الملخص
- لقد ادى تغير السياسة الاميركي في المنطقة، وانشغال الروس بحماية مصالحهم الاستراتيجية ، الى اتساع مساحة الفراغ الجيوسياسي، الامر الذي مهد الى محاولات قوى اقليمية مختلفة لتوسيع نفوذها في تلك المنطقة، وعلى راسها ايران وتركيا، اللتان تتمتعان بالحضور الجيوسياسي القوي وتعتبران من المحاور الجيوبوليتيكية المهمة بفضل ما تمتلكانه من إمكانيات وطموح للعب دور إقليمي كبير.
- وجاء صعود النفوذ الإيراني في المنطقة، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بدفعٍ من “لوبي إيراني” في الولايات المتحدة الامريكية ، اعتبر أنّه على الرغم من العداء الاستراتيجي بين أميركا وإيران، فإنّ السلوك الإيراني لا يشكّل خطراً حقيقياً مثلما هي حال “الأغلبية السنّية” المعادية للولايات المتحدة والغرب. وعزّز احتلال العراق نظرية التحالف الأميركي- الإيراني، وقامت الصفقة على مقايضة “الوجود الأميركي” بـ”الهيمنة الشيعية”. وعزّزت الحرب على الإرهاب، بداية من العام 2015، التفاهمات الضمنية، غير الرسمية، الأميركية – الإيرانية، وتوجت بإبرام الاتفاق النووي عام (2015)، والذي كرس إيران قوّة إقليمية معترفا بها، وبدأت ايران في توسيع نفوذها في المنطقة .
- وأدى احتلال العراق 2003 والحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن، الى خلق “توازن مصالح” بين إيران والولايات المتحدة ، فبينما تعزز النفوذ الإقليمي الإيراني ، تعزز في المقابل التواجد العسكري والنفوذ الأمريكي ، وجرى تثبيت توافق ضمني وفق خطوط حمراء : عدم المس بأمن إسرائيل ، وعدم الاستهداف المباشر للقواعد الامريكية في المنطقة والقبول بحروب محدودة بالوكالة ، خارج حدود ايران والولايات المتحدة. ومع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، أعاد السياسة الأميركية إلى “الصفقة التقليدية” (التحالف مع الأنظمة العربية ومعاداة إيران)، وجاءت عملية اغتيال الجنرال سليماني لتؤشر الى انتهاء “التوافق الضمني” وبداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الجانبين .
- وفي إطار استراتيجية “إعادة تفكيك وتركيب” المنطقة، باتت تتحرك القوى الدولية والإقليمية في مسارات متعارضة لاعادة تشكيل الوجه الجيوسياسي للمنطقة، من خلال تصعيد الاشتباك والصدام لفرض واقع ونفوذ جديد في تلك المنطقة التي ترسمها حدود النار بين القوى الكبرى – الولايات المتحدة وروسيا – وتتفاعل مع مجرياتها قوى إقليمية ، إضافة الى إسرائيل. وتعتبر منطقة شمال الشرق الأوسط، أكثر المناطق التي تشكل نواة النفوذ الإيراني، الذي يمتد إلى مناطق متعددة في الإقليم ليشمل: حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، النظام السوري، والحشد الشعبي وبعض القوى في العراق ، وحركات المقاومة الفلسطينية. وفي المقابل نجد التفاعل الحيوي الذي تقوده واشنطن في منطقة الخليج ، إضافة الى التفاعلات العسكرية شرق المتوسط حول موضوع الغاز التي تخوض فيه مجموعة من القوى الإقليمية مسارات ساخنة في هذا الاتجاه.
- وعززت إستمرارية الصراع بين القوى الإقليمية، دون مقدرة أيا منهم على حسم الصراع، من احتمالات الانتقال الى آليات “التحالفات المرنه” التي ستميز العلاقات بين الأطراف الفاعلة في المنطقة خلال الفترة المقبلة، نتيجة صعوبة سيطرة وهيمنة قوة إقليمية واحدة على الإقليم فى ظل صراعتها المتناحرة مع القوى الاقليمية الاخرى، ونتيجة لعدم توافر أغلب مقومات القوة فى دولة واحدة من جهة، ورفض القوى العظمى والكبرى بروز قوة إستراتيجية فى الشرق الأوسط تهيمن وتسيطر على الأوضاع داخل النسق الاقليمى الجديد من جهة أخرى، مما ينذر باستمرارية الصراع ولكن فى وجود تعاون بين القوى الاقليمية وتبادل الأدوار داخل الاقليم، وبروز تحالفات أكثر مرونه.
- وفق المؤشرات الاستراتيجية السابقة ، يمكن صياغة السيناريوهات المستقبلية التالية لاتجاهات الأوضاع في المنطقة في المرحلة المقبلة :
- لا يرغب الطرفان الأمريكي والإيراني في الوصول الى المواجهة العسكرية الشاملة، ولذلك ستواصل الادارة الامريكية الامتناع عن ممارسة “ضغوط عسكرية قصوى” على ايران، وستكون القيادة الإيرانية حذرة في خطواتها لتجنب خيار الحرب الشاملة ، وسيقتصر الامر على “مناوشات ميدانية”، في اطار “حرب الاستنزاف”. وستعمد إيران إلى تسريع برنامجها النووي، وسوف تستأنف تخصيب اليورانيوم إلى درجة 19.75 في المائة، وهي خطوة مهمة نحو تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية .
- على الرغم من الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وتقليل نفوذها، وفق تغييرات في الاستراتيجية الامريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، الا ان العديد من المؤشرات تؤكد ان الاستراتيجية الامريكية ستقوم على مبدأ “التحكم عن بعد” والاشراف على “إعادة رسم التحالفات” و “توزيع الأدوار” للأطراف الفاعلة في الإقليم ، بما يوسع هامش الحركة امام إسرائيل التي ستكون ضمن تحالف إقليمي جديد يفتح أبواب منطقة الخليج امامها، بحجة مواجهة التحديات التي تمثلها ايران ، ولذلك تم المبادرة الى طرح مشروع صفقة القرن بحجة تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وفي حقيقة الامر فان هدفها هو إعادة رسم المشروع الاستراتيجي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
- بينما تشهد المنطقة إعادة تصميم التحالفات وقواعد اللعبة بصورة جوهرية، سيجري الدفع بـ “صفقة القرن” التي سيكون عنوانها “السلام الإقليمي” القائم على تحالف أميركي – إسرائيلي – عربي في مواجهة النفوذ الإيراني ، حيث ستسعى إسرائيل لاستغلال الانسحاب الأمريكي من المنطقة لتصبح طرفاً أساسياً في إقامة تحالفات أمنية جديدة في المنطقة، تضم معها دولاً خليجية التي ستكون بحاجة ماسة الى التحالف مع إسرائيل في مواجهة الخطر الإيراني المتصاعد في المنطقة والذي سيتعزز بتسريع ايران مشروعها النووي، وستعتبر بمثابة الخطر الداهم على إسرائيل ودول الخليج والذي يتطلب التعاون بين الجانبين لمواجهته. ومسارات التحول في مفهوم التطبيع مع إسرائيل وخلق بيئة مناسبة لدمجها في المنطقة، بحيث تقوم تل أبيب من خلالها بتفعيل الصورة التي تبني عليها محور مواجهة إيران وشطب نفوذها في المنطقة. حيث تربط الولايات المتحدة مفهوم القوة وسد الفراغ في إطار الهدف المشترك وهو احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة بين السعودية وإسرائيل، على قاعدة أن “إسرائيل تملك القوة العسكرية والاستخباراتية، بينما تملك السعودية المال والقوة الناعمة والكثير من النفوذ في المنطقة .
- بينما يتوقع ان تشهد المنطقة تغييرات في التحالفات القائمة وفق استراتيجية “التحالفات المرنة”، والتي ستفرضها تطورات الأوضاع وتعقيداتها ، الا انه وفي المقابل من المتوقع ان يؤدي صراع المحاور والنفوذ الى المزيد من التوتر وإعادة اخراج الكثير من أدوات العنف والإرهاب للتأثير على الأطراف المختلفة وخاصة في العراق : (أمريكا – ايران) ، ليبيا : (تركيا – مصر – أوروبا – روسيا)، وفي منطقة الخليج : (أمريكا – السعودية – ايران – اليمن – الامارات).
- فلسطينيا ، على الرغم من الهوامش الواسعة التي تسعى إسرائيل للاستحواذ عليها في اطار خريطة التحالفات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة وفق تصورات الإدارة الامريكية ، والتي ستكون بالطبع على حساب الشعب الفلسطيني ، الا ان التطورات الإقليمية ستدفع باتجاه محورية هذا الدور الفلسطيني ، فكافة التحالفات التي يجري إعادة صياغتها في المنطقة لا يمكن ان تتجاوز الطرف الفلسطيني وهو الامر الذي يتطلب براعة في التعامل مع مجريات الأوضاع وتحركات على كافة الأصعدة.
- ووفق التقديرات فان قطاع غزة او الجبهة الجنوبية مقبلة على تطورات درامية في المرحلة المقبلة ، خاصة انه تشكل محورا هاما من محاور صفقة القرن الامريكية والتي تطرقت بصورة واضحة لمستقبل قطاع غزة وخاصة لجهة سلاح التنظيمات .. وتشير التطورات الميدانية الى ان هناك قراءة خطيرة من جانب تنظيمات فلسطينية لتطورات الاحداث ، سيتبعها اندفاعات عسكرية في اتجاه قطاع غزة .. خاصة في ضوء التصعيد المتواصل لعمليات الاحتكاك الخشن واطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
الدراسة الكاملة IRAN(1)
المصدر: بقلم الدكتور يوسف يونس – نائب رئيس مركز الناطور للدراسات -
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت