية، تلعب دورا ضاغطا ومسؤولا، في الدفع بإتجاه الاقتراب من هذه القرارات الوطنية الجامعة وترجمتها.
ومنذ توقيع اتفاق أوسلو السري في العام (1993)، وحتى يومنا هذا دأبت الجبهة الديمقراطية، على لعب دورا معارضا لهذا الاتفاق، وهي رأت فيه كارثة سياسية وانحرافا عن المشروع الوطني الفلسطيني، الذي تم تبنيه في المجلس الوطني الفلسطيني بدورته ال 12
في حزيران 1974، والمتمثل بـ "البرنامج المرحلي"، الذي بادرت الجبهة الديمقراطية لتقديمه واصبح برنامجا لعموم الحركة الوطنية الفلسطينية. وتعتبر الجبهة بأنه لا يوجد تناقض بين العمل العسكري والعمل السياسي، طالما أن هذا العمل السياسي لا ينطوي على تنازلات عن الحقوق الوطنية الأساسية للشعب الفلسطيني، ولكن اذا افتقرت العملية السياسية للمرجعات والاطر والاسس، التي تضمن بنتيجتها تحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، تصبح هذه العملية السياسية عملية فاشلة لا يجب التعاطي معها، وهذا ما مثله اتفاق أوسلو انطلاقا من الأسس التي تم التوقيع عليها، والتي قسمت الحل الى مرحلتين، تكون النقاط الأكثر خطورة وحساسية، والتي تشكل ركائز المشروع الوطني الفلسطيني، في اطار مرحلة لاحقة يتم الاتفاق عليها من خلال مفاوضات عرفت "بمفاوضات الحل النهائي"، وهذا ما شكل طعنة في خاصرة برنامج العمل الوطني الفلسطيني، مما دفع بالجبهة للوقوف بممارساتها وأدائها السياسي ضد هذا المسار العقيم، أي مسار المفاوضات العبثية، الذي انعكست نتائجه على مجمل الوضع السياسي الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية.
عرفت الـ (51) عاما من مسيرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الكفاحية والنضالية، ممارسة سياسية مميزة، جعلت من الجبهة مراقبا ومتتبعا ومبادرا، في حل قضايا وتفاصيل الحركة الوطنية الفلسطينية، وعلى جميع الأصعدة وأماكن النضال الفلسطيني، في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ، وفي الضفة والقدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر، وجميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، في دول اللجوء والشتات، وهذا يعود الى الفهم العميق للجبهة لطبيعة المرحلة الراهنة، التي يمر بها الشعب الفلسطيني، باعتبارها مرحلة تحرر وطني، ذات مهام متداخلة وطنية من جهة، وديمقراطية سياسية وديمقراطية اجتماعية من جهة أخرى، يتطلب خلالها العمل اليومي على توحيد النضال، للخلاص من الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، على حدود 4 حزيران 1967 بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، كحل مرحلي على درب انجاز دولة فلسطين الديمقراطية، على كامل التراب الوطني الفلسطيني، الخالية من أي شكل من اشكال الاضطهاد القومي والصهيونية والعنصرية والطائفية.
وعليه اهتمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في سياستها اليومية بتفاصيل أداء السلطة الفلسطينية، وعلى جميع الأصعدة، بإعتبار انجاز مشروع تحويل السلطة الوطنية الفلسطينية، الى دولة مستقلة على حدود 1967 ، هي الحلقة المركزية في اطار البرنامج الاستراتيجي، الهادف لإقامة الدولة الديمقراطية، والتي تحمل مهمة المضي بهذا المشروع، منظمة التحرير الفلسطينية، مما وضعها ومؤسساتها وآلية ادارتها وعلى الدوام، تحت المجهر للجبهة الديمقراطية، ولعل ما ذكره الصحفي الفلسطيني ناصر اللحام حول ممارسة الجبهة السياسية اليومية خير دليل على ما ذكر.
وفي ذات السياق، قدمت الجبهة الديمقراطية انتاجا ثقافيا مميزا، تناول مختلف القضايا الفكرية والنظرية والسياسية، على الصعيد الفلسطيني والعربي والعالمي، والذي افضى الى اصدار أكثر من 13 كتابا في سلسلة "من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر"، وأكثر من 32 كتابا في سلسة "الطريق الى الاستقلال"، والتي تضم العديد من الدراسات والتقارير الصادرة عن الجبهة الديمقراطية، بالإضافة للعديد من الوثائق والدراسات والمقالات والاطروحات في ذات السياق المذكور.
واليوم تستكمل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ممارستها السياسية وكفاحها الثوري، وهي تعبر نحو عامها الـ (51) متمسكة بإرثها النضالي والكفاحي، الذي اشرنا الى اجزاء بسيطة منه، في سياق الاستفادة من دروس الماضي، والمراكمة عليها والعمل على تطويرها، في إطار تطور الأوضاع السياسية، وتطور التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطنية.
(51) عاما لا تقاس بعدد السنين، بل بتراكم الممارسة السياسية والنضالية، والتمسك بهذا الانتاج النضالي والعمل على تطويره، خاصة ما تشهده القضية الوطنية الفلسطينية اليوم من تحديات على يد ما بات يعرف بـ "صفقة القرن" الأمريكية، التي تشكل حربا شاملة على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ونسف لتراكمات النضال والتضحيات الفلسطينية، بل هذا هو المشروع التصفوي الأخطر في تاريخ الصراع مع هذا العدو الصهيوني، مما دفع بالجبهة الديمقراطية، الى الإصرار على تمسكها بخيار الوحدة الوطنية، المستندة لبرنامج نضالي وطني جامع، يبدأ أولا بانتهاج استراتيجية نضالية بديلة، كما حددتها قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ (5\3\2015) والمجلس الوطني بدورته ال 23 في (30\4\2018) والتي اعيد التأكيد عليها في اجتماع (25\7\2019)، حيث لعبت الجبهة الديمقراطية دورا أساسيا في صياغتها، كمخرج من عنق الزجاجية التي حشرت به القضية الوطنية الفلسطينية، والتي تبدأ بوقف العمل بما تبقى من اتفاق أوسلو، واعلانه اتفاقا ميتا، ووقف العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي، ووقف كافة اشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال انجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي تعيد صياغة النظام السياسي الفلسطيني، على قاعدة الشراكة الحقيقية في صناعة القرارات الوطنية، مما يمهد الطريق لاحتضان الهبات الجماهيرية الفلسطينية، وتطويرها باتجاه انتفاضة فلسطينية ثالثة، تفرض على الاحتلال موازين قوى جديدة، وتصعيد الاشتباك السياسي مع الاحتلال، في أروقة الأمم المتحدة، والدخول الى جميع المحافل الدولية ومقاضاة قادة وجنود الاحتلال باعتبارهم مجرمي حرب.
في عيدها الـ (51) وبناء على ادبياتها الثورية وأمانتها النضالية، التي قدمت في سبيلها ثلة من قادتها وكوادرها شهداء وأسرى وجرحى، من الشهيد عمر القاسم والشهيد خالد نزال، والاسير سامر العيساوي ووجدي جودة ومنذر صنوبر، وغيرهم من النجوم المضيئة في سماء الجبهة والثورة، لا تجد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نفسها، الا رأس حربة الاستمرار في الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، كفصيل مناضل، ثوري، جماهيري وحدوي، يطلع بجميع واجباته النضالية والثورية، اتجاه شعبه وقضيته بعزيمة متينة، وإرادة وبرنامج سياسي واضح، مسلحة بالمقاومة الشعبية بجميع اشكالها. وعليه فإن العام الـ (51) لانطلاقة
الجبهة الديمقراطية، هو عام العمل الدؤوب وعام الإصرار على مواجهة "صفقة العار"، وجميع الصفقات التي تحاول ان تشطب هذا النضال الوطني الفلسطيني، ليكون عام الأساس في تحقيق جميع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، على طريق تقرير المصير والاستقلال والعودة.
عاشت جبهة الشهداء في عيدها الـ (51)
عاشت جبهة العمال والفلاحين والكادحين والفئات الوسطى
عاشت القلعة الحمراء وتاج اليسار الفلسطيني المقاتل
جهاد سليمان / قيادي في
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت