محمد مازن، خبير مصري يعمل حاليا في إحدى الهيئات الإعلامية الكبرى بالعاصمة الصينية بكين، تعيش معه أسرته (زوجة وطفلان يدرسان بإحدى المدارس الإبتدائية ببكين). بعد تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين، أعرب والداه وأقاربه وأصدقاؤه في مصر عن قلقهم العميق إزاء صحة أفراد الأسرة وسلامتهم، كما اقترحوا عليه العودة إلى مصر في هذا الوقت الخطير. لكن مازن بعد نقاش مع زوجته وابنيه، قرر البقاء في الصين. ومن أجل تخفيف قلق والديه وتوترهما، كتب رسالة لشرح سبب قراره والتعريف بالتدابير والإجراءات التي تتخذها الصين لمكافحة الفيروس.
فيما يلى رسالة محمد مازن:
قررت عدم مغادرة الصين في الوقت الحالي لسببين أساسيين أولا، إيمانا " بأنه لن يصيبنا إلا ما قدر الله لنا"، وثانيا، ثقة بالصين، حكومة وشعبا، باذن الله، على الانتصار على فيروس كورونا الجديد.
في واقع الأمر هي قضية أخلاقية قبل أن تكون صحية. لابد للشخص أن يفكر في صحة الآخرين أيضا بينما يتخذ قرار من هذا النوع. وليس هناك من قرار أفضل من المواجهة والتآزر والتضامن في هذا الظرف الصعب.
لم يحدث بعد ما يدفعني إلى العودة. في بكين حيث أعمل وأقيم، لم يصل انتشار كورونا للحالة التي عليها في ووهان. نعم، الحياة ليست كالمعتاد، الشوارع تبدو شبة خالية، معظم المراكز التجارية والأماكن الترفيهية وحتى دور العبادة مغلقة، لكن لا يمكن القول أنها "مدينة أشباح".
نمارس هنا الآن حياتنا فقط بشكل مختلف، لا أكثر ولا أقل. فرض الوضع الجديد علينا ذلك لفترة ما. وبحكم وجودي في الصين منذ عشر سنوات، يعرف الصينيون كيف يتمركزون في المكان والزمن الصحيحين لمجابهة الأزمات. وفي الوقت الحالي، يقوم كل فرد بدوره بشكل منظم ومسؤول، ليس خوفا من فيروس كورونا الجديد، ولكنه إحساس الفرد هنا بالمسؤولية تجاه الوطن والكوكب والعالم.
منذ أسابيع، نعمل من المنزل بحسب التعليمات. لا نخرج سوى لشراء المستلزمات المنزلية والطعام. هناك فرق طبية تقف على أبواب المجمعات السكنية تقيس درجة حرارة القاطنين، وأخرى شعبية من المتطوعين تفحص هوية الغرباء. فرق تطوف على الشقق وتقدم التعليمات، وأخرى تؤكد على الالتزام بإجراءات الوقاية من المرض وإرتداء الأقنعة وغسل اليدين بعد العودة وشرب الماء بانتظام.
وعلى تطبيق "ويتشات" ومنصات التواصل الأخرى، تتصل المدرسة مرتين يوميا للاستفسار عن حالة الطفلين وتنقل لنا التوجيهات والتعليمات، وتسأل عما إذا كانت هناك تطورات، أو خطط للسفر، أو حتى إصابة بين الجيران والأصدقاء.
المواد الغذائية والطبية الوقائية والأدوية متوفرة. المنشأة التي أعمل بها تولت إرسال الكمامات إلى المنزل، وتتابع معنا بانتظام، وهكذا تفعل بقية المؤسسات. الأصدقاء والجيران الصينيون يراسلوننا باستمرار للاطمئنان، لا زيارات مؤقتا، ويثق الجميع أنه من خلال الجهود المشتركة سيتم هزيمة الفيروس في النهاية وعودة الحياة إلى طبيعتها.
لكن الذي يعيش في الصين يلحظ تماما حالة من الذعر والمبالغة يعيشها العالم الخارجي. هناك أصوات تبالغ، خبراء وأطباء وأناس لا يفقهون يطلون على الشاشات والمواقع ومن حيث لا تدرون. دول أوقفت الرحلات وأخرى فاقت الحدود بإغلاق الحدود.
بلدان فرضت حظرا على جميع الصينيين من الدخول إلى أراضيها، وأخرى منعت الأجانب الذين سافروا إلى الصين خلال الـ 14 يوما الماضية، في قرارات غير إنسانية. لكن الواقع هنا على الأرض يقول إن استجابة الصين للفيروس قوية وموقفها منظم.
فقد اتخذت الصين بعض التدابير التي لا تصدق ونفذتها بسرعة. أغلقت مدنا ومناطق وأنشأت مستشفيين سعة 2600 سرير في وقت قياسي في ووهان، لمواجهة الحالات المتزايدة، وتخطط للمزيد. المجتمع بأسره يتعاون. إمدادات وتبرعات لا تتوقف. وجهد شاق مستمر.
رأينا العديد من المسؤولين غير الأنانيين وأفراد الجمهور المكرسين لمحاربة الفيروس. وتعاملت الحكومة بكل جدية مع المسؤولين المقصرين وغير الأكفاء.
صحيح أن الوضع الوبائي الحالي في مرحلة التطور والتغير، لكن السلطات الصينية اتخذت ترتيبات متطورة واعتمدت تدابير فعالة. ومن المنطقي أن تحظى جهودها وتضحيات شعبها باحترام.
غير أن أكثر ما أثار الاستياء هنا هو استغلال المرض نفسه من جانب البعض سياسيا وتجاريا واستخدامه حتى لإيذاء المشاعر والتمييز عنصريا دون إنسانية ضد الأصدقاء الصينيين.
بالتأكيد، الوباء سيمر عاجلا أم آجلا. وستبقى هذه الإساءات شاهدة على سوء تصرف أصحابها. الشعب الصيني على قلب واحد وعقل واحد. الصعوبات موجودة والثقة أيضا. وسيختبر الفيروس مسؤولية ومهارات المسؤولين الحكوميين وكذلك معدن الأصدقاء الحقيقيين. "هذا هو وقت الحقائق وليس الذعر. وقت العلم وليس الشائعات. وقت التضامن وليس الوصم".
اطمئنوا جميعا! ليست هناك حاجة إلى الذعر والمبالغة في ردة الفعل. تصرفات الصين وجهودها هي التي سيكون لها القول الفصل في مواجهة الفيروس القاتل. ومن منظور الوضع الحالي، ستكون الصين قادرة على القضاء على فيروس كورونا الجديد.
لا يمكن للتقارير والبيانات المتحيزة والخاطئة والمضللة أن تخلق البلبلة فحسب، بل لا تقدم أيضا أي مساعدة في التصدي للوباء. وفي النهاية يمكن أن نصبح أمام فيروس آخر. إن المعدن الحقيقي يظهر في الأوقات الصعبة. والمصريون العاديون يقولون "شدة وتزول". وأتمنى للصين أن تتجاوز ذلك قريبا ولكم جميعا كامل الصحة والسلامة.