عشرون يوما مضت على إعلان "صفقة القرن" وعلى الخطاب الشهير للرئيس عباس في المقاطعة برام الله ، وحديثه عن إمكانية اللقاء الوطني الشامل لمواجهة الصفقة ,وما تبعه من الإعلان عن وفود السلطة وأحزابها التي ستزور قطاع غزة , من أجل توحيد الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن ، استعد الفلسطينيون لمرحلة جديدة تسود فيها الوحدة الداخلية التي تستند على برنامج الحفاظ على الحقوق ومقاومة المحتل وإسقاط المؤامرة ، استبشر الفلسطينيون بعودة القضية إلى جذور التاريخية الحقيقية, المستندة إلى تعرض فلسطين من بحرها إلى نهرها لأكبر جريمة إحتلال تآمر في ترسيخه كل قوى الشر الدولي , وأمام هذه الحقيقة لا يمكن لأي جهة دولية أو إقليمية إدانة نضال شعبنا للتحرر والإنعتاق من الإحتلال البغيض , وعلى ما يبدو أن لفريق السلطة موقف آخر مغاير لموقف الكل الوطني , فما لبث أن عاد التشاؤم وسيطرت أجواء الخيبة وسط تراجع في إمكانية اللقاء الوطني الجامع الذي يقودنا نحو رؤية وطنية لمواجهة صفقة القرن الأمريكية .
حالة إصرار عجيبة من قبل قيادة السلطة بتمسكها بخيار التسوية مع الإحتلال , والحرص على تنفيذ الإتفاقيات الأمنية التي تخدم الإحتلال وتمهد له الطريق نحو إبتلاع الأرض وتوسيع مستوطناته على أراضي الضفة المحتلة ,ويأتي في نفس السياق تصريح الناطق بإسم رئاسة السلطة نبيل أبوردينة بأن السلطة مستمرة بالتنسيق الأمني ومحاربة " الإرهاب" وإعتقال "الإرهابيين" , وهذا الحديث يعري الدور اللاوطني للسلطة في قمع المقاومة وإفشال أي جهد وطني لمواجهة صفقة القرن على أرض المعركة.
وهي رسائل يبعث بها فريق سلطة التنسيق الأمني للتلويح بأهمية خدماته الأمنية المجانية للإحتلال , وهذا ما تباهى به رئيس السلطة في خطابه خلال إجتماع الجامعة العربية بتاريخ 1-2-2020 م , معترفا بأن أجهزة السلطة الأمنية قدمت معلومات أمنية للصهاينة " لم يحلمون بها", بالتأكيد لم تكن تلك المعلومات عن الحالة الجوية في الأراضي الفلسطينية أو عن سعر صرف الدولار في السوق الفلسطينية ! .
سلوك السلطة وقيادتها يقول بأن الحديث عن الوحدة وإنهاء الإنقسام السياسي غير جاد وللإستهلاك المحلي فقط , وأن مواجهة صفقة القرن التي يتغنى بها دعاة التنسيق الأمني حتى الرمق الأخير , بمثابة كذبة مفضوحة في محاولة لكسب تعاطف الشعب الفلسطيني وهيهات أن تنطلي عليه , فمن يريد مواجهة صفقة القرن فإن الطريق يمر عبر مواجهتها بكل فعل ثوري فعال سياسيا وميدانيا.
من ينتظر من الرئيس عباس أن يحمل السلاح أو يدعو الشعب الفلسطيني لحمل السلاح في مواجهة الإحتلال يجهل تاريخ الرجل ومنهجيته في التعامل مع الاحتلال , والتي رسخهها كنهج للسلطة وحزبها والفصائل المرتبطة بها ، والتي تم تدجينها عبر نزع فكرة الكفاح المسلح من برامجها السياسية والتعبوية مقابل إغراءات السلطة والمال .
خيارات السلطة في مواجهة صفقة القرن لا تتعدى تحسين شروط التفاوض أو تغيير بعض بنود الصفقة لتصبح مقبولة ويمكن تسويقها شعبيا , فهذا الفريق يعترف بـ " إسرائيل" ويقر إحتلالها لــ (80%) من فلسطين ويعترف بسيادتها على القدس الغربية , ويواصل التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الصهيونية , ويستمر في جولات الإستجداء عبر منصات الخطابة في كل محفل دولي أو إقليمي , ومطلبه دولة منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة في حدود الرابع من حزيران 1967 م , ولو كانت الأوطان تحرر بالدموع لصنع فقراء الحيلة والوسيلة أوطان لهم , والعالم لا ينتظر إلا إلى الأقوياء الأشداء في الدفاع عن حقوقهم , ومن يسلك سبيل الإستجداء على أبواب القوى العظمى ستدوسه أقدامهم.
لاشك أن طريق التسوية مع الإحتلال وإفرازاته هو المتسبب فيما وصلت إليه قضيتنا من تداعي اللئام للفتك بالحق الفلسطيني كما تتداعى الأكلة على قصعتها , لم تكن المؤامرة والعدوان ضد القضية الفلسطينية من قبل بهذا الوضوح ، كانت بعض الأطراف ( دولية وإقليمية ) تمارس الخداع تبطن الشر لقضيتنا وشعبنا وتحمل الموادعة والتطبيع مع عدونا ، وتظهر لنا حجم من الشعارات الجوفاء عن الدعم والإسناد لشعبنا الفلسطيني ، ولم نرى لا دعم حقيقي ولا إسناد مؤثر لصالح قضيتنا الوطنية والدفاع عن حقوقنا الراسخة .
جردة حساب سريعة للموقف الفلسطيني من إعلان ترامب صفقته الخبيثة , يعي جيداً غياب الجدية في مواجهة هذا الخطر الداهم , وأن السلطة غير معنية بهدم معبد أوسلو أو المساس بنصوصه الأمنية , على أبواب هذا المعبد الشيطاني يكمن الاسترزاق لجيوب المنتفعين على حساب الوطن وحريته وكرامة مقدساته .
فما هو المطلوب ؟ الطريق يبدأ بإنهاء زمن أوسلو العبثي الذي أفرز الإنقسام الفلسطيني, وسحب الإعتراف بكيان العدو , وإعادة تشكيل قيادة الشعب الفلسطيني وإقرار البرنامج الثوري لموصلة النضال الفلسطيني وإسناد شعبنا وتعزيز صموده ودعم مقاومته بكافة الإمكانيات والوسائل , وإلا فإن النتائج ستكون كارثية على قضيتنا الفلسطينية ..
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
18-2-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت